النوويّ… خلف الاعتراض الإيرانيّ على خطّة بايدن؟

مدة القراءة 8 د

الولايات المتحدة الأميركية تلجأ إلى مجلس الأمن؟ ليس من عادة الإدارات المتعاقبة أن تستنجد بقرار من المنظمة الدولية إذا أرادت إنجاز أمر ما، إلا في حالات خاصة. لكنّ حاجة جو بايدن وحكومة إسرائيل إلى تغطية دولية لمشروع اتفاق وقف النار في غزة دفعت إلى هذه الخطوة. يعاكس هذا التوجّه تصاعد التهديدات بانفلات الوضع العسكري على جبهة جنوب لبنان، بالتزامن مع الانتقاد الإيراني لمشروع بايدن. وهذا ما أطلق تكهّنات بتردّد “حماس” – الداخل في قبوله. إلا أنّ إنقاذ إسرائيل من تآكل الدعم الدولي وصولاً لعزلتها بات يتطلّب مخرجاً.

 

 

استعجال الإدارة الأميركية إصدار قرار من مجلس الأمن يتبنّى مسوّدة اتفاق وقف النار في غزة، دليل على جدّية واشنطن هذه المرّة. فبعد 8 أيام على إعلان بايدن الاتفاق، الذي نسبه إلى إسرائيل، تطلّب المضيّ به تحشيد القوى الدولية خلفه. وليس تفصيلاً تأييد 17 دولة غربية للمشروع، قبيل عرضه على مجلس الأمن. شمل التحشيد أيضاً مظاهر احتفالات النورماندي في فرنسا بحضور 80 دولة بالمعركة الشهيرة التي غيّرت التاريخ، ثمّ القمّة الأميركية الفرنسية اليوم. واكتسب تسليم واشنطن بوجوب وقف الحرب أهمّية قصوى تتوقّف على مدى ثبات الرئيس الأميركي على هذا الهدف.

العقبة الإسرائيليّة الداخليّة

تكاثرت الأسئلة حول إمكان نجاح الهدنة وتبادل الأسرى، ووقف الأعمال القتالية وإطلاق النار وانسحاب إسرائيل من القطاع. المتشكّكون بالاتفاق توقّعوا ألّا تنجح الجهود الأميركية إلا في تنفيذ المرحلة الأولى، بوقف النار المؤقّت وتبادل الرهائن والأسرى وإدخال المساعدات لغزّة. الصعوبة هي في التفاوض أثناءها على وقف النار الدائم وانسحاب الجيش الإسرائيلي وعودة النازحين… في المرحلة الثانية.

الداخل الإسرائيلي الضاغط لأجل صفقة التبادل يؤيّد خطّة الرئيس الأميركي بدليل الانتقادات داخل الحكومة وفي الجيش لغياب خطّة “اليوم التالي”

هناك عدد من العقبات أمام إنفاذ هذا الاتفاق:

1- الموقف الإسرائيلي الداخلي بفعل اعتراض حلفاء نتنياهو، الذي يتجنّب سقوط حكومته إذا انسحب منها وزراء اليمين المتطرّف. فإيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش هدّدا بذلك لاعتبارهما الاتفاق تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي. ولذلك سعى نتنياهو إلى إقناع أفيغدور ليبرمان رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” بتولّي حقيبة الدفاع. لكنّه رفض مفضّلاً إسقاط الحكومة. وهو يتعاون مع قوى المعارضة الأخرى من أجل هذا الهدف. في المقابل أيّد وزراء حركة “شاس” الدينية الصفقة.

هنا يرى محلّلون إسرائيليون أنّ موافقة نتنياهو عليها قبل إعلان بايدن عنها، تجعل من رفضه التسليم بوقف الحرب ضدّ “حماس” توزيعاً للأدوار. فمستشاره للشؤون الخارجية أوفير فولك قال إنّ نتنياهو وافق على خطة بايدن على الرغم من أنّها غير جيّدة. أهالي الإسرائيليين المحتجزين لدى “حماس” جمعوا تواقيع 70 نائباً في الكنيست يؤيّدونها من أصل 120 وينوون رفع العدد إلى مئة.

حسابات تملّص نتنياهو من الاتّفاق

2- لكنّ دهاء رئيس “الليكود” في التملّص من الالتزامات يدعو جهات فلسطينية إلى ترقّب مناوراته لإفشال مشروع بايدن. فهو يراهن على الدعم الأميركي الداخلي من الحزب الجمهوري ويكسب الوقت ليضعف ضغط بايدن عليه لوقف الحرب كلّما اقتربت الانتخابات الرئاسية في أميركا.

الداخل الإسرائيلي الضاغط لأجل صفقة التبادل يؤيّد خطّة الرئيس الأميركي بدليل الانتقادات داخل الحكومة وفي الجيش لغياب خطّة “اليوم التالي”. ويصف مراقبون لدينامية العلاقة بين الداخل الأميركي والداخل الإسرائيلي هدف لجوء بايدن إلى مجلس الأمن بأنّه إلزامٌ للكونغرس بمشروعه لوقف الحرب. وبذلك يتجنّب مواجهات حول حرب غزة ترتّب عليه أثماناً تزيد من إضعاف وضعه الانتخابي.

وزير الخارجية بالإنابة علي باقري كني خلال زيارته بيروت دعا بايدن إلى وقف تسليح إسرائيل بدل طرح الخطّة

الاعتراض الإيرانيّ وتحفّظ حماس وجبهة جنوب لبنان

3- الاعتراض الإيراني برز مع دعوة المرشد علي خامنئي بعد 3 أيام على إعلان بايدن “الجميع إلى ألّا يعقدوا آمالا على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة”.

أيضاً وزير الخارجية بالإنابة علي باقري كني خلال زيارته بيروت دعا بايدن إلى وقف تسليح إسرائيل بدل طرح الخطّة.

تنظر أوساط فلسطينية إلى موقف طهران باعتباره دفع الحليفة “حماس” إلى التردّد بعد إعلانها “النظر بإيجابية” إلى ما أعلنه الرئيس الأميركي. يأتي في هذا السياق ما نقلته “وول ستريت جورنال” من أنّ رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” في القطاع يحيى السنوار بعث رسالة مفادها أنّ الحركة “لن تسلّم أسلحتها ولن توقّع على أيّ اقتراح يدعو إلى ذلك”.

من جهة ثانية، عادت المخاوف من توسيع الحرب فيما أعقب موقفَ طهران تصعيدٌ لافتٌ من الحزب في المواجهات اليومية في جنوب لبنان. وتوالت التصريحات عن جهوزية الجيش الإسرائيلي للقيام بعمل عسكري يفضي إلى ضمان أمن المنطقة الشمالية لإسرائيل. وبات السؤال عن احتمالين:

– هل تلجأ إسرائيل إلى توسيع الحرب ضدّ لبنان مقابل موافقتها على اتفاق غزة؟

– هل تسعى إسرائيل إلى نسف اتفاق بايدن عبر إطلاق شرارة الحرب في جنوب لبنان؟

لم يكن بايدن ليطرح الخطّة لو لم يستنتج بأنّ مواصلة الحرب باتت عبئاً كبيراً على بلاده

عوامل إنجاح خطّة بايدن: مراوحة إسرائيليّة

مقابل تلك العقبات أمام مشروع بايدن ثمّة قناعة بأنّ أسباباً استراتيجية وجوهرية، إضافة إلى مصلحته الانتخابية الداخلية، تملي إنجاحه. وثمّة عوامل قد تتفوّق على محاولات عرقلة الاتفاق المزمع تحويله إلى قرار أممي في مجلس الأمن مطلع الأسبوع المقبل. وهناك اقتراحات عربية لتعديلات عليه تزيل تحفّظات “حماس” عن غموض مسألتَي وقف إطلاق النار الدائم وانسحاب إسرائيل من القطاع.

من هذه العوامل التي تعاكس العقبات المذكورة يمكن تعداد الآتي:

– لم يكن بايدن ليطرح الخطّة لو لم يستنتج بأنّ مواصلة الحرب باتت عبئاً كبيراً على بلاده. فنتنياهو والقادة الإسرائيليون، وإن نجحوا في تدمير غزة وبضرب 50 في المئة من قدرات “حماس”، إلا أنّهم يعترفون باستحالة القضاء عليها. وهو ما يعني أنّ المراوحة تغلب على العمليات العسكرية، بكرّ وفرّ مع المقاومة. ومن المصلحة الأميركية توفير المزيد من الاستنزاف على الدولة العبرية لأنّه استنزاف لأميركا نفسها أيضاً، خصوصاً بعدما اكتشفت أنّها مضطرّة إلى النزول بقضّها وقضيضها لحماية “الشرطيّ الإسرائيلي” الذي اعتمدت على تفوّقه لضبط دول الإقليم، فانتفى هذا الدور بعد 7 أكتوبر.

التفاف أميركا على الاعتراف بالدّولة؟

– في السياسة الخارجية باتت أميركا وحدها في حماية الجموح الإسرائيلي وتضطرّ إلى ممارسة الفيتوات بمفردها إزاء مشاريع عربية وأوروبية متتالية تطالب بوقف الحرب. وباتت وحدها في مقاومة تزايد اعتراف دول أوروبية بالدولة الفلسطينية.

اللجوء إلى مجلس الأمن نوع من الالتفاف على انفكاك مزيد من الدول عن دائرة سياستها الشرق الأوسطيّة. والنقاشات في قرار مجلس الأمن هي نوع من الاستمهال لتوالي الاعترافات الأوروبية والدولية بالدولة الناشئة. وقد بات وزن الرئاسة الأميركية الدولي على المحكّ، بعدما صارت غزة ناخباً رئيسيا داخلياً.

على الرغم من الخشية الدولية من توسّع الحرب جنوباً، فإنّ الحزب ما زال ملتزماً الحدود المرسومة من إيران بعدم توسيعها

– لا أفق لتردّد “حماس” على الرغم من التسريبات بأنّ السنوار قال في رسالته للوسطاء إنّها قادرة على القتال 8 أشهر أخرى. فهي بحاجة إلى إنقاذ القطاع والمدنيين، الذين تتلاحق المجازر عليهم، من المأساة الإنسانية التي يسبّبها الجيش الإسرائيلي. وعلى الرغم من افتراض أنّ اعتراضها على الخطّة لأسباب تتعلّق بموقف إيران، فإنّ بين معارضيها أنفسهم من يستبعد إفشالها الاتفاق. هي تدرك أنّ التوجّه الأميركي حيالها هو “الاحتواء” لا الإنهاء كما تطمح إسرائيل. وفي كلّ الأحوال بات عليها الاختيار والموازنة بين اعتراض طهران وبين عدم الاصطدام بقطر العاملة على إنجاح الخطّة، وكذلك مصر.

اعتراض إيران “نوويّ”… واستبعاد الحرب جنوباً

– على الرغم من الخشية الدولية من توسّع الحرب جنوباً، فإنّ الحزب ما زال ملتزماً الحدود المرسومة من إيران بعدم توسيعها. فطهران ترفع الصوت ومستوى تحرّك أذرعها في معظم الأحيان لأسباب لا تتعلّق بغزّة ذاتها وإن كانت هي الذريعة. المراقبون للموقف الإيراني يشيرون هنا إلى قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرّية دعوة طهران إلى التعاون معها في الكشف عن منشآت نووية. فالقرار أمرها بوقف حجبها عن عمل الخبراء للتحقيق بوجود اليورانيوم المخصّب في منشآتها.

إقرأ أيضاً: كيف حمّل بايدن “الحركة” مفتاح السلم في غزّة؟

– توسّع الحرب في جنوب لبنان بقرار إسرائيلي كوسيلة لنسف اتفاق بايدن، مستبعد. إذ تقول تقارير دبلوماسية غربية نقلاً عن العسكريين الأميركيين إنّ إسرائيل تكتفي بحشد 3 أو 4 كتائب في الشمال الإسرائيلي فقط. وهذا حتماً غير كافٍ لشنّ حرب ضدّ الحزب ولبنان، فضلاً عن غياب خطّة واضحة لأهداف حرب كهذه، وفق قول دبلوماسيين غربيين في بيروت لـ”أساس”. ولو كان هناك توجّه فعليّ إلى شنّ حرب لكانت حشدت كتائب أكثر بالتأكيد. فإسرائيل ما زالت تفضّل حلّاً دبلوماسياً لأمن مستوطناتها الشمالية وتلتزم الرفض الأميركي لتوسيع الحرب.

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…