الهند والشرق الأوسط: انفتاح اقتصادي وعداء للإسلام

مدة القراءة 5 د

دخلت الهند مسرح الشرق الأوسط من بوّابتين:

البوّابة الأولى: هي باب المندب. ذلك أنّه منذ أن فرض الحوثيون الحصار على مدخل البحر الأحمر، أرسلت الهند (1.4 مليار نسمة) عشر سفن حربية إلى المنطقة. فالهند التي تحقّق نموّاً سنوياً بنسبة تراوح بين 6 و7 في المئة، تُعتبر الآن خامس أكبر اقتصاد في العالم. ومن المتوقّع أن تحتلّ المركز الثالث عالمياً في عام 2027.

البوّابة الثانية: هي الانتقال من محاولات تهميش المسلمين الهنود (225 مليوناً) إلى محاولة عزلهم عن النهضة الاقتصادية الجديدة لمجرّد أنّهم مسلمون. فالحزب الذي يتزعّمه الرئيس الهندي بارندرا مودي يكره المسلمين، ويضع في أولوياته تهميشهم وإقصاءهم. ذلك أنّ الحزب “بهاريتا جاناتا” يرفع شعار “الهند للهندوس”. وبالتالي فإنّ كلّ من هو غير هندوسيّ (مسلماً كان أو مسيحياً أو بوذياً)، فلا يستحقّ المواطنة.

 

البوّابتان المتناقضتان

من هاتين البوّابتين المتناقضتين، تدخل الهند الشرق الأوسط، بعدما خرجت منه إثر خسارة حزب المؤتمر للانتخابات البرلمانية، وهو الحزب الذي كان أسّسه الثنائي التاريخي غاندي ونهرو، والذي جعل من الهند الديمقراطية الكبرى في العالم.

في ظلّ حزب المؤتمر وصل مسلم إلى رئاسة الدولة. وتمكّن عالِم مسلم من أن يحصل على لقب أبي القنبلة الذرّية الهندية. الآن تغيّر كلّ شيء وانقلب الوضع رأساً على عقب. فالهند تتقدّم اقتصادياً، وتتراجع ديمقراطياً. يقوم تقدّمها على الصناعات الإلكترونية الحديثة. ويقوم تراجعها على كراهية الإسلام.

تدخل الهند الشرق الأوسط، بعدما خرجت منه إثر خسارة حزب المؤتمر للانتخابات البرلمانية

يبلغ عدد سكان الهند 1.4 مليار إنسان. وهي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان (تقدّمت على الصين 1.2 مليار إنسان). أمّا اقتصادياً فهي تحتلّ المركز الخامس في العالم ومرشّحة للتقدّم إلى المركز الثالث بعد الولايات المتحدة والصين في عام 2027. ومن مؤشّرات هذا التقدّم الاقتصادي أنّ المؤسّسات الأميركية وحدها تشغّل 1.5 مليون هندي داخل الهند. ويحتلّ السوق المالي الهندي الموقع الرابع في العالم. ويعكس التطوّرَ الاقتصادي للهند رقمان أساسيان. الأوّل هو أنّ في الهند اليوم 149 مطاراً. والثاني أنّها تشقّ طرقات داخلية جديدة تصل إلى عشرة آلاف كيلومتر كلّ عام. وبدأت تنتج من الطاقة الشمسية 15 جيغاوات كلّ سنة. وقد تمكّنت بنجاح من دخول عصر المكننة الإلكترونية في المعاملات الإدارية والمالية. حتى إنّ مصانعها الإلكترونية أصبحت مصدراً لإنتاجٍ تعتمد عليه الشركات العالمية الكبرى في الولايات المتحدة بصورة خاصة.

قوّة كبيرة وخطر كبير

يجعل هذا النموّ المتسارع من الهند قوّة كبيرة. غير أنّ عداءها للإسلام الذي يعكسه الحزب الحاكم يجعل من هذه القوّة الكبيرة خطراً كبيراً. من هنا ترتفع علامة استفهام: أين منظّمة التعاون الإسلامي؟

الهند

تقول الدراسات الرسمية إنّ نسبة الفقراء في الهند (أصحاب الدخل دون الثلاثة دولارات يومياً) هبطت إلى نسبة خمسة في المئة بعدما كانت تصل إلى 11 في المئة في عام 2011. ولكنّ هذه الظاهرة الإيجابية لا تشمل المسلمين الهنود الذين يزدادون فقراً بسبب إقفال أبواب العمل الإلكتروني في وجوههم.

شكّل الثلاثي نهرو وشوان لاي وعبد الناصر قاعدة ثلاثية لعالم عدم الانحياز

وتتمركز هذه الظاهرة السلبية في الولايات الشمالية من الهند، حيث الكثافة الإسلامية أكثر من الولايات الجنوبية. وخاصة في ولاية أتارباديش. فقد شهدت عاصمة هذه الولاية (أتارباديش) عندما كان الرئيس مودي نفسه حاكماً لها، أكبر مجزرة ذهب ضحيّتها الآلاف من المسلمين. فقد قرّر الرئيس مودي في حينها تدمير المسجد التاريخي في المدينة بحجّة أنّه يقوم في الموقع الذي وُلد فيه (؟) الإله “رام” الذي يقدّسه الهندوس. وقد تمّ تدمير المسجد بالفعل وأُقيم في مكانه معبد هندوسي للإله رام. وهو ما اضطرّ عشرات الآلاف من المسلمين الذين نجوا من المجزرة إلى الهرب بأرواحهم إلى باكستان.

منذ ذلك الوقت تحوّل الحادث المفجع إلى نموذج يعتمده الحزب الهندوسي الحاكم في تعامله مع من يسمّيهم “أكلة لحوم الآلهة”، أي المسلمين.

يومها صدر في الولايات المتحدة الأميركية قرار بمنع الرئيس مودي من دخول الولايات المتحدة. ولكنّ القرار سُحب فيما بعد حرصاً على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة مع الهند، وخاصة بعدما انتقل مودي من رئيس ولاية إلى رئيس الولايات الهندية.

في الخمسينيات من القرن الماضي فتح الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بوّابة عدم الانحياز أمام الهند (جواهر لال نهرو) والصين (شوان لاي). وشكّل الثلاثي نهرو وشوان لاي وعبد الناصر قاعدة ثلاثية لعالم عدم الانحياز. اليوم أصبحت الصين دولة كبرى شقّت لنفسها طريق “الحرير” في العالم شرقاً وغرباً. وها هي الهند تبدأ بشقّ طريقها أيضاً عبر التطوّر الإلكتروني، ليس فقط كأكبر دولة من حيث عدد السكان فقط، لكن كأسرعها نموّاً أيضاً.

أمّا مصر فتعاني مشكلة التضخّم السكاني المتفلّت الذي يأكل ثمار التنمية حتى قبل أن تنضج.

 

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…