أحمد علي الزين لـ”جامعة الكبار”: أبي علّمني الحياة.. لا الدين

2024-06-06

أحمد علي الزين لـ”جامعة الكبار”: أبي علّمني الحياة.. لا الدين

أطلّ الكاتب والشاعر والإعلامي أحمد علي الزين، في لقاء ضمن سلسلة “جامعة الكبار”، في الجامعة الأميركية في بيروت، على سيرة حياته منذ كان طفلاً في عكّار العتيقة إلى أن أصبح صحافياً وشاعراً وروائياً ومحاوراً لألمع المثقّفين العرب والأجانب في العالم.

 

 

حديث لطيف حميميّ أشبه بالاعترافات في دردشة بين الأصدقاء، عن عمر يمضي ومهنة متعِبة أدمن عليها ولحق شغفه فيها إلى آخره. وعندما يتحدّث صاحب روايات “الطيّون” و”العرّافة” و”خربة النواح” عن تجاربه الخاصة في الحياة والأدب والإعلام والثقافة، تتداخل سير المدن الكثيرة التي زارها ومكث بها، وسِيَر الناس والمثقّفين والفلاحين والمناضلين الذين نشأ بينهم ونهل من يوميّاتهم، مع سيرته الذاتية.

لكنّ بيروت تبقى عروسة مدنه وتحتلّ رأس الهرم وتاج الذكريات في السياسة والنضال والحبّ والألم وصقل التجارب. أسرته بيروت على الرغم من عبوره مئات المدن والمحطّات. تراه كلّما وصل إليها في حكاياته، وسِعت عيناه كمن يختصر بها الدنيا كأنّها “عرّافته” وجنّيّته التي تمنحه إكسير الحياة. هذه الجنّيّة التي لا يمكنه العيش خارج أحضانها، باتت تكسره اليوم، وعندما يتحدّث عن حاضرها تبدو على ملامحه الحسرة، وبين السطور رثاء متوارٍ يفيض بالذكريات والحنين إلى أيّام الشباب والصحف الورقية (النداء، السفير، الحياة) وإذاعة صوت الشعب… وأيام كان للبُطء الذي تحدّث عنه الكانب الفرنسي – التشيكي “ميلان كونديرا” وقت لينتظرنا.

أطلّ الكاتب والشاعر والإعلامي أحمد علي الزين، في لقاء ضمن سلسلة “جامعة الكبار”، في الجامعة الأميركية في بيروت، على سيرة حياته

السّيرة المُمتِعة… والصّوت الإذاعيّ

حديث أحمد علي الزين أمام متقاعدين متعدّدي المهن من أطبّاء وأساتذة جامعيين وصحافيين وفنّانين وأصحاب مهن أخرى، يُطرب السامع إليه. فهو صاحب صوت إذاعيّ صافٍ يحفظه جيّداً مَن تابع برنامجه الثقافي الاستثنائي “روافد” على قناة “العربية”. وهو يُعتبر البرنامج الوحيد الذي امتدّ على 21 سنة متتالية مشكّلاً ظاهرة في البرامج التلفزيونية. حديثه مُمتع كما لغته الأدبية في رواياته ونصوصه المسرحية وقصائده، وغنيّ بالسرد وشاعريّ. حديثٌ يغصّ بالحكايات الشخصية والعامّة، بدءاً من حكاية تعلّمه الحروف من أمّه فاطمة المحمّد، الفلّاحة البسيطة التي لا تقرأ ولا تكتب، إنّما رسمت له عالماً من الفنّ التشكيليّ والقصص عن أشكال الأحرف، جعله عاشقاً للّغة العربية وآدابها وحاملاً لواء انتشارها والإضاءة على مبدعيها. وقد نعرف بعد هذه الحكاية لماذا هذا الإصرار على انحيازه للمرأة “كأمّ ومربّية وعشيقة وحبيبة… فالمرأة هي من تصنع الحياة في حين يدمّرها الرجال”، يقول.

تراجيديا الأدب… و”الشخصيّ”

صاحب ثلاثيّة “حافة النسيان” و”صحبة الطير” و”بريد الغروب”، الحرّ في قلمه ومواقفه والمنحاز إلى سلطات الحبّ والجمال والمرأة، لا يكفّ عن الكتابة وتركيب شخصيات ليرسم بها لبنانه كما يريده أن يكون مبنيّاً على التسامح والشفافيّة والحقيقة والطيبة والثقافة والتاريخ المشرّف.

ينتقد، وإن من باب الأدب والتخييل والجغرافيا وجمال الطبيعة التي ترعرع في كنفها في عكار، لبنان الواقع تحت وطأة التوتّرات والنزاعات وخطابات الكراهية والعنف حيث تلوّثت القيم الاجتماعية والأخلاقية كما “تلوّثت مياهه وهواؤه وسلطاته التي حرقت الأخضر واليابس”. من هنا ترتبط مصائر شخصيّاته بمصير الوطن، وخصوصاً بيروت عشيقته الأبدية وما مرّ بها من انفصامات وتوتّرات مذهبية وعسكرية ومدنية. وتتتالى الأحداث في رواياته كشريط سينمائي ومشاهد درامية، تارة رومانسية مشبّعة بلغته الشاعرية وتارة مفعمة بالحزن والألم والقمع، لينشد الأمل والفرح والتحرّر من براثن السجون الفكرية والفعليّة.

حديث أحمد علي الزين أمام متقاعدين متعدّدي المهن من أطبّاء وأساتذة جامعيين وصحافيين وفنّانين وأصحاب مهن أخرى، يُطرب السامع إليه

“لا يزال الأدب العربي مأسوراً بالتراجيديا والأوضاع السياسية منذ مئة عام تقريباً، أي منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية وهذا التشظّي للدول العربية. لذا نحن نعيش ذاكرة مأسوية، وكلّ ذلك ينعكس على إنتاجاتنا الأدبية… فأتى أوّل نصّ روائي لي بعنوان “الطيون” الذي يتناول تصدّعات المدينة في الحرب”، يقول صاحب رواية “أحفاد نوح”. ويضيف أنّه كتبه في أواخر السبعينيات “عندما بدأت أتعلّم الكتابة الروائية، ويومها كتب الصديق المسرحي يحيى جابر مقالاً أكبر من الرواية، لأنّه كان يريد بثّ الحماسة فيّ لأكمل الكتابة”. ثمّ كتب بعد ذلك “خربة النواح”، وهي عن جدّه في الحرب العالمية الأولى.

الصحافة علّمتني

مُمتنّ أحمد علي الزين للصحافة. لكنّه يصف الإعلام بـ”الوسيلة السيّئة السمعة”!

“الصحافة علّمتني الكثير وصنعت منّي هذا الكاتب وصنعتني في محطّات مختلفة بين “النداء” و”الحياة” وإذاعة صوت الشعب والتلفزيون الذي طغى على صورتي مع “روافد”.

خلال 45 سنة من حياته الصحافية قابل أكثر من ألف شخصية ثقافية وسياسية. “التقيت بكثر من مشرق البلاد إلى مغاربها، فهم كانوا أساتذتي بشكل من الأشكال. هؤلاء جزء من عمرنا وجزء من ثقافتنا وهم شيء منّي الآن”، يحكي لـ”أساس”.

أمّا الإعلام، هذه الكلمة الفضفاضة، فلديه موقف سلبي منه: “بعض الإعلام سمعته سيّئة بالنسبة إليّ”، يقول، ويسأل: “هل يوجد إعلام حقيقي في العالم؟”، ويجيب: “أشكّ. إنّها حفلة نفاق مع احترامي للكثيرين. خاصة في ما يخصّ السياسي وتغطية الحروب”. ويعتبر أنّه “إذا كان على الإعلام أن يساهم بشيء فعليه أن يساهم في إيقاف القتل والحروب ويستجيب للصرخات الإنسانية… التراجيديا الفلسطينية مستمرّة منذ 75 سنة، والتراجيديا السورية مستمرّة منذ 13 سنة، ولا يزال القتل شغّالاً، وكذا في العراق واليمن والسودان… العالم خاض حربين عالميّتين خلال 20 سنة مع حوالى 300 مليون قتيل ونُكبت أوروبا… ولم يتعلّم أحد من هذه الدروس”.

يعترف الشاعر والكاتب أحمد علي الزين أنّ التلفزيون سرقه من الكتابة الأدبية التي لم يُفرغ لها وقته بالكامل، لكنّه ليس نادماً

صورة التّلفزيون “المؤذية”

يعترف الشاعر والكاتب أحمد علي الزين أنّ التلفزيون سرقه من الكتابة الأدبية التي لم يُفرغ لها وقته بالكامل، لكنّه ليس نادماً.

يقول لـ”أساس”: “خطورة العمل التلفزيوني الذي يختلف عن الكتابة في الصحافة الورقية وحتى عن العمل الإذاعي الذي لي فيه 15 سنة تجربة، أنّه يصِم الشخص العامل فيه، أي هذا الإعلامي أو مقدّم البرامج أو المذيع، بأنّه “تبع التلفزيون”. خاصة إذا طال ظهوره على الشاشة كما في حالتي. فكثيرون يعرفون جيّداً أنّني كاتب، لكن يعرفون بشكل هامشي، ويتعاطون معي كشخص يعمل في التلفزيون”.

 يلوم الزين التلفزيون لأنّه “يهدر الكثير من الوقت، وأخذ الكثير منّي على حساب إنتاج النص الروائي. فمنذ الثمانينيات حتى الآن لديّ 9 نصوص روائية، إضافة إلى النصوص المسرحية. وهذا قليل في تجربتي الكتابية لأنّني لست متفرّغاً لها. صار عملي هو الإعلام التلفزيوني الذي يأخذ الوقت على حساب العمل الإبداعي. لكنّ حضوري الإبداعي في العمل الإعلامي يكون من خلال نصّي الذي أكتبه والأبحاث التي أجريها والأسئلة والأجوبة التي أصوغها بطريقتي معبّراً عمّا يقوله ويفكّر فيه الآخرون الذين أقابلهم”.

أحمد علي الزين ليس بنادم أبداً على إعطاء كلّ وقته وجهده وتنازلاته للتلفزيون ولبرنامج “روافد” الذي ناضل ليبقى كلّ هذه السنين على ما هو عليه من دون تغيير في الشكل، كما حاول بوعي أو بغير وعي أن يُشاهَد من أكبر عدد من الناس، على الرغم من اعترافه بأنّه نخبويّ، فالنخبة بالنسبة إليه “تصنع معنى الحياة والتاريخ والشيء النظري الجمالي”.

 يلوم الزين التلفزيون لأنّه “يهدر الكثير من الوقت، وأخذ الكثير منّي على حساب إنتاج النص الروائي

راهن الزين على استمرار “روافد” 21 سنة متتالية قد تكون أطول عمر لبرنامج تلفزيوني في العالم العربي، لأنّه يؤمن بالتراكم المعرفي. وبهذا المعنى أصبح “روافد” مرجعاً للطلاب والباحثين والمثقّفين، مع أنّه لا يوثّق كلّ شيء عن الشخصية وإن يقع بين التوثيقي والحواريّ، إلا أنّه يفتح باباً للمشاهد على الشخصية ثمّ يدعوه إلى دخول عوالم وبيت الشخصية.

يختم بتواضع الطفل الذي لا يفقد الدهشة: “هذا أنا أحمد الموزَّع بين كلّ هذه التجارب، ولست متأكّداً من أنّني كنت سأكتب أكثر أو أفضل لو لم أدخل عالم التلفزيون، لأنّ كلّ تجربة تُلقّح الأخرى، والتلفزيون فتح لي آفاق الأسفار. والأمكنة تفتح لنا آفاقاً وأسئلة جديدة لا تخطر في بالنا. واللقاءات بالناس تكوّن لدينا وعياً آخر وثقافة أخرى. فلا نعرف أنفسنا إلا عندما نلتقي بالآخرين، وتعدّد لقاء الآخرين يغني نفوسنا”.

إقرأ أيضاً: “يوروفيجين” تفوز بلقب السياسة وتخسر مصداقيّتها

يستشهد ختاماً بالمفكّر والشاعر محمد بن عبد الجبّار بن الحسن النَّفَري: “الآخر هو أنا”. وهو يقول قولاً جميلاً جدّاً علّمني إيّاه أبي: “أمشي مع الجماعة وخطوتي وحدي”. فأبي هو معلّمي الأوّل. لم يعلّمني أصول الدين والصلاة والصيام، وهو ليس متعلّماً من ذوي الشهادات، بل علّمني الحياة، وكيف أمشي في الغابة وألّا أضيع”.

مواضيع ذات صلة

مروان عيسى.. لاعب كرة السلّة الذي اقتحم جدار غزّة

حتى اللحظة لم تنعَه حركة حماس، أعلنت إسرائيل رسمياً عن “اغتياله”. وحده البيت الأبيض الذي سارع إلى تأكيد خبر وفاته. فمن هو “رجل الظلّ” كما…

مجاهد منصور.. اسم على مسمّى

كان وحده. لم يصحبه أحد. ولا هو صحب معه أحداً. فردٌ واحدٌ “دوّخ” إسرائيل سبع ساعات متواصلة. تحدّث عنه الإعلام الإسرائيلي كما لو كان يتحدّث…

فيروز تغنّي غزّة: أغنية راهنة… عمرها 50 عاماً

فيروز تغنّي غزّة؟ خبر انتشر كالنار في الهشيم، فملأ وسائل التواصل الاجتماعي وشغل الناس. فما القصّة؟   هل هي أغنية جديدة؟ هل حقّاً فيروز تغنّي…

“حلّل يا دويري”: لواءٌ محا “وصمة” سعيد والصحّاف

من هو اللواء فايز الدويري، الذي بات “نجماً” تلفزيونياً بعد حرب غزّة. وانتشرت جملة “حلّل يا دويري” عن لسان مقاتل غزّاوي، وفي أغنية خلّدتها. وكيف…