كيف حمّل بايدن “الحركة” مفتاح السلم في غزّة؟

مدة القراءة 7 د

من خارج أيّ سياق ومن دون أيّ معلومات مسرّبة سلفاً أو بالونات اختبار مسبقة أعلن بايدن من واشنطن عن “خطّة” قال إنّها إسرائيلية لإنهاء الحرب في غزّة. قبل ذلك كانت إسرائيل تَعِد باستمرار الحرب حتى القضاء التامّ على حركة “حماس”. وعملت من أجل ذلك على تحدّي الولايات المتحدة والذهاب باتجاه رفح واحتلال معبرها واستفزاز مصر. فما الذي حدث وفرض تحوّلات قد تقود إلى إنهاء المقتلة في القطاع؟

 

سيكون مبكّراً فكّ ألغاز اليوم الذي أطلّ به الرئيس الأميركي جو بايدن ليعلن “نهاية الحرب” في غزّة. وستكون مخاطرة أن يتهوّر المحلّلون مهما علا شأنهم في تفسير هذا “الانقلاب”. فحتى صحافة إسرائيل حائرة لا تدّعي أيّ إمساك بمعلومة حاسمة، خصوصاً أنّها علمت من سيّد البيت الأبيض أنّ إسرائيل لديها “عرض” من دون أن يتسرّب لها من هذا العرض شيء قبل ذلك.

شيء ما في الشكل يبثّ ريبة بقصّة هذا “العرض”. فإذا كان إسرائيليَّ المنشأ، ووافق عليه مجلس الحرب كما قيل لاحقاً، فلماذا لم تعلنه إسرائيل، بلسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بدل إيكال الأمر، وإعطاء هذا “الشرف”، بشكل غير منطقي، إلى الرئيس في واشنطن؟ وإذا كان “العرض” هو نتيجة خلطة أميركية-إسرائيلية، فلماذا لم تعلنه إسرائيل أوّلاً لتدعمه الولايات المتحدة لاحقاً وتسعى إلى حضنه وترويجه؟

 

سيكون مبكّراً فكّ ألغاز اليوم الذي أطلّ به الرئيس الأميركي جو بايدن ليعلن “نهاية الحرب” في غزّة

بدا أنّ معطيات تكدّست وضغوطاً تقاطعت أدّت إلى اجتراح هذا المخرج الركيك. أسقط “الاقتراح الإسرائيلي” يوم الجمعة الماضي، وعوداً قبل ذلك بأيام، وحتى بساعات، كان قطعها قادة إسرائيل بالمضيّ بالحرب حتى تحقيق “النصر المبين”. ولئن لم يكن واضحاً كيف يكون هذا النصر الذي تعترف به إسرائيل، غير أنّ ما صدر عن نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، ناهيك عن وزراء التطرّف إيتامار بن غفير و بتسلئيل سموتريتش وبقيّة الطاقم الحاكم، أجمع على الأقلّ على تحقيق هدف “القضاء التامّ على حماس” والبحث في عملية إجلاء شبيهة بتلك التي تمّت لإخراج القوات الفلسطينية من لبنان عام 1982. حتى هذا الهدف سقط.

بايدن ونتنياهو: لغة واحدة

لم تذكر ذلك “ورقة بايدن”، المفترض أنّها مقترح إسرائيلي لإنهاء الحرب. لا بل ذهب الرئيس الأميركي إلى تأكيد أنّ “حماس فقدت القدرة على تنفيذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) جديد”. اكتفى نتنياهو لاحقاً بالتعليق بأنّ إسرائيل تتمسّك بشرط “القضاء على قدرات حماس”. أين ذهبت إذاً وعود “القضاء الكامل على حماس”؟ وواضح أنّ نتنياهو وبايدن يتحدّثان لغة واحدة، وإن تخرج من إسرائيل اجتهادات بشأن النصّ وتفسيره.

ليس يسيراً الوثوق بإمكانية نجاح هذه الخطّة. والشكّ يكمن في حقيقة أنّ الولايات المتحدة دعمت بشكل مطلق حرب إسرائيل ضدّ غزّة وعملت على ضمان انتصارها التامّ. فهل يمكن الوثوق بهمّة بايدن في وقف الحرب قبل تحقيق الانتصار المنشود؟ والشكّ يكمن أيضاً في احتمال استدارة العقل الاستراتيجي الإسرائيلي لجهة استنتاج (استحالة) تحقيق ذلك “النصر” وضرورة السعي باتجاه “نصر” من نوع آخر. وفيما ساسة إسرائيل داخل الحكومة وبين معارضيها يتناتشون الموقف والرأي منذ عملية “طوفان الأقصى”، أعادوا جميعاً، إلا بن غفير وسموتريتش صاحبَي الصراخ التقليدي المُملّ، التموضع حول مراحل بايدن الثلاث لإنهاء كارثة غزّة.

لم تخفِ الصحافة الأوروبية عدم قدرة الصناعة العسكرية الأوروبية على إنتاج ذخائر تكفي لتغذية أوكرانيا في الحرب ضدّ روسيا

إذا كان هدف الرئيس الأميركي انتخابياً بامتياز لجهة أنّ إنهاء حرب غزّة قد تحسّن مؤشّرات التصويت لمصلحته في بعض الولايات المتأرجحة، فلماذا ينجح هذه المرّة وهو الذي ما انفكّ وطاقمه الحاكم في الإدارة يمارسون ضغوطاً بما في ذلك التهديد بوقف تسليح إسرائيل للدفع إلى إيقاف هذه المقتلة؟ وإذا كان هدف “الخطّة الإسرائيلية” انتخابياً لمصلحة بايدن فلماذا وافقت إسرائيل على ذلك ما دام نتنياهو يمنّي النفس بعودة حليفه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟

أوكرانيا ساهمت في القرار؟

الأرجح أنّ تقارير مقلقة تجمّعت على مكتبَي بايدن ونتنياهو. لم تخفِ الصحافة الأوروبية عدم قدرة الصناعة العسكرية الأوروبية على إنتاج ذخائر تكفي لتغذية أوكرانيا في الحرب ضدّ روسيا. تقارير من هذا القبيل اطّلع عليها بايدن على مكتبه تحذّر من عقم استنزاف ترسانة الولايات المتحدّة في حرب في الشرق الأوسط لا تنتهي.

أجرت الولايات المتحدة تغييرات متوتّرة على انتشارها في العالم من الشرق الأوسط وأوروبا إلى جنوب شرق آسيا. ذكّرت مؤسّسات الأمن والدفاع في “الدولة العميقة” أنّ الصراع ضدّ الصين وروسيا متفرّقتين أو متحالفتين يحتاج إلى التركيز ووقف تشتّت وجهات واشنطن، وأنّه إذا كان مطلوباً من أجل هذا الصراع ضمان انتصار إسرائيل، فإنّ هذا النصر وتلك المناعة وذلك الردع في الشرق الأوسط باتت تتطلّب، ولمصلحة الحليف الإسرائيلي، إنهاء الحرب وخفض مستوى أهدافها.

تعتبر أوساط واشنطن أنّ إنهاء الحرب في غزّة جنوب إسرائيل سيؤدّي إلى إنهاء الحرب في شمالها من جنوب لبنان

الجيش الإسرائيليّ يريد إنهاء الحرب

في إسرائيل للجيش كلمة فصل في تحرّكات الساسة. لم يذهب نتنياهو كثيراً في حربه على غزّة إلا لأنّ الجيش “المجروح” من “الطوفان” يريد تلك الحرب ويدفع بها إلى حدود المقتلة. والواضح من خلال “انقلاب” إسرائيل صوب نهاية الحرب أنّ هذا الجيش بات أيضاً ينصح بها. بدت إسرائيل وكأنّها “تجرّعت كأس السمّ” وارتأت إعلان هذه الواقعة المجمّلة من قبل الرئيس بايدن. قدّم الرئيس الأميركي الأمر وكأنّه “جميل” تمنّ به إسرائيل على “حماس” التي خيّرها بين القبول بالمقترح أو استمرار الحرب. وكأنّ “حماس” هي التي باتت تحمل مفتاح السلم أو استمرار الحرب. وعلى الرغم من أنّ في هذا الشرط ما يمكن أن يستفزّ الحركة الفلسطينية، غير أنّها لم تتأخّر في إصدار بيان تعلن فيه أنّها تنظر “بإيجابية” إلى مقترح بايدن. وللمفارقة فإنّ جون كيري، المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جعل من حماس مقرّراً لمصير مقترح بايدن، “فإذا قبلته ستقبله إسرائيل”.

مفارقة أن تخاطب واشنطن “حماس” المصنّفة إرهابية في الولايات المتحدة وكأنّها شريك في سلم غزّة، وأن تتعامل مع “حماس الإرهابية” في حين أنّها لم تتعامل البتّة مع تنظيمَي القاعدة وداعش الإرهابيَّين ولم تسعَ إلى اتفاق معهما. وفي هذا ما يجب أن يطرح أسئلة. بدا في تلك التفاصيل وكأنّ هناك خارطة طريق معدّة شاركت فيها عواصم لمواكبة “المفاجأة” من واشنطن والدفع بها والحرص على انسيابها. فحتى زعيم المعارضة يائير لابيد في إسرائيل الداعم لمقترح إنهاء الحرب عرض دعم حكومة نتنياهو حتى لو غادرها ثنائي التطرّف بن غفير وسموتريتش. وفجأة بدأت استطلاعات الرأي هناك تكشف عن أغلبية توافق على إنهاء الحرب.

إقرأ أيضاً: مبادرة بايدن: ليست لغزّة لكن لنفسه!

تقدّم أوساط واشنطن الخطّة كتفصيل مهمّ وأساسي داخل مشهد أكبر. تعتبر تلك الأوساط أنّ إنهاء الحرب في غزّة جنوب إسرائيل سيؤدّي إلى إنهاء الحرب في شمالها من جنوب لبنان. وتذهب هذه الأوساط إلى أنّ انتهاء الحرب سيدفع قدماً المحادثات الأميركية السعودية باتجاه إبرام اتفاق أمنيّ دفاعي نووي استراتيجي تاريخي قد يقود إلى تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية. وإذا ما كان العرض يغري إسرائيل ونتنياهو، فإنّ دونه شرط الرياض بـ”مسار لا رجعه عنه لإقامة دولة فلسطينية”. هذا الأمر يحتاج إلى خطة ترسم “اليوم التالي” لانتهاء الحرب. وهذا بند للمفارقة لم تلحظه خطّة بايدن.

لمتابعة الكاتب على X:

@mohamadkawas

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…