مع اقتراب موعد انتخابات إيران الرئاسية في 28 حزيران الجاري، يزداد المشهد السياسي حساسيّة مع ارتفاع حدّة المنافسة بين المرشّحين، خاصة داخل التيّار المحافظ، الذي دخل هذا السباق بخمسة مرشّحين، في مقابل مرشّح إصلاحي واحد يحظى بدعم القوى المعارضة بجميع أطيافها، وحشدت معها موقفاً واضحاً من الرئيس الأسبق والأب الروحي وعرّاب المشروع الإصلاحي محمد خاتمي. الأمر الذي منحها القدرة والفرصة لتحريك المياه الراكدة بين الإيرانيين المقيمين في الخارج، فضلاً عمّا تشهده شريحة الأصوات الرمادية من حراك لحسم موقفها من المشاركة بالاتّجاه الإيجابي لمصلحة مرشّح الإصلاحيين مسعود بزشكيان، خاصة أنّ حجم هذه الشريحة تتجاوز نسبته حدود 38 في المئة من المجتمع الإيراني.
المشهد داخل التيار المحافظ، على أعتاب انتخابات إيران الرئاسية بعد أسبوع، يبدو أنّه يسير بسرعة خلال الأيام القليلة الباقية ليأخذ صورته النهائية، إذ بدأت الضغوط الداخلية تأخذ طابعاً جدّياً من أجل الوصول إلى نوع من الوحدة الداخلية بهدف قطع الطريق على تشتّت أصواته، الذي يصبّ في النهاية في مصلحة المرشّح المنافس.
التحدّي الذي نتج عن صعود مرشّح الإصلاحيين مسعود بزشكيان لم يكن مدرجاً على جدول هواجس جماعة السلطة، الأمر الذي دفع الكثير من الأصوات داخل هذه الجماعة إلى دعوة بعض المرشّحين للانسحاب من السباق لمصلحة المرشّح الأوفر حظّاً. وهذه الضغوظ يبدو أنّها تتركّز على مرشّحين أساسيَّين، عمدة العاصمة طهران علي رضا زاكاني، ورئيس “مؤسّسة الشهيد” أمير حسين قاضيزاده هاشمي، لمصلحة كلّ من محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي. إلّا أنّ المستجدّ على هذه الضغوط هو ما يدور الحديث حوله من انقسام حادّ داخل هذه الجماعة إلى تيّارين، واحد يضغط لانسحاب جليلي لمصلحة قاليباف، والآخر على العكس يضغط لانسحاب قاليباف لمصلحة جليلي.
يمكن القول إنّ القوى الإصلاحية والمعتدلة استطاعت نقل معركة انتخابات إيران إلى داخل المعسكر المحافظ
ما علاقة ظريف؟
شكّل دخول وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف على خطّ معركة انتخابات إيران إلى جانب مرشّح الإصلاحيين بزشكيان، وتولّيه مسؤولية ملفّ العلاقات الخارجية في الحملة الانتخابية، رسالة واضحة لمعسكر المحافظين بأنّ التحدّي الذي يواجهونه في السباق الانتخابي قد انتقل إلى مرحلة متقدّمة من التحدّي والمنافسة. وربّما الصورة التي حرص المكتب الانتخابي لبزشكيان على نشرها هي تلك التي تجمع مرشّح الرئاسة إلى جانب ظريف وسفير إيران الأسبق في روسيا الاتحادية مهدي سنائي أثناء الصلاة بإمامة مساعد ظريف في الخارجية عباس عراقتشي. والأخير يشغل حالياً منصب سكرتير المجلس الأعلى للسياسات الاستراتيجية برئاسة وزير الخارجية الأسبق كمال خرازي. وهي الصلاة التي جمعتهم قبل التوجّه إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون لتقديم برنامج بزشكيان في السياسة الخارجية.
دخول ظريف مع هذا الفريق رفع مستوى القلق لدى المعسكر المحافظ ومرشّحيه الخمسة جميعاً، وفرض عليهم إدخال تغييرات على استراتيجيّتهم في المعركة في مواجهة المرشّح الإصلاحي، خاصة أنّ وجود سنائي إلى جانب بزشكيان وظريف يعني أنّ برنامج السياسة الخارجية لظريف الذي رشّحه بزشكيان لتولّي وزارة الخارجية في حال فوزه، يضرب أحد أهمّ أسس المشروع المحافظ القائم على التوجّه شرقاً وعقد تحالفات مع روسيا والصين.
أجهزة النّظام تُستنفر ضدّ ظريف
المرافعة السياسية التي قدّمها ظريف، ودفاعه الصريح والمباشر عن الاتفاق النووي الذي يُعتبر من أهمّ إنجازاته على رأس الدبلوماسية الإيرانية، أحدثا صدمة لمؤسّسة الإذاعة والتلفزيون الخاضعة لنفوذ الجناح الأكثر تشدّداً القريب والموالي لجليلي “السلفيّ”. إذ استطاع نقض كلّ ما نسجوه من جهود لإسقاط وتهشيم هذا الإنجاز وتفريغه من محتواه. بالإضافة إلى اتّهامه بتقديم تنازلات استراتيجية أمام الإدارة الأميركية وتحميله مسؤولية الفشل في إنهاء العقوبات الاقتصادية.
المرافعة السياسية التي قدّمها ظريف، ودفاعه الصريح والمباشر عن الاتفاق النووي الذي يُعتبر من أهمّ إنجازاته على رأس الدبلوماسية الإيرانية
مخاوف المعسكر المحافظ من دور ظريف في انتخابات إيران لم تكن بعيدة عن الواقع. فقد استطاع الأخير حشد جزء كبير من الشريحة التي قرّرت مقاطعة صندوق الاقتراع. بالإضافة إلى جزء من الشريحة الرمادية. الأمر الذي دفع أجهزة المعسكر المحافظ لمنعه من إجراء أيّ لقاء انتخابي مع طلاب جامعات مشهد في شرق إيران. وقد أتت هذه الخطوة بعد المشهد الذي انتشر لزيارة قام بها بزشكيان لمدينة أصفهان وإلى جانبه ابن المدينة ظريف، والحضور الكبير واللافت لطلاب جامعة طهران والجيل الجديد المعروف بجيل – زي أو Z-Generation.
إذا كان ظريف يخوض معركة الدفاع عن نفسه ودوره وإنجازه في الاتفاق النووي بعد تعرّضه لحملة قاسية من الاتّهام والتخوين على مدى السنوات الثلاث الماضية، فإنّه أيضاً يخوض معركة التيار الإصلاحي والمعتدل من خلال لعب دور محوري في التعبير عن السياسات الخارجية لمرشّح هذه القوى وضرورة الانفتاح على الغرب والحوار مع الولايات المتحدة الأميركية ضمن الضوابط التي تحقّق المصالح الوطنية والاستراتيجية للنظام وإيران.
تفكيك معسكر المحافظين
يمكن القول إنّ القوى الإصلاحية والمعتدلة استطاعت نقل معركة انتخابات إيران إلى داخل المعسكر المحافظ، الذي بات في مواجهة مستويات متعدّدة من الصراع أو المعارك، وفي مقدَّمها على المستوى الداخلي لهذا المعسكر التخفيف من الآثار السلبية للمعركة المحتدمة والمفتوحة على كلّ الإمكانيات بين أبرز أقطابه، أي جليلي وقاليباف. وهو صراع يضع هذا المعسكر المحافظ أمام تحدّي العمل للحفاظ على وحدة صفوفه والحدّ من مسار الانشقاق الذي أصبح واضحاً بين المحافظين التقليديين والمحافظين الراديكاليين.
على المستوى الثاني، فإنّ هذا المعسكر وجد نفسه في مواجهة جدّية مع التحدّي الحقيقي للقوى الإصلاحية ومرشّحها، وأنّه لا بدّ من العمل للدفاع عن مشروعه بإخراج القوى الإصلاحية والمعتدلة والمعارضة من دائرة القرار وعدم السماح لها بإعادة فرض الخطاب الإصلاحي شريكاً في المشهد السياسي.
دخول ظريف مع هذا الفريق رفع مستوى القلق لدى المعسكر المحافظ ومرشّحيه الخمسة جميعاً
قدرة ظريف التّجييريّة
تبدو معركة المعسكر المحافظ في مواجهة الوزير ظريف الأبرز والأكثر وضوحاً في انتخابات إيران. فوجوده إلى جانب بزشكيان يمثّل مصدر قلق حقيقي لهم، خاصة قدرة ظريف على رفع مستوى المشاركة الشعبية التي لا تصبّ في مصلحتهم أو مصلحة مرشّحهم لرئاسة الجمهورية. وأيّ زيادة في نسبة المشاركة الشعبية تعني زيادة حظوظ المرشّح الإصلاحي بالفوز. في حين أنّ العمل على خفض مستوى المشاركة يضمن للمحافظين وصول واحد من مرشّحيهم إلى الرئاسة. وهي استراتيجية تتعارض بشكل واضح مع توجيهات المرشد الأعلى للنظام الذي أكّد ضرورة المشاركة الواسعة التي تعتبر أساسية للنظام من أجل ترميم أزمة الشرعية الشعبية والتمثيلية التي تخدم استراتيجية المرشد في تعزيز قوّة النظام في مواجهة أعداء إيران.
أمام هذه الحقائق وتفاقم الأزمة الداخلية في المعسكر المحافظ، وفي ظلّ تصاعد حظوظ مرشّح القوى الإصلاحية، يبدو أنّ حسم نتيجة الانتخابات لأحد المرشّحين قد يكون غير ممكن في الدورة الأولى. وبالتالي يبدو أنّ الجميع يكاد يتّفق على أنّ الحسم مؤجّل للدورة الثانية التي ستجري في 5 تموز المقبل. وهذه الاحتمالية تبقى قائمة ما لم يستطع مرشّح الإصلاحيين إحداث مفاجأة بأن يستقطب شرائح متردّدة ورمادية ويرفع نسبة المشاركة إلى ما فوق 60 في المئة.
إقرأ أيضاً: المعارضة الإيرانيّة.. مرشّح الخوف المقبل للنّظام؟
في حال لم ينجح المعسكر المحافظ في تحقيق ذلك وحسم القدرة على الفوز في انتخابات إيران، فسيسهم في كشف ضآلة القاعدة الشعبية للتيار المحافظ وأنّه يمثّل الأقليّة في مواجهة أكثرية اقترعت للإصلاحيين أو امتنعت عن التصويت وفضّلت المقاطعة.