نووي إيران: أوروبا تضغط… ضدّ أميركا؟

مدة القراءة 7 د

يمكن اعتبار القرار الصادر عن مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذريّة الذي يتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعدم التعاون، انه جاء متعارضاً مع الأجواء الإيجابية التي رافقت المفاوضات المباشرة وغير المباشرة التي جرت بين طهران والإدارة الأمريكية سواء في نيويورك أو العاصمة العمانية مسقط... فهل انتقلنا من “المفاوضات” إلى “التصعيد”؟

 

إحالة القرار الذي تبناه مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذريّة على مجلس الأمن، لم يأتِ وفقاً للصيغة الأولى التي قدّمتها الترويكا الأوروبية (فرنسا والمانيا وبريطانيا أو ما يعرف بمجموعة E 3، الأعضاء في السداسية الدولية 5+1). هي التي اضطرت للاستجابة للتمني الأمريكي بتخفيف الضغوط على طهران وعدم الذهاب إلى أقصى درجات التصعيد، ومنها مطالبة مجلس الأمن الدولي بتفعيل “آلية الزناد Snap back التي جاءت في القرار 2231 الراعي لخطة العمل المشتركة الشاملة عام 2015 المعروفة بالاتفاق النووي. والتي تسمح بإعادة تفعيل كل القرارت الدولية المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية والسياسية من دون أن يكون لأي من الأطراف الموقعة حق استخدام الفيتو ضدّها.

إسقاط الإشارة إلى استخدام “آلية الزناد” من قرار مجلس الحكام، ترك الباب موارباً بين طهران وواشنطن، للإبقاء على مسار التفاوض الثنائي بينهما. وسمح أيضاً لواشنطن بالاحتفاظ بالقدرة على استخدام ورقة العقوبات بالحدود التي تخدم طاولة التفاوض من دون أن تدفع الجانب الإيراني لاتخاذ خطوات تصعيدية حاسمة.

العنوان الذي اعتدمت عليه الترويكا الأوروبية لتقديم مشروع إدانة إيران واتهامها بخرق قوانين الحدّ من انتشار أسلحة الدمار الشامل، جاء مبنياً على الاشكالية المستمرة بين طهران والوكالة الدولية المتعلقة بالمماطلة الإيرانية في الإجابة على أسئلة الوكالة حول مصادر ذرّات اليورانيوم التي عثر عليها في موقعين( طورقوزاباد وورامين) . ذرات ذات تخصيب بنسبة تفوق الثمانين في المئة. فضلاً عن تعليق إيران العمل ببروتوكول التفيش المباغت نتيجة رفضها مشاركة عدد من مفتشي الوكالة. إلى جانب تعطيلها كاميرات المراقبة التابعة للوكالة وعدم تسليم محتوياتها للمؤسّسة الدولية.

الواضح في توقيت هذه الخطوة الأوروبية أنه يتجاوز المسائل التقنية خاصة وأنّ إيران قد أبدت استعدادها للتعاون الإيجابي

شروط إيران للتجاوب؟

الواضح في توقيت هذه الخطوة الأوروبية أنه يتجاوز المسائل التقنية. خاصة وأنّ إيران قد أبدت استعدادها للتعاون الإيجابي مع مطالب الوكالة الدولية وإزالة كل جوانب الغموض المتبقية حول برنامجها النووي. إلا أنها اشترطت ذلك بمسار طبيعي يمرّ عبر إعادة إحياء الاتفاق النووي. بخاصة في الجانب المعتلّق برفع العقوبات الاقتصادية والمالية وتطبيع العلاقات الاقتصادية بينها وبين المجتمع الدولي.

إيران

في المقابل، الموقف الرسمي للنظام الإيراني ربط بين الخطوة التصعيدية الأوروبية، والفراغ الحاصل في السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية في إيران، بعد مقتل رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان في حادث سقوط المروحية. وأدرجت هذا التصعيد في خانة محاولة الجانب الأوروبي التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية المبكرة، من خلال دفع النظام إلى اعتماد سياسة التصعيد المقابل، وبالتالي فتح الباب اأمام وصول شخصية متشدّدة إلى قيادة السلطة التنفيذية تملك المسوغ السياسي والقانوني لضرب مسار التفاوض والعودة إلى نقطة الصفر.

ورأى هذا الموقف، الذي ينسجم مع موقف وقراءة الأوساط السياسية الإيرانية بجميع مشاربها وتوجهاتها، بأنّ هذه الدول تضرب عرض الحائط بكل الهواجس الإيرانية التي ازدادت حساسيتها في الأشهر الأخيرة، نتيجة الأحداث التي تشهدها منطقة غرب آسيا بعد عملية طوفان الأقصى، وارتفاع مستوى التهديد الإسرائيلي المباشر باستهداف المنشآت النووية الإيرانية في فردو ونطنز المخصصة لأجهزة الطرد المركزي وانتاج اليورانيوم المخصب.

في ظل هذه الأجواء، فإنّ العودة إلى محاصرة إيران، قد يدفع الأخيرة لاتخاذ خطوات تصعيدية متدرجة وحاسمة في الوقت نفسه

إيران: يريدون تنازلات في ملفات أخرى

النظام، الذي أكّد على لسان المرشد الأعلى، بأنّ وفاة رئيس الجمهورية ووزير الخارجية لن يؤثر على الموقف الإيراني الملتزم بالاستمرار في السياسات الاستراتيجية التي بدأها واعتمدها في جميع الملفات، اتهم الترويكا الأوروبية بتحويل الوكالة الدولية ومجلس حكامها إلى منصة سياسية لخدمة أهدافهم. وبأنّها محاولة لمحاصرة إيران والضغط عليها للحصول على تنازلات جوهرية في مواقف وملفات ذات طابع إقليمي ودولي لا علاقة لها بالبرنامج النووي، في مقدمتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. فضلاً عن الإشارة إلى التحالف والعلاقة القائمة بينها وبين روسيا الاتحادية، والتعاون العسكري بين الطرفين الذي قلب موازين المعادلة العسكرية في الحرب الاوكرانية.

لا تستبعد هذه الأوساط، أن يكون الهدف من الحراك الأوروبي التصعيدي، إحساس هذه العواصم بأنّ المياه تجري من تحتها على طاولة التفاوض المباشر وغير المباشر بين طهران وواشنطن. وانها لا تريد أن تكون كالزوج المخدوع فتصل إلى مرحلة تجد نفسها أمام أمر واقع يفرضه عليها اتفاقٌ بين هذه الطرفين بعيداً عنها. وبالتالي ذهبت إلى هذا التصعيد لعرقلة هذا المسار من أجل العودة إلى المشاركة في طاولة التفاوض التي تشمل كل الملفات في منطقة غرب آسيا، ولا تقف عند الملف النووي.

قد تنحج الترويكا الأوروبية في كبح الاندفاعة الإيرانية الأمريكية إذا ما استطاعت عرقلة  أو تأجيل الاتفاق أو التفاهم بينهما. خاصة في الأشهر القليلة المقبلة. بحيث تصل الإدارة الأمريكية إلى حالة جمود نتيجة الانتقال للتركيز على الحملات الانتخابية، ومحاولة الإدارة الجديدة توظيف الوقت المتبقي على يوم الانتخابات في ترميم صفوفها وقواعدها الانتخابية والشعبية في مواجهة الصعود الجمهوري الكبير، وازدياد فرض فوز دونالد ترمب الطامح للعودة إلى البيت الأبيض.

العودة إلى فرض عقوبات دولية، أهم من العقوبات الأمريكية الإنفرادية وهو يعني المزيد من الأزمات الداخلية التي قد تضع النظام في دائرة التهديد الحقيقي

كيف ستردّ إيران؟

في ظل هذه الأجواء، فإنّ العودة إلى محاصرة إيران، قد يدفع الأخيرة لاتخاذ خطوات تصعيدية متدرجة وحاسمة في الوقت نفسه. فالعودة إلى فرض عقوبات دولية، أهم من العقوبات الأمريكية الإنفرادية. وهو يعني المزيد من الأزمات الداخلية التي قد تضع النظام في دائرة التهديد الحقيقي. وبالتالي فإنّ امكانية اللجوء إلى التهديد بتقليص العمل بمعاهدة الحدّ من انتشار أسلحة الدمار الشامل، ستكون من بين الخيارات المطروحة على طاولة الخطوات الإيرانية.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار التلميحات الصادرة عن رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيراني كمال خرازي، الذي شغل أيضاً منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس محمد خاتمي وغيره من المسؤولين، فإنّ العودة إلى العقوبات قد تدفع النظام لإعادة النظر في عقيدته النووية. وبالتالي قد يذهب باتجاه التخصيب العسكري وإجراء أول تجربة تفجير نووي بحيث تنقله إلى دائرة جديدة، قد تعيد خلط الأوراق. خصوصاً أنّ هذه الخطوة لا تحتاج سوى إلى فتوى جديدة من المرشد الأعلى تلغي الفتوى القديمة التي حرّمت حيازة أسلحة الدمار الشامل.

إقرأ أيضاً: لاريجاني في مواجهة المحافظين

هذا الانتقال والمعادلات الجديدة التي ستنتج عنها، قد تضع المنطقة في مواجهة تطورات مفتوحة على جميع الاحتمالات، خاصة أمريكية. وستطرح سؤالاً محورياً: هل ستقبل واشنطن بإيران النووية وتقبلها كأمر واقع؟ أم ستذهب إلى خيار عسكري مفتوح على جميع الاحتمالات؟

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…