في خطابه الأخير كرّر الأمين العام للحزب تأكيداته بفصل الرئاسة عن حرب غزة والوضع جنوباً، لكنّه، منذ بدء معارك 7 أكتوبر (تشرين الأول)، كان الأكثر توسّعاً في الغوص بملفّ الرئاسة محمّلاً الطرف الآخر مسؤولية التعطيل لرفضه الحوار أو التشاور.
حدّد السيد نصرالله في خطابه قبل أيام الخطوط الفاصلة بين الضاحية وملفّ الرئاسة، وهي مواقف تلت الزيارة الأخيرة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت التي لم تحقّق أيّ خرق يُذكر في سياق تكريس مسار الخيار الثالث:
– تأكيد الأمين العام للحزب أنّ مشكلة الرئاسة سابقة لطوفان الأقصى بسبب “الخلاف الداخلي والفيتوات أو التدخّلات الخارجية”، ملمّحاً إلى أنّ “بعض النواب إذا شعروا أنّ بعض الدول ليس لها فيتو على المرشّح الفلاني (قاصداً بين السطور سليمان فرنجية) يذهبون وينتخبونه عن قناعة”.
– تصويب نصرالله على أداء بعض دول الخماسية، دون أن يذكرها بالاسم، “فهناك من يقدّم نفسه بعنوان مُساعد وهو ليس مساعداً، هو معرقل ومُعطّل في كثير من الأحيان، أنا لا أقول كلّ الدول، بعضها في الحدّ الأدنى”.
ثوابت الحزب في مواكبة الملفّ الرئاسي يقابلها اشتعال مستمرّ للوضع جنوباً وسط تأكيدات إسرائيلية أنّ قراراً بتوسيع الضربات العسكرية ضدّ لبنان قد اتُّخذ
– لا توظيف بين ما يجري في الجنوب والشأن الداخلي، كما قال نصرالله، “والخائف أن يأكلها بالسياسة هو مرعوب ولا يثق بحلفائه أو رعاته”، وكرّر أنّ “نتائج معركة الجنوب أعلى وأكبر من المكاسب السياسية الداخلية والمحلّية”.
– تمسّك بالحوار مدخلاً وحيداً للانفراج الرئاسي، “فيما الوقوف أمام بعض الأمور الشكليّة يعطّل الاستحقاق، وإذا كان من سبيل آخر غير الحوار واللقاء والتفاهم والتشاور دلّونا عليه”.
اشتعال الجبهة… و”العدد“!
ثوابت الحزب في مواكبة الملفّ الرئاسي يقابلها اشتعال مستمرّ للوضع جنوباً وسط تأكيدات إسرائيلية أنّ قراراً بتوسيع الضربات العسكرية ضدّ لبنان قد اتُّخذ.
في الأيام الماضية اتّخذت المواجهات منحى تصعيدياً كبيراً وسّع دائرة مناطق الاشتباكات وأسفر عن إسقاط المقاومة للمرّة الرابعة، وفق تأكيدات الإسرائيليين، بصاروخ أرض – جو مسيّرة إسرائيلية من نوع هرمز 900 اعترفت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأنّها واحدة من أكبر وأغلى الطائرات التي يمتلكها جيش العدوّ وسط إعلام عبريّ يعاير قياداته الأمنيّة بأنّ المنطقة العازلة التي يسعى الإسرائيلي إلى فرضها جنوب الليطاني باتت أمراً واقعاً شمال إسرائيل.
إلى ذلك أعلن الحزب أمس تنفيذه هجوماً جوّياً نوعياً بسرب من المسيّرات الانقضاضية على مقرّ كتيبة المجمع الحربي في ثكنة يردن الإسرائيلية في الجولان السوري مستهدفاً رادار القبّة الحديدية. بالمقابل، ردّت إسرائيل على إسقاط مسيّرة هرمز باستهداف البقاع.
يعكس تموضع الحزب الرئاسي-العسكري جزءاً من “منظومة الإعجاز” الرئاسي الذي خرقته إثارة الحزب مرّة جديدة لمسألة “العدد” من خلال رفض نصرالله لمقولة إنّ أكثرية الشعب اللبناني لا تريد معركة إسناد غزة قائلاً: “عندما نأتي ونقول تعالوا لنتكلّم بالأرقام، تقولوا عدتم للعدّ. إذا القصّة غالبية وأكثرية وأقلّية، فالموضوع موضوع عدد. تعالوا لنعدّ أرقاماً، فيقولون لنا رجعتوا لتعدّوا. فإذاً، إمّا أن نرجع نعدّ وإمّا كلّ واحد يعرف حجمه ويتكلّم عمّن يمثّل وما يمثّل”. وقال: “بتواضع نحن نعتبر أنفسنا أكبر حزب في لبنان وأكثر أصوات تفضيلية وأكبر قاعدة شعبية، ومع ذلك ولا يوم ادّعينا تحدّثنا باسم أكثرية الشعب اللبناني”.
تنفي أوساط “تكتّل الاعتدال” أنّ المبادرة الجنبلاطية تأتي على حساب المقترحات المقدّمة من جانب التكتّل، “بل كلّ المبادرات تكمّل بعضها”
وساطة “الاشتراكيّ“
ما زاد طين الكربجة الرئاسية بلّة هو استحضار مسألة العدد مجدّداً وتراجع الوساطات الدولية خطوات إلى الوراء بانتظار ما سيُسفِر عن لقاء القمّة بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي ايمانويل ماكرون في قمّة النورماندي، ومصير عرض بايدن في ما يتعلّق بمقترح وقف إطلاق النار في غزة، و”النشاط الأميركي” على خطّ الترتيبات الأمنيّة على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
لكنّ هذه الكربجة خرقتها قبل أيام محاولة من جانب الحزب التقدّمي الاشتراكي لكسر حالة المراوحة التي ستُترجم من خلال جولة على القيادات السياسية بدءاً من الأسبوع الجاري.
يقول أمين سرّ “اللقاء الديموقراطي” هادي أبو الحسن لـ “أساس”: “في ظل انسداد الأفق الرئاسي والوضع جنوباً نتيجة العدوان الاسرائيلي وتعطّل المؤسسات واستفحال الازمة الاقتصادية كل ذلك يستلزم أن يكون هناك رئيساً فوراً. هي محاولة لإطلاق دينامية من أجل إيجاد أرضية مشتركة يمكن البناء عليها للخروج من هذا الاستعصاء”.
يضيف أبو الحسن: “تبدأ المسألة من كيفية التلاقي حيث ليس هناك من فريق يملك وحده 86 صوتاً أو حتى 65، ذلك نحن محكومين بالاتفاق”، مشيراً إلى أن “هذه المحاولة تأتي بعد جولة وليد جنبلاط في فرنسا وقطر ومن أجل ملاقاة اللجنة الخماسية في منتصف الطريق. سمعنا كلاماُ غير مطمئن منذ أيام على لسان الموفد الفرنسي حول نهاية لبنان السياسي، لذلك نحن لن نقف مكتوفي الأيدي وسنبادر ونقوم بواجباتنا”.
إقرأ أيضاً: بين الخماسية وChatGPT!
تنفي أوساط “تكتل الاعتدال” بأن المبادرة الجنبلاطية تأتي على حساب المقترحات المقدّمة من جانب التكتل “بل كل المبادرات تكمّل بعضها”.
تفيد معلومات “أساس” أنّ المبادرة نسّقت مع الموفد الفرنسي خلال وجوده في لبنان بعد النقاش بها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمسؤولين في قطر، وهي تشكّل استكمالاً لمسار سابق من مبادرات اللقاء الديموقراطي حتى قبل بدء الشغور الرئاسي تجنّباً لحدوثه وصولاً إلى طرح أسماء رئاسية وسطية من قبل النائب السابق وليد جنبلاط”.
يُذكَر أنّ النائب السابق وليد جنبلاط كشف في كانون الثاني العام الماضي أنّه طلب لقاء وفد حزب الله حيث طرح أمامه ثلاثة أسماء للرئاسة همّ قائد الجيش وجهاد أزعور وصلاح حنين، متحدّثاً عن ضرورة وجود إسم وسطي بين سليمان فرنجية وميشال معوض مع تأكيد انفتاحه على كل الأسماء. لكن المبادرة الراهنة التي سيبدأ مسارها غداً لا تحمل أسماء وهي لا تزال في طور البلورة لناحية آلية جمع الأضداد حول طاولة التوافق على الرئيس.
لمتابعة الكاتب على X: