مودي: “وليّ” آلهة “الهندوس”… يحكم أكبر دولة في العالم

مدة القراءة 8 د

خلال حملة ناريندرا مودي الانتخابية من أجل رئاسة وزراء الهند (بهارت بعد تعديل الاسم) التي انتهت بفوزه بولاية ثالثة تمتدّ خمس سنوات، قال لمؤيّديه بمهارته المعروفة في الخطابة والإقناع إنّ الله اختاره لهدف ما. وعندما يتحقّق الهدف ينتهي عمله. هذه ليست المرّة الأولى التي يلمّح فيها مودي إلى كونه شخصاً متألّهاً مُلهَماً أو يسير بعناية الآلهة الهندوسية لصناعة تاريخ جديد للهند من دون الأقلّيات، لا سيما المسلمين منهم، يمتدّ لألف سنة. وذلك على غرار الزعماء القوميين الفاشيين الكاريزماتيين في القرن العشرين…

 

عندما خاض رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي الانتخابات لأوّل مرّة عام 2014 اختار العاصمة الروحية للهند “فاراناسي” لتكون دائرته الانتخابية. وهو ما جعل المدينة القديمة خلفية مثالية ورمزية لتطلّعاته الدينية وطموحاته السياسية. وقال مودي في ذلك الوقت: “لقد دعتني الأمّ جانجا إلى فاراناسي”، في إشارة إلى نهر الغانج المقدّس، الذي يعتبره العديد من أتباع الديانة الهندوسية جسد الإلهة الهندوسية “غانجا”.

“تطهير” الهند من الإسلام

في حملته الانتخابية الأخيرة، استخدم مودي كلّ مهاراته الإقناعية التي تلبس لبوس الدين. وكذلك خطاباته التحريضية على الأقلّيات، وعلى رأسها المسلمون، الذين يُعدّون أكثر من 10% في أقلّ تقدير. أي ما يتعدّى 200 مليون نسمة من أصل مليار و400 مليون نسمة. وباتت الهند البلد الأكبر من حيث السكّان بعد تجاوز الصين. ويقترب عدد مسلمي الهند من عدد سكّان باكستان الحالية التي انفصلت مع بنغلاديش (باكستان الشرقية) عن الهند عام 1947 لتكون دولة المسلمين الهنود.

يبلغ سكّان باكستان ما يقارب ربع مليار نسمة، وسكّان بنغلاديش أكثر من 170 مليون نسمة. وعلى الرغم من العدد الهائل من المسلمين في دولة قامت أصلاً على قاعدة العلمانية. إلا أنّ مودي لا يتوقّف عن استفزاز المسلمين واضطهادهم بشكل منهجي. وهدفه المعلن هو تحويل بلاده إلى دولة قومية هندوسية. وفي سبيل ذلك، يبدّل التاريخ، ومعالمه، فيما الإسلام جزء أساسي من تاريخ الهند.

عندما خاض رئيس وزراء الهند الانتخابات لأوّل مرّة عام 2014 اختار العاصمة الروحية للهند “فاراناسي” لتكون دائرته الانتخابية

في عام 2019 أصدر قانون الجنسيّة لحرمان السكّان المسلمين في ولاية آسام من الجنسية الهندية، وبدأت الإجراءات العملية والقانونية في هذا الاتّجاه. تغيير أسماء الولايات، بعد تغيير اسم الدولة رسمياً، لمحو آثار السلاطين المسلمين. وفي الأثناء تدمير المعالم الأثرية الإسلامية، لا سيما المساجد، بعد نجاح مودي وكان قيادياً في حزب بهاراتيا جاناتا (Bhartiya Janta Party (BJP في حملته الضخمة عام 1992 في هدم المسجد البابري الكبير. وهو ما أطلق موجة من الصدامات الطائفية آنذاك.

المعبد الهندوسي… مكان المسجد

على الرغم من الدعاوى القضائية الهادفة لاسترجاع المسجد، فاز القوميون الهندوس بالحكم القضائي، وبنوا معبد الإله الهندوسي رام مكان المسجد. وبهذه المناسبة، دشّن مودي هذا المعبد في كانون الثاني الماضي. وحملت اللوحات الإعلانية صورة الإله الهندوسي رام إلى جانب وجه مودي. حتى إنّ زعيم حزب بهاراتيا جاناتا أطلق على رئيس الوزراء لقب “ملك الآلهة”.

صام مودي لمدّة 11 يوماً في طقوس التطهّر قبل الحدث، وزار المعابد في جميع أنحاء البلاد، وأدّى الطقوس. وأطلق على نفسه اسم أداة الإله رام، الذي اختاره “لتمثيل كلّ شعب الهند”.

أثناء الانتخابات أيضاً، اتّهم مودي المسلمين بأنّهم “متسلّلون”، وأنّهم يتسبّبون في نزوح السكّان الهندوس من البلاد، عن طريق تكثير الولادات عمداً. وهذه الاتّهامات عبارة عن شائعات يردّدها القوميون الهندوس في حين أنّ انتشار الإسلام وسط الطبقات المنبوذة في الهند هو ما يثير التوتّر.

في حملته الانتخابية الأخيرة، استخدم كلّ مهاراته الإقناعية التي تلبس لبوس الدين. وكذلك خطاباته التحريضية على الأقلّيات

تلطّخت سيرته السياسية بالمذبحة التي وقعت في مدينة أحمد آباد كبرى مدن ولاية غوجارات عام 2002. عندما ارتكب الهندوس المتطرّفون مذبحة عشوائية ردّاً على حادثة احتراق قطار يقلّ آلاف الحجّاج الهندوس على طريق العودة من مناسبة دينية. كان مودي حينذاك رئيس ولاية غوجارات، التي هي مسقط رأسه. فبدلاً من ردع المعتدين على المسلمين الأبرياء، طلب من الشرطة المحلّية ترك الهندوس الهائجين لتنفيس غضبهم. موقفه هذا وسّع من نطاق شعبيّته لدى الغالبية الهندوسية، وجعله منبوذاً في المحافل الدولية لاتّهامه بالضلوع في المأساة… إلى أن أصبح رئيساً للوزراء قبل عشر سنوات، ورُفع الحظر عنه أخيراً، بسبب الاحتياج الأميركي إليه في مواجهة الصين.

طفولة مميّزة؟

يروي الكاتب البريطاني أندي مارينو Andy Marino، جوانب من شخصية الزعيم الهندي، وهو كاتب سيرته السياسية، في كتاب صدر عام 2014، فيقول: وُلد ناريندرا مودي في 17 أيلول 1950 في بلدة صغيرة تُدعى فادناغار في ولاية غوجارات. كانت فادناغار في ذلك الحين منطقة راكدة شبه ريفية هادئة ومتخلّفة ومن دون كهرباء. ولم يكن لمواطنيها تطلّعات تتجاوز تطلّعات آبائهم. لكنّها كانت شاهدة على آثار تاريخ مجيد وقديم.

مودي

كان مودي عضواً من أسرة مكوّنة من 8 أفراد، الأبوين والأولاد، يعيشون في منزل صغير لا تتجاوز مساحته 40 متراً مربّعاً. وكانت البحيرة القريبة من المنزل هي مصدر الماء الوحيد للاستعمال والاستحمام. كانت عائلة مودي من طبقة غانشي، المنتجة تقليدياً للزيوت النباتية. وفي بلد تتحكّم فيه المراتب والطبقات حيث لا تفاعل ولا تزاوج بين الطبقات العليا والدنيا. كانت طبقة الغانشي من الطبقات الدنيا في الهند، أو طبقة العمّال، لكنّها أعلى درجة من الطبقات المنبوذة. وكان ثمّة الكثير من الغانشيّين المسلمين في ولاية غوجارات. أمّا والده فكان بائع شاي في محطّة القطارات، وكان مودي يساعده في صغره.

كان مودي عضواً من أسرة مكوّنة من 8 أفراد، الأبوين والأولاد، يعيشون في منزل صغير لا تتجاوز مساحته 40 متراً مربّعاً

كان تلميذاً مجتهداً، ماهراً بالخطابة، وقارئاً شرهاً للديانة الهندوسية بشكل خاصّ. وكان من المحتمل أن يكون مآله كأقرانه من المتفوّقين موظّفاً بيروقراطياً، في القطاع العامّ أو الشركات الخاصة. لكنّه اتّسم بشخصية عنيدة ومتمرّدة وجريئة، قويّ الإرادة والجسم. وتصل الحكايات حدّ الأسطورة، إذ يقال إنّه كان يسبح أحياناً في بحيرة مليئة بالتماسيح كي يصل إلى مزار ديني بغرض إبدال رايته المهترئة بأخرى. منذ حداثة سنّه، استهواه أمران: التديّن والتقشّف من جهة، وحبّ الاندراج في نظام مرصوص من جهة أخرى.

هاتان الهوايتان، إن صحّ التعبير، جعلتاه أوّلاً متمسّحاً بما يشبه الرهبنة الهندوسية، حتى إنّ زواجه المدبّر عائلياً، وهو في سنّ الثامنة عشرة وهي أصغر منه بسنة واحدة، انتهى من حيث بدأ. فقد هجر زوجته منذ اللحظة الأولى وتركها وشأنها لإكمال تعليمها، فيما أكمل مساره نحو زعامة البلاد كما خطّط. ومن ناحية ثانية، حاول مودي الانضمام إلى الجيش، لكنّ أباه عارضه، فحصل الفراق بينهما. وبدلاً من ذلك انضمّ مودي وهو في عمر الثامنة إلى مجموعة هندوسية شبه عسكرية، هي”منظمة التطوّع الوطنية” أو Rāṣṭrīya Svayaṃsevak Saṅgh، وهي منظمة أصولية هندوسية، وتُختصر بـ RSS.

خلال حملة ناريندرا مودي الانتخابية من أجل رئاسة وزراء الهند التي انتهت بفوزه بولاية ثالثة تمتدّ خمس سنوات

المفارقة كما يلاحظ كاتب سيرته أنّ مودي عاش في بيئة مختلطة هندوسية وإسلامية في بلدة فادناغار، وكان غالبية أصدقاء طفولته من المسلمين. بل أفضل أصدقائه كان مسلماً، وهو جاسود خان باتان Jasood Khan Pathan. وبدلاً من أن يسلك طريقاً معتدلاً، انجرف إلى الاتجاه المعاكس، فخضع لتأثير داعية هندوسي هو لاكشمانارو إنامندار المعروف باسم وكيل صاحب (توفّي عام 1985)، الذي كان شديد الفعّالية تنظيمياً. أسّس بنفسه 150 فرعاً لمنظمة التطوّع الوطنية في ولاية غوجارات، في الظروف الصعبة التي تعرّضت فيها الحركة للحظر بعد اغتيال المهاتما غاندي عام 1948. برز وكيل صاحب كأب ومعلّم للكثير من الشباب الغوجاراتيّين، وكان مودي واحداً منهم.

إقرأ أيضاً: إسرائيل.. صدى الغرب الاستعماريّ البغيض

ينسب مودي إلى معلّمه الفضل في انضباطه، وتقشّفه، ونظامه اليومي من اليوغا، والتأمّل، وتمارين التنفّس، والصيام الأسبوعي. بل أيضاً معارضته الزواج، لأنّ الإخلاص للقضية يتطلّب عدم تحمّل عبء الزواج. ووكيل صاحب هو صاحب النظرة المتطرّفة تجاه المسلمين، إذ لا يرى لهم الحقّ في الانتماء إلى الهند.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@HishamAlaywan64

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…