قبل أسبوعين من مقتله في حادث تحطم طائرة هليكوبتر الذي أودى بحياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والوفد المرافق له، التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل غروسي. الذي زار طهران في 6 أيار على رأس وفد للمشاركة في للمؤتمر النووي الوطني الثلاثين والمؤتمر الدولي الأول للعلوم والتقنيات النووية الذي أقيم في اصفهان، وللتفاوض مع كبار المسؤولين في إيران. وبعد اجتماعه مع عبد اللهيان، أفاد غروسي، في منشور على منصة “إكس”، بأنه اقترح على الجانب الإيراني خطوات ملموسة للعودة إلى التفاهم الذي توصل إليه مدير الوكالة التابعة للأمم المتحدة في آخر زيارة له إلى طهران في 4 آذار العام الماضي. تفاهم يهدف إلى “إعادة عملية بناء الثقة” و”زيادة الشفافية”. على ان تستأنف المفاوضات خلال زيارة فريق من خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية لطهران خلال منتصف ايار للتوصل إلى “مسودة” حول تنفيذ اتفاق الطرفين بشأن حلّ القضايا العالقة.
وفاة الرئيس الإيراني ابرهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان. ستدفعان الثيوقراطية المتصلبة في إيران إلى لحظة من الارتباك وعدم اليقين سيكون لها عواقب بعيدة المدى على البرنامج النووي للبلاد، بحسب مجلة إيكونوميست، التي نشرت في (20 أيار 2024) نص مقابلة أجرتها مع غروسي قبل وفاة عبد اللهيان حول الملف النووي في إيران، التي يزداد القلق من احتمال قيامها بتطوير القنبلة النووية. وحول مخاطر سباق التسلح النووي في العالم… ننشر من الحوار هنا فقط ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.
مجلة ايكونوميست ترجح أن تؤدي وفاة رئيسي إلى زعزعة النظام وتعقيد الأمور بعدة طرق
إيران تستطيع إنتاج قنبلة نووية في أسبوع
البرنامج النووي الإيراني يتوسّع بسرعة من حيث الحجم والتعقيد. ويحتوي على 27 ضعف كمية اليورانيوم المخصب المسموح بها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، التي ألغاها دونالد ترامب في عام 2018 وباتت الآن “قوقعة فارغة”، كما يقول غروسي. فهذا المخزون، الذي تمّ تخصيب بعضه إلى درجة نقاء 60%، وهو قريب من الجودة العسكرية، يكفي لصنع حوالي ثلاث قنابل. وإلى جانب استخدام إيران أجهزة طرد مركزي أحدث وأسرع، فإنّ هذه التطورات “حلت محل خطة العمل الشاملة المشتركة بالكامل”. والنتيجة هي أنّ إيران يمكن أن تنتج ما يكفي لصنع قنبلة من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة خلال أسبوع واحد فقط، وما يكفي لإنتاج سبعة خلال شهر واحد.
عندما زار غروسي إيران في آذار 2023، وعدت البلاد بالتعاون بشكل أكمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. بما في ذلك عن طريق إعادة تركيب معدات المراقبة التي أزالتها في وقت سابق. وبحسب غروسي فإن هذا التقدم “توقف بسرعة”، و “فقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية “استمرارية المعرفة” فيما يتعلق بجملة أمور، حول إنتاج إيران ومخزونها من أجهزة الطرد المركزي والمياه الثقيلة ومركزات خام اليورانيوم. وإذا كان يمكن استخدام هذه العناصر لإعادة بناء برنامج للأسلحة النووية سراً، بدلاً من استخدام المنشآت المعروفة التي يمكن قصفها.
وحين عاد غروسي في 7 أيار الى طهران ليرى ما إذا كان بإمكانه كسر الجمود. كانت هناك آمال في أن تبطئ إيران تراكم اليورانيوم المخصب بنسبة 60% عن طريق “تخفيض تركيزه” إلى مستويات أقل. لكن لم يكن هناك مثل هذا الالتزام، كما يقول غروسي الذي يعتبر ، بحسب الـ”إيكونوميست”، المرشح المحتمل لخلافة أنطونيو غوتيريش في منصب الأمين العام للأمم المتحدة في غضون عامين.
عندما زار غروسي إيران في آذار 2023 وعدت البلاد بالتعاون بشكل أكمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
إيران تنوي صنع “القنبلة”؟
“يبدو أن إيران كانت تخدع الجميع طوال الوقت”. يضيف غروسي الذي يشعر بالقلق إزاء العدد المتزايد من التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين الإيرانيين بأنّ البلاد قد تكون أكثر انفتاحاً على صنع القنبلة النووية.
ففي نيسان، عندما تبادلت إسرائيل وإيران إطلاق الصواريخ. ألمح رئيس وحدة الحرس الثوري الإيراني المسؤولة عن سلامة المواقع النووية إلى أنّ إيران قد تلغي “الفتوى” التي أصدرها آية الله علي خامنئي، الحاكم الأعلى للبلاد، ضد الأسلحة النووية في عام 2003. وفي أيار، أصدر كمال خرازي، مستشار خامنئي، نفس التهديد مرتين في غضون أيام. يقول غروسي: “هذا غير مقبول، إلا إذا اختارت البلاد التنديد بمعاهدة حظر الانتشار النووي أو الانسحاب منها”.
يختلف الخبراء والمسؤولون الغربيون حول ما إذا كانت هذه التصريحات علامة على أنّ إيران تنوي تصنيع قنبلة أو ما إذا كانت تريد ببساطة تعزيز ردعها ضد أميركا وإسرائيل في فترة التوتر هذه. لكن غروسي يشعر بالارتياح من حقيقة أن الوزير الراحل أمير عبد اللهيان ومحمد إسلامي، نائب الرئيس الإيراني ورئيس منظمة الطاقة الذرية في البلاد، لم يكررا هذه التصريحات. ويدعو للتوصل إلى اتفاق جديد حول خطة العمل الشاملة المشتركة.
وفاة رئيسي تعقد الامور
لكن مجلة ايكونوميست ترجح أن تؤدي وفاة رئيسي إلى زعزعة النظام وتعقيد الأمور بعدة طرق. وقد يميل النظام الضعيف والمعزول إلى تطوير أسلحة نووية من أجل المزيد من الأمن. ويمكن أن يؤثر أيضاً على عملية صنع القرار. ليس لدى حلفاء رئيسي الأيديولوجيين خليفة واضحا له. تم استبعاد الإصلاحيين من الانتخابات الرئاسية الوهمية في عام 2021 والانتخابات البرلمانية في عام 2024. ويمكن أن يتم ذلك مرة أخرى. إذ أنّه بموجب الدستور، يجب إجراء انتخابات رئاسية بعد 50 يومًا من وفاة الرئيس.
وفاة الرئيس الإيراني ابرهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان ستدفعان الثيوقراطية المتصلبة في إيران إلى لحظة من الارتباك
قد يصل إلى موقع الرئاسة مرشح أكثر واقعية ومحافظة. ما يجعل المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد ممكنة. وبالإضافة إلى ذلك، كان الرئيس الراحل إبراهيم ريسي مرشحاً لخلافة المرشد الأعلى اية الله خامنئي. وتؤدي وفاته إلى تحسين فرص تولي مجتبى خامنئي، نجل الأخير، السلطة بدلاً منه. كما يمكن أن تقوي حلفائه في الحرس الثوري الإيراني – القوة الدافعة وراء البرنامج النووي منذ ما يقرب من 40 عاماً.
ّوقد تهيمن هذه القضايا على اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الفترة من 3 إلى 7 حزيران. تريد بعض الدول الغربية إحالة إيران إلى مجلس الأمن. يوضح هنا غروسي أن دول مجموعة الخمسة، التي لديها حق النقض، كان لها في الماضي “قاسم مشترك” بشأن إيران، حيث وافقت على العقوبات. “اليوم، لم يعد هذا ممكنًا”. كما يقرّ، بالنظر إلى الانقسامات العميقة بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا من ناحية، وروسيا والصين من ناحية أخرى. هذا الجمود بين القوى الكبرى يعني أنّ إيران قادرة على المضي قدماً في صن القنبلة، مع احتمال إفلات نسبي من العقاب.
إقرأ أيضاً: وفاة رئيسي تسرّع السباق على خلافة خامنئي
يحذّر غروسي من أنّ القنبلة الإيرانية ستكون لها عواقب وخيمة بعيدة المدى. ويقول، في إشارة إلى حصول كوريا الشمالية على القدرات النووية في عام 2006: “كانت شبه الجزيرة الكورية مقيدة للغاية… والمعايير ضيقة للغاية جعلت الدومينو صعبًا للغاية في تلك الظروف، لكنني أعتقد أنّ الشرق الأوسط مختلف تماماً. هنا، ستؤدي الحالة إلى قيام المزيد من الدول، إن لم تكن تسعى علناً للحصول على أسلحة نووية. بمحاولة الحصول على فترة انتقالية ومحاولة الاقتراب منها”.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا