يسيّج رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تيّاره استعداداً لانتخابات عام 2026. يعيد ترتيب بيته الداخلي. بعد عامين على الانتخابات النيابية فرض المراجعة الخلل في التعاطي الذي ظهر داخل الكتلة النيابية. لم يدُم التوافق طويلاً بين نوّابه، وبدل أن تكون كتلة نيابية متراصّة، طفت خلافاتها على السطح. لم يُعرف السبب: هل هو الحرص على حرّية القرار أو الرغبة في الانقلاب على باسيل. شكّلت جلسة انتخاب الرئيس النيابية القشّة التي قصمت ظهر البعير. أراد بعض النواب التمايز عن قرار رئيس تيارهم بعدم انتخاب جهاد أزعور. مارسوا قناعاتهم فخضعوا للمساءلة. توسّع الشرخ. فُصل نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، وقرار فصل آلان عون مرهون بحضوره جلسة هيئة الحكماء. أمّا استمرارية النائبين إبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا فصارت مرهونة بمدى التزامهما بقراراته أو الانفصال كلّياً... فما الجديد في هذا الملفّ؟ وماذا تعني التغييرات في “نظام التيار”؟
لكلّ من هؤلاء خلافاته القديمة مع باسيل: الياس بوصعب وآلان عون وسيمون أبي رميا وابراهيم كنعان.
لم يستطع باسيل تحمّل تفرّد بوصعب في المواقف، ولم يجد الأخير نفسه ملزماً بالطاعة، فغلّب حيثيّته كنائب لرئيس المجلس على عضويّته في التيار. ويسعف آلان عون قربه من المؤسّس الرئيس ميشال عون. ومن غير إعلان بات إبراهيم كنعان يغلّب حساباته الرئاسية على التزامه كتيار. أخيراً عقد المجلس الوطني في التيار الوطني الحر اجتماعاً مخصّصاً لإجراء تعديلات على نظامه الداخلي وذلك بحسب آلية تعديل النظام. تسعة بنود جديدة نسفت النظام القديم، وعزّزت صلاحيات الرئيس وأعطته سلطة مطلقة في القرار. تعديلات اعتبرها المعارضون محاولة لباسيل لإحكام قبضته على التيار والتفرّد بالقرار. بينما منحها المؤيّدون أبعاداً مستقبلية للتيار وعلاقاته وتحالفاته الانتخابية.
يؤكّد التيار أنّه كان سبّاقاً في ملفّ النازحين السوريين وكان “رأس الحربة” في الدعوة إلى المعالجة وسلّم له الجميع بالأسبقية
ما هي هذه التعديلات؟
في حين يعيد رئيس التيار ضبط إيقاعه على عناوين المرحلة الجديدة والمقبلة، أجرى المجلس الوطني داخل التيار، الذي هو بمنزلة برلمان، تعديلات على نظامه الداخلي وأقرّ جملة تدابير داخلية ينصّ أهمّها على تحديد “الحدّ الأدنى المطلوب لحضور الاجتماعات في المجلس السياسي والهيئة السياسية ومجالس الأقضية”. ففرض مبدأ عدم التغيّب من دون أعذار وحدّد مرّات الغياب المسموح بها. كما تلزم التعديلات الجديدة “المنتسبين التعهّد بالتزام سياسة التيار وقراراته لمن يتسلّمون مناصب رسمية”، فضلاً عن “تعديل في آلية الانتخابات الداخلية في التيار وحقوق المنتسبين ومهامّ وصلاحيّات الرئيس في هذا المجال”.
من الواضح أنّ تعديلات كهذه إنّما بُنيت على أساس ما شهده التيار الوطني الحرّ من خلافات. يريد باسيل “أن يمنع الترهّل والشطط بالمواقف والتراخي داخل التيار”.
“وهل ترك الأمور فالتة مطابق لمبدأ الديمقراطية؟”، يسأل نائب عونيّ من المتحمّسين لخطوة الإصلاحات، ويقول: “لن يبقى التيار الوطني الحر حارة كلّ من إيده إلو. فإمّا أن يكون النائب جزءاً من الكتلة أو لا يكون. التراخي ليس ديمقراطية والانتظام ليس ديكتاتورية وهذا متّبع في كلّ دول العالم”.
غيّر التعديل الجديد آليّة الترشّح للانتخابات النيابية، وبدل أن يخضع المرشّح لثلاث مراحل تؤهّله للترشّح، منح التعديل الجديد الكلمة الفصل للرئيس الذي يحدّد المرشّحين في الدوائر الانتخابية. وهو ما يشير إلى تغيّرات جذرية في طريقة تقدين الترشّح للانتخابات المقبلة بدأت تُنسج خيوطها منذ اليوم.
“من شابه االأحزاب الأخرى.. ما ظلم”
في التعديلات شابه التيار ورئيسه الأحزاب السياسية الأخرى، حيث السلطة المطلقة للرئيس الذي يفوز بالتزكية. في حالة التيار كثرة من المعارضين لباسيل ولا مرشّح ضدّه في انتخابات الرئاسة. ومن خرجوا من التيار فقدوا حيثيّتهم بدليل فشلهم في الانتخابات الماضية. فهل نحن أمام تجربة جديدة من هذا النوع؟
مرحلة سياسية جديدة يتحضّر لها التيار، بدأها باسيل بالتواصل المستمرّ مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في الجانب السياسي
يرفض المتحمّسون تصوير التعديلات بأنّها محاولة لتوسيع صلاحيات باسيل. ويلخّص هؤلاء الخطوة بالقول: “خاض التيار تجربة نظامه السابق ووجد فيه ثغرات بحيث لم يعد بالإمكان الاستمرار في تطبيقه. الموضوع لا علاقة له بالرغبة في السيطرة على التيار. وضعيّة التيار مختلفة عن وضعية الأحزاب الأخرى”.
في حديثه لـ”أساس”، لا يرى النائب في التيار أنّ التعديلات انتقاص من الديمقراطية. لأنّ “الديمقراطية لها علاقة بالتعبير عن رأيك داخل حزبك وليس أن تخالف قراراته. إذ ليس من المنطق أن يخرج من بين نواب التيار من يخالف توجّهاته. هذه ليست ديمقراطية. وهل تعني الديمقراطية أن تناقض قرار حزبك أو أن تتغيّب عن اجتماعاته؟ أو أن تستغلّ شعبيّته وشعاراته لتصل إلى النيابة ثمّ تصبح نائباً على هواك؟ هذا ليس إلّا استغلالاً واحتيالاً على الحزب. الإطار الحزبي يجب أن يطبّق على المحازبين. وهذا إجراء متّبع في كلّ العالم. وهل يمكن لعضو في الحزب الجمهوري أن يصوّت لمرشّح من خارج حزبه؟”.
من وجهة نظر القيّمين عليها، فإنّ الغرض من تعديلات النظام الجديد “هو إنهاء الشطط الذي عانى منه التيار نتيجة فائض الديمقراطية في التركيبة الماضية. وهذا يشير إلى أنّه بدءاً من المرحلة المقبلة سيذهب التيار إلى مرحلة أكثر انضباطاً في تركيبته وأكثر وضوحاً في الأهداف التي حدّدها لنفسه سياسياً وعلى المستوى الوطني. بدليل أنّ الذين صوّتوا على التعديلات تخطّوا الثلثين من مجمل الأعضاء )551 صوتاً من أصل 653). وهي نسبة تشير إلى أنّ مرحلة جديدة في حياة التيار ستبدأ وعنوانها “نهاية مرحلة الرخاوة”.
تزامن هذا مع تطوّرات كبرى على مستوى ما حقّقه التيار من فوز في انتخابات نقابتَي المهندسين والأطبّاء وفي انتخابات نقابية أخرى، ويستعدّ لانتخابات نقابة المحامين. بالموازاة شهد حركة انفتاح سياسي تجسّدت في احتفالات شوارع منطقة البترون التي قصدها السفراء العرب والأجانب وإعلان دوما مدينة سياحية. وهو مشروع خاضه جبران باسيل.
يسيّج رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تيّاره استعداداً لانتخابات عام 2026 يعيد ترتيب بيته الداخلي
مرحلة سياسية جديدة يتحضّر لها التيار، بدأها باسيل بالتواصل المستمرّ مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في الجانب السياسي. وعُلم أنّ هناك احتمالاً لعقد جلسات تشريعية تتّخذ طابع الضرورة وتصبّ في خانة معالجة الأزمة المالية والاقتصادية. بما يعني أنّ الانفتاح لا يقتصر على الموضوع السياسي.
وفي جردته يؤكّد التيار أنّه كان سبّاقاً في ملفّ النازحين السوريين، وكان “رأس الحربة” في الدعوة إلى المعالجة، وسلّم له الجميع بالأسبقية. أضف إلى ذلك أنّه جرت وتجري عملية تواصل بين باسيل والقوى الاقتصادية والإنتاجية في لبنان.
إقرأ أبضاً: من هم المستفيدون من مرسوم التمديد في الأجهزة الأمنيّة؟
هكذا يستكمل التيار الحلقة التي تجعله مستعدّاً للمرحلة المقبلة، أي انتخابات عام 2026. مرحلة صعبة ومخاضها صعب بالنظر إلى خلط الأوراق والتحالفات الجديدة التي بدأت تظهر تدريجياً، سواء في المتن أو في الجنوب. وتبقى العين على التفاهم مع الحزب ومنطق الشراكة بينهما الذي يتوقّف على انتخابات رئاسة الجمهورية.