“من المخاطر التي تواجه أميركا أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بات لاعباً متطرّفاً، ويقوّض المصالح الرئيسية للولايات المتحدة وحلفائها العرب، وأصبح الهديّة التي لا تزال إيران تتلقّاها”. هذا ما أكّدته، بحسب الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، تحذيرات أهمّ مسؤولي الدفاع في حكومة نتنياهو الحربية، ومفادها أنّ نتنياهو يقود إسرائيل إلى هاوية كارثية برفضه تقديم أيّ خطّة للفلسطينيين غير المنتمين إلى حماس لحكم غزة، وإعلانه رغبته في احتلال عسكري إسرائيلي طويل الأمد لغزة بدلاً من ذلك.
يعتبر فريدمان أنّ “الخيارات السياسية التي اتّخذها نتنياهو سمحت لإيران بالتغلّب على إسرائيل بشكل كامل. فتحت إشرافه، أضعفت إيران إسرائيل وعزلتها على المسرح العالمي بسبب غزة، بينما أصبحت هي على عتبة القوّة النووية وأكبر قوّة إمبريالية في المنطقة وأقلّ عزلة ممّا كانت عليه في أيّ وقت مضى منذ سنوات. وهو اليوم مشغول بالقيام بشيء أكثر خطورة على مستقبل إسرائيل، وعلى أميركا. إذ يحاول إقناع الجمهور الإسرائيلي بأن لا فرق بين حماس التي تريد محو الدولة اليهودية من على الخريطة واستبدالها بدولة إسلامية، وبين السلطة الفلسطينية العلمانية في الضفة الغربية بقيادة حركة فتح التي تبنّت اتفاقيات أوسلو ودعت إلى حلّ الدولتين وتعاونت مع إسرائيل لمدّة ثلاثة عقود للحدّ من العنف في الضفة”.
يؤكد فريدمان، في مقاله الأسبوعي الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، أنّ لدى السلطة الفلسطينية مليون عيب أحدث المستوطنون الإسرائيليون العنيفون بعضها أو فاقموه. وأنّ نتنياهو يعرف جيّداً مدى تعاون السلطة الفلسطينية مع الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الشاباك للحفاظ على السيطرة في الضفة الغربية. ويعرف كم ستتكلّف إسرائيل من المال والجنود والشرعية إذا اضطرّت إلى أن تدير بمفردها أمن وصحّة ومصارف وتعليم الفلسطينيين في الضفة الغربية. ومع ذلك، ولأنّ شركاء نتنياهو في الائتلاف اليميني المتطرّف يريدون ضمّ غزة، وأصواتهم قد تبقيه في منصبه وخارج السجن إذا أدين في محاكمات الفساد، فإنّه يردّد شعارهم بأنّ حماس وفتح هما وجهان لعملة واحدة.
من المخاطر التي تواجه أميركا أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بات لاعباً متطرّفاً، ويقوّض المصالح الرئيسية للولايات المتحدة وحلفائها العرب
في رأي فريدمان أنّ هذه الديناميكية هي الأكثر أهميّة التي تحدث الآن، وأنّ القرار الذي اتّخذته المحكمة الجنائية الدولية بطلب إصدار أوامر اعتقال بحقّ نتنياهو ووزير دفاه يؤاف غالانت وقادة حماس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، لن يؤدّي إلا إلى تعزيز نتنياهو في الداخل وصرف الانتباه عن هذ الأمر.
غالانت: آخر الشجعان؟
يصف فريدمان غالانت بالشخص الوحيد الذي يتمتّع بالشجاعة السياسية والجاذبية في قيادة حزب الليكود الذي أقرّ أنّ “اليوم التالي” لن يتحقّق إلا عندما تسيطر الكيانات الفلسطينية على غزة، برفقة جهات دولية فاعلة، وتشكيل حكومة بديلة لسلطة حماس.
لكنّ نتنياهو أوضح موقفه: “غزة لن تكون حماستان ولا فتحستان”. ولديه خطة لـ”اليوم التالي”. كما ينقل فريدمان عن فيكتور فريدمان، وهو عالم نفس تنظيمي إسرائيلي، جملة واضحة جداً، وهي: “النصر الكامل”، من خلال عودة الاستيطان اليهودي في غزّة، وإعادة احتلالها. وإذا حدث ذلك، فستصبح إسرائيل منبوذة دولياً، وستتمزّق المؤسّسات اليهودية في كلّ مكان بين اليهود الذين سيشعرون بالحاجة إلى الدفاع عن إسرائيل، سواء كانوا على حقّ أو على باطل، وأولئك الذين سيجدون ذلك أمراً لا يمكن الدفاع عنه.
وفقاً لفريدمان “نتنياهو ليس الوحيد الذي قاد إسرائيل إلى المأزق الحالي. لسنوات، حظي مشروعه الاستيطاني وسياساته تجاه إيران بغطاء من لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) واللوبي الأميركي المؤيّد لإسرائيل، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى، واللجنة اليهودية الأميركية، والمؤيّدين غير المحسوبين في كلّ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي”.
لا يعتقد فريدمان أنّ الرئيس بايدن يفهم تماماً “صديقه القديم” بيبي، الذي تُعدّ حكومته الأولى في الإعلان رسمياً أنّ ضمّ الضفة الغربية هدف لها وحاولت تجريد المحكمة العليا من سلطتها لوقف ذلك. وكتب: “على مدار أشهر، التمس فريق بايدن من نتنياهو صياغة رؤية لما بعد غزة تتضمّن سيطرة فلسطينية وعربية على غزة ومساراً طويل المدى لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح وتمهيد الطريق لاتّفاق أمنيّ أميركي سعودي يؤدّي إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعوديين. نتنياهو رفض كل هذا. وفي عام 2015، حين أبرم فريق باراك أوباما اتّفاقاً نووياً مع إيران أدّى إلى خفض مخزونها من اليورانيوم المخصّب إلى كمية صغيرة مخصّبة تصل إلى نسبة نقاء 3.67 في المئة، بعيدة عن نسبة النقاء اللازمة لصنع القنبلة النووية، عارض نتنياهو الصفقة بشدّة. وبعد وصول ترامب إلى السلطة ضغط نتنياهو عليه بقوّة لتمزيق الصفقة مراهناً على أنّه إذا خرقت إيران الصفقة وبدأت التخصيب لإنتاج قنبلة نووية، فإنّ ترامب سيفجّر المنشآت النووية في إيران. خرجت إيران، لكن لم يكن ترامب ولا بايدن مستعدّين لشنّ هجوم عليها”.
يصف فريدمان غالانت بالشخص الوحيد الذي يتمتّع بالشجاعة السياسية والجاذبية في قيادة حزب الليكود
فما كانت النتائج؟
تخصّب إيران الآن اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 60% ولديها ما يكفي من الموادّ المخصّبة من هذا المستوى، وإذا تمّ تخصيبها بدرجة أكبر، يمكن صنع سلاحين نوويين، وفقاً للتعريف النظري للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهذا يعني، في رأي فريدمان، أنّ ما يسمّى بـ”وقت الاختراق الإيراني”، وهو الوقت الذي ستحتاج إليه لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم لصنع قنبلة نووية… بات يقترب من الصفر. وربّما يكون إنتاج القنبلة بحاجة إلى أسابيع أو إلى أيام فقط.
يصف فريدمان هذا الأمر بأنّه أحد أكبر إخفاقات الأمن القومي الأميركي الإسرائيلي على الإطلاق.
إقرأ أيضاً: فريدمان: خطأ بايدن وخطر نتنياهو
يشير فريدمان إلى جهود نتنياهو على مدى العقد الماضي لتقوية حركة حماس في غزة، ونزع الشرعية عن السلطة الفلسطينية ليخبر العالم بأنّ إسرائيل ليس لديها شريك فلسطيني، وبالتالي يتعيّن عليها احتلال الضفة الغربية إلى الأبد. ويحذّر من أنّ محاولات نتنياهو اليوم إقناع الإسرائيليين بوهم وجود فلسطينيين مثاليين سيديرون غزة نيابة عن إسرائيل ويتحدّون الكيانين الفلسطينيَّين الحاكمين الوحيدين اللذين يتمتّعان بأيّ شرعية، حماس وفتح، ستقود إسرائيل، الحليف الرئيسي لأميركا في الشرق الأوسط، إلى صراع مشوّش ومستنزف إلى ما لا نهاية.
ويخلص إلى القول: “إذا التزمت إسرائيل بالعمل مع سلطة فلسطينية تمّ إصلاحها لحكم غزة، وتجميد المستوطنات والالتزام بتطوير شراكة معها من أجل إقامة دولة فلسطينية ذات يوم، فإنّها ستغيّر كلّ شيء. وهذا من شأنه أن يمنح إسرائيل الشرعية العالمية لتفكيك حماس، وتنظيم قوة فلسطينية/عربية تحكم غزة، ويفتح الطريق للتطبيع بين إسرائيل والسعودية. ولن يكون من السهل أو المؤكّد نجاح أيّ من هذا. لكن من دون المحاولة على الأقلّ لمرّة أولى وثانية وثالثة، فإنّ بقاء إسرائيل على المدى الطويل في خطر. ومن المؤسف أنّ إسرائيل يقودها اليوم رجل لا يهمّه إلا البقاء على المدى القصير. وهو في ذلك ناجح”.
لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا