“هناك طريقة لتجنّب حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان”، في رأي النائب السابق لوزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية وسفير بلاده سابقاً في كلّ من لبنان والأردن ديفيد هيل، “لكنّها تتطلّب النشاط الأميركي والواقعية والمثابرة والاعتراف بأنّ العدوّ الاستراتيجي موجود في طهران لا بيروت”.
يعتقد السفير ديفيد هيل الذي عمل في السفارة الأميركية في بيروت كمسؤول سياسي، ثمّ نائب رئيس البعثة، ثمّ كسفير للولايات المتحدة على مدى 27 عاماً، أنّ “الصراع المتصاعد حالياً بين إسرائيل والحزب يتبع نمطاً مألوفاً، وإمكانية تنبّؤ مرهقة، على الأقلّ بالنسبة لأولئك الذين يدرسون أنماط الماضي. أو الأسوأ من ذلك، بالنسبة لأولئك من كلا الجانبين الذين عانوا من هذا الماضي الوحشيّ. كما هو الحال في مأساة يونانية قديمة، حيث رأينا جميعاً المسرحية ونعرف الممثّلين ودوافعهم ونقاط قوّتهم وضعفهم. كما رأينا أيضاً كيف تنتهي هذه القصّة المؤلمة في مأساة”.
يشير هيل، في هذا السياق، في مقال له في موقع “مركز ويلسون”، إلى أنّه منذ حرب حزيران 1967، استخدمت الجهات الفاعلة غير الحكومية، أوّلاً المقاتلون الفلسطينيون، ولاحقاً الحزب، المنطقة شبه الخالية من الدولة في جنوب لبنان لشنّ حملات دوريّة من الحرب غير المتكافئة والإرهاب على إسرائيل. وبشكل منتظم مماثل، ردّت إسرائيل على هذا الوضع الذي لا يطاق بقوّتها العسكرية، حتى بحملات كبرى في الأعوام 1978، و1982-1984، و2006. لكنّ كلّ هذه الحملات وحتى الاحتلال الإسرائيلي الذي دام جيلاً كاملاً “للمنطقة الأمنيّة” في جنوب لبنان، ثمّ التخلّي عنها من جانب واحد في عام 2000، لم تحقّق الأمن”.
يعتقد السفير ديفيد هيل أنّ “الصراع المتصاعد حالياً بين إسرائيل والحزب يتبع نمطاً مألوفاً، وإمكانية تنبّؤ مرهقة”
صراع إسرائيل من أجل الأمن
يعتبر هيل، في “مركز ويلسون” الذي أنشأه الكونغرس الأميركي والذي يقدّم مشورة ورؤى غير حزبية حول الشؤون العالمية لصانعي السياسات من خلال البحث العميق والتحليل المحايد والمنح الدراسية المستقلّة، “أنّنا اليوم مجدّداً في الوضع نفسه. حيث أنّه في 8 تشرين الأول 2023، انضمّ الحزب إلى الهجوم على إسرائيل، حتى قبل أن تردّ إسرائيل على المذابح الشنيعة التي ارتكبتها حماس في 7 تشرين الأول. ويصرّ قادة الحزب على مواصلة القتال ما دامت الحرب مشتعلة في غزة. اليوم، وفي حين يشتدّ التنافس بين إسرائيل والحزب، يبدو أنّ كلا الجانبين يحاولان تجنّب التصعيد غير المنضبط”.
وفي رأيه أن “ليس من مصلحة إسرائيل أن تخوض حرباً شاملة ومتزامنة على جبهتين. وبالمثل، قد لا يكون من مصلحة إيران الكشف عن كامل إمكانات الحزب لأنّ القيام بذلك قد يعرّض أسلحة الحزب للخطر، التي قد تكون أكثر فائدة لطهران كرادع ضدّ أيّ هجمات على منشآتها النووية”.
في مرحلة ما ستنتهي الحرب في غزة، وسيصبح السؤال الرئيسي بعد ذلك، وفقاً لهيل: ما الذي سيحدث على الجبهة الشمالية لإسرائيل؟
وإذا كان من المرجّح أن تظلّ غزة مصدراً لانعدام الأمن وعدم الاستقرار لبعض الوقت، إلا أنّ المزاج العامّ في إسرائيل لن يتسامح إلى الأبد مع الوضع الراهن في الشمال، حيث أقام الحزب فعليّاً منطقته الأمنيّة الخاصة على الجانب الإسرائيلي من الحدود بفضل تهديداته الصاروخية وما تلاها من إجلاء 60 ألف مواطن إسرائيلي من المنطقة.
في مرحلة ما ستنتهي الحرب في غزة، وسيصبح السؤال الرئيسي بعد ذلك، وفقاً لهيل: ما الذي سيحدث على الجبهة الشمالية لإسرائيل؟
في هذا السياق، يعتقد هيل أنّ “الخطاب الإسرائيلي هو في مكان ما بين الردع والعدوان. فقد حذّر رئيس الوزراء نتنياهو في الخامس من حزيران من احتمال القيام بـ”عمل قويّ للغاية”، وربّما كان يتحدّث باسم معظم الإسرائيليين عندما قال: “بطريقة أو بأخرى، سوف نعيد الأمن إلى الشمال”. وأحد التفسيرات هو أنّه يحاول تجنّب الالتفاف حوله من قبل زملائه في الحكومة اليمينية، بما في ذلك وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يطالب بغزو برّي”.
وإذ يؤكّد هيل أنّ المناقشة الجارية في إسرائيل حول كيفية استعادة الأمن هي مناقشة حامية وحقيقية، يشير إلى أنّها تأخذ بالاعتبار ما حدث من قبل. فذكريات حرب عام 2006 لا بدّ أن تثبّط حماسة بعض الأوساط الإسرائيلية لخوض حرب واسعة النطاق مع الحزب، فضلاً عن الاعتراف بأنّ قوّة النيران اليوم لدى الجانبين تطوّرت إلى حدّ كبير منذ عام 2006، وأنّ المشكلة تكمن في غياب البدائل القابلة للتطبيق لمعالجة المأزق الصعب لإسرائيل في الشمال.
الدّور الأميركيّ الأساسيّ
هنا يرى هيل أنّ “دور الولايات المتحدة ليس ذا صلة فحسب، بل هو أساسي ليس لكي تُظهر للإسرائيليين كيف يديرون الحرب، بل كيف يتجنّبون المزيد من الانحدار إلى حرب إذا كان ذلك ممكناً. وهنا يبدأ إطار الدبلوماسية الناجحة بالالتزامات التي لم يتمّ الوفاء بها في نهاية حرب 2006، المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1701 الذي شمل المكوّنات اللازمة لاستعادة الاستقرار، لكنّه افتقر إلى آليّات لاتنفيذ أو الاستعداد بحسن نيّة من جانب الحزب والإيرانيين لفرض السلام”.
إذا تغيّرت حسابات إيران الاستراتيجية نتيجة للضغوط، فإنّ قرار مجلس الأمن رقم 1701 لا يزال ، وفقاً لهيل، يوفر إطاراً لتحسين تدريجي للأمن
بالنسبة لهيل، من الضروري استئناف مسار تنفيذ القرار 1701، مع الانسحاب الأوّلي للحزب مسافة 30 كيلومتراً إلى نهر الليطاني. ولتحقيق هذه الغاية، يجب استخلاص الدروس من الماضي:
– أوّلاً: تجنّب التركيز بشكل حصري على الحلول القصيرة الأجل. حيث إنّ هناك إغراء كبيراً بالتغاضي عن الخلافات في مواجهة الصراع المستعصي. وإنّ شراء إذعان الحزب السطحي من خلال عدم ممارسة أيّ ضغوط عليه أو السماح له بالانتصار في المأزق السياسي اللبناني بشأن المنصب الرئاسي الشاغر لن يجلب الأمن. وعلى أية حال، فإنّ الإسرائيليين لن يقبلوا العودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) والعيش في الظلّ اليومي للإرهاب.
– ثانياً: المثابرة. يتعيّن على أميركا وشركائها أن يظلّوا منخرطين حتى بعد التوصّل إلى وقف إطلاق النار إذا كنّا راغبين في تجنّب العودة المتوقّعة إلى العنف.
إقرأ أيضاً: ناشيونال إنترست: عاصفة كاملة تهدّد الشرق الأوسط
– ثالثاً: ما دامت إسرائيل وأميركا وغيرهما تركّز على الوكلاء وليس على رعاة الصراع، فإنّ دورات العنف هذه لن تنتهي أبداً. فالعدوّ الاستراتيجي موجود في طهران، وليس بيروت. وربّما تشير التقارير الأخيرة عن التواصل الدبلوماسي المباشر بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين إلى الاتّجاه الصحيح، اعتماداً على ما يقال. ولكن فقط عندما يشعر القادة الإيرانيون، وليس فقط وكلاؤهم العرب ووقود المدافع، بالألم، فمن المرجّح أن نشهد إعادة تقويم حقيقية في طهران تؤثّر على سلوك الحزب. إنّ تنفيذ العقوبات، وحظر تصدير الأسلحة، والضغط العسكري على الأصول الإيرانية المتمركزة خارج إيران هي نقاط البداية.
إذا تغيّرت حسابات إيران الاستراتيجية نتيجة للضغوط، فإنّ قرار مجلس الأمن رقم 1701 لا يزال ، وفقاً لهيل، يوفر إطاراً لتحسين تدريجي للأمن لكلّ من الإسرائيليين واللبنانيين الذين يعيشون على طول تلك الحدود. فالنجاح في رأيه، سيتطلّب الوقت والمثابرة.
لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا