الإمبراطور سايروس بين إيران وإسرائيل

مدة القراءة 4 د

في مبادئ العقيدة اليهودية كما هو وارد في أحد المراجع التوراتية (كتاب ايزرا) أنّ الإمبراطور الإيراني سايروس الكبير عندما استتبّ له الأمر، احتلّ بابل (العراق اليوم). في ذلك الوقت كان العراق قوّة سياسية واقتصادية وعسكرية كبيرة. وكان اليهود من الجماعات التي أُخضعت فيه. أمرَ سايروس بتحرير الشعوب المستعبدة، فخرج اليهود تحت مظلّة حمايته من بابل إلى فلسطين. وحسب ما ورد في هذا النصّ الديني، فإنّ سايروس لم يكتفِ بذلك، بل ساعد على إعادة بناء الهيكل اليهودي. ولذلك يرتبط اسم سايروس حتى اليوم بأوّل مشروع لتوطين اليهود في فلسطين. وهو الوحيد غير اليهودي الذي يُعتبر في الأدبيات الدينية اليهودية “نبيّاً” من أنبياء بني إسرائيل.

 

 

 

من هذا المدخل، عبر سايروس الكبير إلى أدبيات الحركة المسيحانية – الصهيونية الحديثة في الولايات المتحدة التي تؤمن بالعودة الثانية للمسيح. ومن شروط هذه العودة إقامة مجتمع يهودي (دولة) وبناء الهيكل لأنّ المسيح لن يعود إلا إلى مجتمع يهودي، ولن يعلن عودته إلا في الهيكل اليهودي كما فعل في المرّة الأولى. ولذلك وصف الرئيس الأميركي الأسبق هاري ترومان (أول رئيس أميركي يعترف بإسرائيل كدولة في عام 1948) نفسه بأنّه “سايروس الجديد”.

حتى عندما اتّخذ الرئيس السابق دونالد ترامب قراره بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، ردّد عبارة سلَفه ترومان أيضاً.

يوجد تمثال من الفخّار لرأس الإمبراطور الإيراني الأسبق سايروس في المتحف البريطاني. وتريد إسرائيل استعارته لعدّة أسابيع في مناسبة دينية يهودية. وافقت إدارة المتحف على الطلب، غير أنّ إيران اعترضت بشدّة باعتبار أنّ هذا الإرث التاريخي الثمين لا يجوز أن يُغامَر بسلامته عن طريق إعارته لإسرائيل. فالإمبراطور سايروس بالنسبة للإيرانيين هو أعظم أباطرتهم التاريخيين. وهو في الوقت ذاته بالنسبة لإسرائيل يقع في مصافّ الأنبياء. فكيف يجتمع عظيم فارس ونبيّ إسرائيليّ في تمثال واحد تحترمه دولتان هما في حالة حرب بالواسطة أو عن بُعد ولو من دون إعلان؟!

كان اليهود من الجماعات التي أُخضعت فيه. أمرَ سايروس بتحرير الشعوب المستعبدة، فخرج اليهود تحت مظلّة حمايته من بابل إلى فلسطين

تباهي أحمدي نجاد بـ”الإمبراطور التاريخي”

عندما قام الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد بزيارة الأمم المتحدة في نيويورك تباهى هناك بالإمبراطور التاريخي وبدوره الإنساني الكبير. إلا أنّ الإضاءة داخل إيران على دوره في “تحرير” اليهود من السبي البابليّ أصبح الآن (خلافاً لما كان في عهد الشاه محمد رضا بهلوي) ممنوعاً. فالاحتفال بذكراه اليوم يفسّر بأنّه إعراب عن معارضة النظام.

وكان أكبر وأهمّ احتفال إحياءً لذكرى هذا الإمبراطور التاريخي قد جرى في طهران في عهد الشاه السابق أو الشاه الأخير محمد رضا بهلوي في عام 1971. يومها حشد الشاه مجموعة من الضيوف من كلّ أنحاء العالم للاحتفال بذكرى مرور 2,500 عام على قيام الملكية في إيران. وفي إطار تلك الذكرى قدّمت شقيقة الشاه باسمه إلى منظمة الأمم المتحدة هديّةً هي نصٌّ حول حقوق الإنسان أُعدّ في عهد الإمبراطور سايروس. ووُصف بأنّه أوّل نصّ من نوعه تحتفظ به الإنسانية حتى اليوم. وخلال الاحتفال التاريخي في طهران وصف الشاه (السابق) نفسه أيضاً بأنّه سايروس الجديد!!

الصراع الإيراني – الإسرائيلي الحالي يهمّش قيمة سايروس في الوقت الحاضر. حتى إنّ إيران تعتبر إعارة تمثاله لإسرائيل بحدّ ذاتها إهانة للتمثال ولما يرمز، خاصة بعد الارتكابات الإسرائيلية في غزة التي هبطت إلى مستوى جرائم الإبادة الجماعية.

إقرأ أيضاً: امتحان إيران في مروحيّة رئيسي

ولكن إذا كان تمثال سايروس الطينيّ في المتحف البريطاني في لندن يثير ضجّة سياسية في ظلّ القتال في غزة، فإنّ قبره لا يزال (؟) قائماً حتى اليوم في مدينة “باسرقاد”. وهي من البلدات التاريخية القديمة في إيران. وكانت هذه البلدة المتواضعة تستقطب زوّاراً للقبر يفدون إليها من مختلف المناطق الإيرانية، إلا أنّ إجراءات أمنيّة استثنائية مشدّدة فُرضت أخيراً لمنع سوء استغلال سمعة الإمبراطور سايروس ودوره التاريخي في الدفاع عن حقوق الإنسان.

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…