كيف تنتهي حماس؟ هذه المسألة الشائكة التي تؤرق إسرائيل وشريكتها الأميركية والدول الحليفة لها تجد كاتبة أميركية اختصاصية في الإرهاب تعمل في خدمة أبحاث الكونغرس أنّ حلّها يكمن في استراتيجية ممكنة التنفيذ: هي السماح للمجموعة بهزيمة نفسها.
تعتقد الكاتبة أودري كورث كرونين، وهي أيضاً مديرة “معهد كارنيغي ميلون للاستراتيجية والتكنولوجيا” ومؤلّفة كتاب “كيف ينتهي الإرهاب؟”، وسبق أن عملت مستشارة للسياسة في مكتب وزير الدفاع الأميركي، وكانت رئيسة مجلس الأجندة العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي حول الإرهاب، أنّ الجميع يخسر في الحرب في غزة باستثناء حماس. بل إنّ هذه الحرب أدّت إلى زيادة دعمها بين الفلسطينيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وحتى على مستوى العالم. وهناك القليل من الأدلّة على أنّ قدرة الجماعة على تهديد إسرائيل قد تعرّضت للخطر. بل ساعد الردّ الإسرائيلي حماس. حيث أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحيّة في آذار 2024 أنّ نسبة تأييد حماس بين سكان غزة تجاوزت 50%، أي بزيادة قدرها 14 نقطة منذ كانون الأول 2023.
في أعقاب 7 أكتوبر، أفادت إسرائيل عن مقتل أكثر من 100 من قادة حماس، لكنّ هذه الاغتيالات لم تؤثّر على قدرات الجماعة
في رأي كرونين، وهي عضو مدى الحياة في مجلس العلاقات الخارجية الاميركية، أنّ حماس “تستوفي جميع معايير اعتبارها منظّمة إرهابية. والقضاء عليها سيكون مفيداً للفلسطينيين، وإسرائيل، والشرق الأوسط، والولايات المتحدة. ولكنّ ردّ الحكومة الإسرائيلية على هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، واللامبالاة بموت ومعاناة المدنيين الفلسطينيين، كانا في مصلحة حماس. تراجعت أعمال 7 أكتوبر الشنيعة عن الأنظار، وحلّت محلّها الصور التي تدعم روايتها، حيث إسرائيل هي المعتدي الإجرامي وحماس هي المدافعة عن الفلسطينيين الأبرياء”.
475 منظمة إرهابية في 100 عام.. وهذه الخلاصات
بالنسبة لكرونين “الحرب الإسرائيلية في غزة كارثة استراتيجية. ولكي تتمكّن إسرائيل من إلحاق الهزيمة بحماس فإنّها تحتاج إلى استراتيجية مبنيّة على فهم أعمق للكيفية التي تنتهي بها الجماعات الإرهابية عموماً”. وتشير إلى أنّها على مدار عقود من البحث، جمعت بيانات عن 457 حملة ومنظّمة إرهابية، تعود إلى 100 عام، وحدّدت من خلالها ستّة مسارات أساسية تنتهي بها الجماعات الإرهابية، آخرها هو الأفضل بالنسبة لإسرائيل:
- المسار الأقلّ شيوعاً هو النجاح. يتوقّف عدد قليل من المجموعات عن الوجود لأنّها تحقّق أهدافها. أحد الأمثلة المألوفة هو uMkhonto we Sizwe، الجناح العسكري للمؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا، الذي شنّ هجمات على المدنيين في بداية حملته لإنهاء الفصل العنصري. ومثال آخر هو منظمة الإرغون، اليهودية المسلّحة التي استخدمت الإرهاب لطرد البريطانيين والعديد من المجتمعات العربية من فلسطين لإرساء الأساس لإنشاء إسرائيل. ولكن من النادر للغاية أن تحقّق جماعة إرهابية أهدافها الأساسية، ومن غير المرجّح أن تنضمّ حماس إلى تلك القائمة. فإسرائيل أقوى بكثير وتحظى بدعم الولايات المتحدة. السبيل الوحيد لتحقيق حماس هدفها المتمثّل في “التحرير الكامل لفلسطين من النهر إلى البحر” هو أن تقوّض إسرائيل وحدتها وسلامتها إلى حدّ تدمير الذات.
في رأي كرونين، وهي عضو مدى الحياة في مجلس العلاقات الخارجية الاميركية، أنّ حماس “تستوفي جميع معايير اعتبارها منظّمة إرهابية
- المسار الثاني هو التحوّل إلى شبكة إجرامية أو تمرّد. يتداخل الإجرام والإرهاب، فتتوقّف المجموعة عن تحفيز التغيير السياسي لمصلحة استغلال الوضع الراهن لتحقيق مكاسب ماليّة. ويحدث التمرّد عندما تقوم بتعبئة عدد كافٍ من السكّان لتحدّي الدولة للسيطرة على الأراضي والموارد. وهذه نتيجة محتملة في غزة، وربّما في الضفة الغربية وحتى إسرائيل إذا حافظت إسرائيل على استراتيجيّتها الحالية.
القمع العسكري… والاغتيالات
- المسار الثالث لإنهاء الجماعات الإرهابية هو القمع العسكري الناجح لها. وهي النهاية التي تأمل إسرائيل تحقيقها. وقد ينجح القمع، لكن بتكاليف باهظة. وقد تؤدّي القوّة العسكرية إلى إضعاف قبضة حماس على غزة، لكن في غياب حلّ سياسي للنزاع الإقليمي الأساسي، ستعاود الجماعة الظهور بشكل ما وتستأنف استهداف القوات العسكرية الإسرائيلية والمدنيين الإسرائيليين. قد يجادل البعض في أنّ المشكلة الحقيقية ليست في اعتماد إسرائيل على استراتيجية خاطئة، بل في أنّها لا تملك الهدف الصحيح. ومن وجهة النظر هذه، فإنّ إيران، لا حماس، هي جوهر المشكلة. لكنّ أيّ حكومة تشنّ هجوماً ضدّ الدولة الراعية لجماعة إرهابية تخاطر بالوقوع في مشكلة أكبر. انخرطت إسرائيل وإيران في سلسلة من الهجمات المتبادلة التي كان يمكن أن تتصاعد إلى حرب شاملة. ولكنّ البلدين تراجعا عن حافة الهاوية، واليوم تركّز إسرائيل على التعامل مع حماس بشكل مباشر. ويجب أن لا يكون عدم نجاح إسرائيل في غزة حتى الآن مفاجئاً: فمكافحة الإرهاب العسكرية البحتة نادراً ما تنجح، ويصعب على أيّ دولة ديمقراطية أن تنفّذها.
المفاوضات تمثّل طريقاً خامساً لإنهاء الإرهاب. لكنّها غير مرجّحة لإنهاء حماس. فلدى المجموعة تاريخ طويل من ازدراء المحادثات مع إسرائيل
- المسار الرابع الذي تنتهي إليه الجماعات الإرهابية هو قطع الرؤوس: اعتقال أو قتل القادة. المجموعات التي تنتهي بقطع الرأس هي عموماً صغيرة، ومنظّمة هرميّاً، وتتميّز بعبادة الشخصية، وليست لديها خطّة خلافة قابلة للتطبيق. حماس ليست مرشّحاً جيّداً لاستراتيجية قطع الرأس. إنّها منظّمة جيّدة الترابط عمرها 40 عاماً تقريباً. لو كان اغتيال قادتها قادراً على إنهاء الجماعة، لحدث ذلك منذ فترة طويلة. وفي أعقاب 7 أكتوبر، أفادت إسرائيل عن مقتل أكثر من 100 من قادة حماس، لكنّ هذه الاغتيالات لم تؤثّر على قدرات الجماعة التي أثبتت قدرتها على استبدال القادة الرئيسيين. كما أنّ عمليات القتل المستهدف التي لا نهاية لها والتي لا ترتبط بعمليات محدّدة ستُعتبر معادِلة أخلاقياً لتصرّفات الجماعة الإرهابية نفسها. فالغارة الإسرائيلية على غزة في نيسان التي أسفرت عن مقتل ثلاثة أبناء وأربعة أحفاد للزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، سمحت له بتقديم نفسه كأب وجدّ حزين وليس كعقل مدبّر إرهابي.
- المفاوضات تمثّل طريقاً خامساً لإنهاء الإرهاب. لكنّها غير مرجّحة لإنهاء حماس. فلدى المجموعة تاريخ طويل من ازدراء المحادثات مع إسرائيل، وهي اليوم أكثر تصميماً من أيّ وقت مضى على السعي وراء بديل لما يسمّى حلّ الدولة الواحدة الذي من شأنه أن ينطوي على إبادة الطرف الآخر، مثل بعض المتطرّفين الإسرائيليين. وقد تجد الجهات الفاعلة الخارجية مثل الولايات المتحدة ومصر والأردن والسعودية طريقة لدفع إسرائيل والفلسطينيين إلى عملية دبلوماسية متجدّدة تهدف إلى إيجاد حلّ الدولتين. مثل هذه المفاوضات ستكون طويلة، ومحفوفة بالمخاطر، ويعرقلها المتطرّفون على الجانبين. لكنّ مجرّد الإعلان عن العملية له تأثيرات مفيدة. بل قد يؤدّي إلى خلق الظروف المؤاتية لما قد يكون السبيل الأكثر ترجيحاً لإنهاء إرهاب حماس: الهزيمة الذاتية.
لمساعدة حماس على الفشل، ترى كرونين أنّ “على إسرائيل إعطاء الفلسطينيين في غزة الشعور بوجود بديل لحماس
أفضل المسارات: الهزيمة الذاتيّة
- تنتهي معظم الجماعات الإرهابية بطريقة سادسة: لأنّها تفشل، إمّا بالانهيار على نفسها أو بفقدان الدعم. المجموعات التي تنهار تموت أحياناً أثناء التغيير بين الأجيال، أو التفكّك إلى فصائل (الجيش الجمهوري الإيرلندي بعد اتفاق الجمعة العظيمة)، أو الانقسام الأيديولوجي (الجيش الأحمر الياباني الشيوعي في عام 2001)، أو لأنّها تفقد الدعم الشعبي. ولكنّ السبب الأكثر أهميّة لفشل الجماعات الإرهابية هو أنّها تخطئ في التقدير، بما في ذلك الاستهداف الخطأ الذي يثير نفور السكان. تاريخياً، كان ما لا يقلّ عن ثلث ضحايا تنظيم القاعدة من المسلمين، وهذا هو السبب الرئيسي وراء عدم تحوّل الجماعة إلى الحركة الشعبية التي كان أسامة بن لادن يأمل أن تصبح عليها.
حماس، في رأي الكاتبة الأميركية، تمتلك كلّ مقوّمات المجموعة التي يمكن أن تفشل. والأهمّ من ذلك أنّها لا تحظى بشعبية. وفقاً لاستطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث، كان لدى 62% من الناس في الأراضي الفلسطينية وجهة نظر إيجابية تجاه حماس في عام 2007. وبحلول عام 2014، كان الثلث فقط لديهم وجهة نظر إيجابية.
وجد خليل الشقاقي، عالم سياسي فلسطيني ومنظّم استطلاعات الرأي، أنّ دعم حماس يرتفع بشكل عام خلال المواجهات مع إسرائيل، لكنّه يتبدّد عندما تفشل الجماعة في تحقيق تغيير إيجابي. إلا أنّ استخدام إسرائيل المفرط للقوّة العسكرية أدّى إلى تعزيز قبضة حماس وساعد في دعاية الجماعة لما حدث في 7 أكتوبر. ووفقاً لاستطلاع للرأي أجراه الشقاقي في آذار، فإنّ 90% من الفلسطينيين يرفضون فكرة تورّط حماس في جرائم حرب في ذلك اليوم. إذ أنّ أيّ اشمئزاز قد يشعر به سكان غزة العاديّون إزاء ما فعلته حماس باسمهم يتغلّب عليه رعبهم إزاء ما فعلته إسرائيل بأحبّائهم وبيوتهم ومدنهم.
احتمالات تقويض حماس
مع ذلك، لا تزال لدى حماس انقسامات يمكن أن تتّسع، وتؤدّي إلى انهيارها. وتواجه المجموعة أيضاً ضغوطاً ومنافسة من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. ومع تدمير قسم كبير من تنظيم حماس في غزة، فإنّ هياكل السلطة الأخرى، بما في ذلك العشائر وحتى الشبكات الإجرامية، قد تتنافس على السيطرة وتقوّض الجماعة.
الطريقة الأكثر ترجيحاً لفشل حماس، وفقاً لكرونين، هي من خلال غضب شعبي قويّ. تحكم حماس غزة من خلال القمع، والاعتقالات والتعذيب لقمع المعارضة. ومنذ 7 أكتوبر، أعرب العديد من الفلسطينيين عن غضبهم من حماس لأنّها أخطأت في تقدير عواقب الهجوم، ولأنّها بنَت نظام أنفاق متقناً لحماية قادتها ومقاتليها، ولم تفعل شيئاً لحماية المدنيين.
إقرأ أيضاً: ثلاث نساء قد يغيّرن سياسات أوروبا
لمساعدة حماس على الفشل، ترى كرونين أنّ “على إسرائيل إعطاء الفلسطينيين في غزة الشعور بوجود بديل لحماس، وبإمكانية تحقيق مستقبل أكثر أملاً، وأن تقدّم المساعدات الإنسانية بكمّيات هائلة وتشارك في خطط إعادة بناء المنطقة، وتبيِّن أنّها تميّز بين مقاتلي حماس والأغلبية العظمى من سكان غزة، الذين هم ضحايا لحكم حماس البلطجيّ، بدلاً من تنفيذ عقاب جماعي بحقّهم”.
وتخلص إلى القول إنّه “بعد عقود من الصراع مع حماس وأشهُر من حرب وحشيّة واسعة النطاق ضدّها، من غير المرجّح أن تتمكّن إسرائيل من هزيمة هذه الجماعة. ولكن لا يزال بإمكانها أن تفوز من خلال مساعدة حماس على هزيمة نفسها”.
لقراءة النص بلغنه الأصلية اضغط هنا