على هامش الدورة الـ27 للمؤتمر العام لمنظّمة “الألكسو”، برئاسة السعودية، الذي استضافته المملكة العربيّة السعوديّة في مدينة جدّة بتاريخ 17 أيّار 2024، بمشاركة الوزراء رؤساء اللجان الوطنية للتربية والثقافة والعلوم في الدول العربيّة، دشّنت “هيئة الأدب والنشر والترجمة” “المرصد العربيّ للترجمة”. وجرى في ختام المؤتمر انتخاب ممثّل السعوديّة لرئاسة المجلس التنفيذيّ لـ”المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم – الألكسو”، للمرّة الثالثة على التوالي، وذلك لاستمرار العمل التكامليّ والنتائج الإيجابيّة التي حقّقها المجلس التنفيذيّ خلال فترة رئاسة السعوديّة منذ تموز 2021.
“المرصد العربي للترجمة” هو مبادرة من وزارة الثقافة السعودية ممثّلة بـ”هيئة الأدب والنشر والترجمة”، بالتعاون مع “المنظّمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم – الألكسو”. وهذا التعاون يعزّز الدور الرياديّ للمملكة في العمل العربيّ الثقافيّ المشترك، ويساهم في توثيق حركة الترجمة في العالم العربي، وتنسيق ودعم وتوحيد الجهود الترجميّة.
تنضمّ هذه المبادرة إلى قائمة الأعمال التي أسفر عنها الدور السعودي في منظمة “الألكسو”. ففي خلال رئاستها للمجلس التنفيذيّ نجحت في أقلّ من 3 أعوام في تنفيذ وإطلاق أكثر من 10 مشاريع وشراكات، وتحقيق نقلة مهمّة في تعزيز دور المنظّمة وبرامجها لخدمة توجّهاتها في العالم العربيّ، ورعاية مصالح الدول العربيّة في مجالات التربية والثقافة والعلوم.
يهدف المرصد إلى تفعيل وتطوير حركة الترجمة في العالم العربي على المستويات كافّة: ثقافياً، أكاديمياً، معرفياً، بحثياً، مهنياً، وإحصائياً. وهو يُعتبر الأوّل من نوعه عالمياً الذي يتيح منصّة رقميّة جامعة لكلّ من يعمل في مجال الترجمة من مترجمين، باحثين، أكاديميّين وناشرين. هذه المنصّة هي عبارة عن قاعدة بيانات مرجعيّة شاملة للكتب المترجمة من العربيّة وإليها. بالإضافة إلى أنّها تقدّم أبحاثاً وملخّصات أبحاث في مجال الترجمة للباحثين الذين حصلوا على منح مالية سنويّة.
حرص “المرصد العربيّ للترجمة” على تقديم كلّ ما يساعد المترجم على أن يكون مرئيّاً. وفي المقابل مساعدة العملاء على إيجاد مترجم يتناسب مع متطلّباتهم.
من ضمن أهداف المرصد أيضاً النهوض باللّغة العربيّة وبالأبحاث العربيّة ودعمها، إذ لا يمكن إنتاج المعرفة إلا من قِبل القوى المنتجة في المجتمع، ولا يمكن لأيّ مجتمع أن يتطوّر بأبحاث الغير وتكرارها، وللتأكيد أنّنا في العالم العربيّ لا يمكننا معالجة مواضيع في العلوم الترجميّة بمفاهيم قديمة.
بالإضافة إلى كلّ ما يقوم به المرصد من تفعيل حركة الترجمة في العالم العربي من كلّ جوانبه الإحصائيّة والمعرفيّة والتنمويّة، توجد أيضاً مهمّة إبراز المهمّات التي تلعب دوراً في عمليّة إنتاج المعرفة.
انعكاس صورة الثّقافة العربيّة
يعكس المرصد العربيّ للترجمة الصورة الفعليّة للثقافة العربيّة بكلّ ثرائها، قيمها، هُويّتها، آدابها وأفكارها. ففي حديثٍ للدكتور محمد حسن علوان، رئيس “هيئة الأدب والنشر والترجمة”، قال إنّ تدشين المرصد العربيّ للترجمة تحت مظلّة منظّمة “الألكسو” هو “بمنزلة استمرار لنهج المملكة العربيّة السعودية الرياديّ في العمل العربيّ المشترك”. وأضاف أنّ من ضمن برامجها الاستراتيجية “تنسيق الجهود الترجميّة على مستوى العالم العربيّ، وتقديم أوّل منصة عربيّة لخدمة المترجمين والباحثين والناشرين على اتّساع العالم العربي بأكمله”.
إحصائياً، جرى توثيق أكثر من 90 ألف كتاب مترجم إلى العربيّة، بأكثر من 81 لغة، وتمّ إعطاء منح ماديّة خلال السنتين الماضيتين لأكثر من 210 مقترحات بحثية، وتسجيل مئات المترجمين العرب ومئات دور النشر العربية على المنصّة حتى الآن.
هذا المرصد هو مرجع عربي للترجمة وعنصر أساسي للمهنة. وقد بات دليلاً معرفياً لمهنة الترجمة في العالم العربي من خلال تحويل هذه الأبحاث والإحصاءات والتوثيق إلى واقع عمليّ يُعتمد عليه في مختلف المؤسّسات التي لها علاقة بالمجال.
يعكس المرصد العربيّ للترجمة الصورة الفعليّة للثقافة العربيّة بكلّ ثرائها، قيمها، هُويّتها، آدابها وأفكارها
منح الدراسات والأبحاث ولجان المرصد
شارك في حفل التدشين أعضاء اللّجان الّتي تضمّ باحثين، مختصّين ومهنيّين من 15 دولة عربيّة، وترأسها الدكتورة هيلة عبدالله الخلف، المديرة العامة للإدارة العامة للترجمة في “هيئة الأدب والنشر والترجمة”. ولهذه اللّجان الدور الأساسيّ في تأطير مشاريع الأبحاث بما يتناسب مع رؤية المرصد العربيّ للترجمة، انطلاقاً من تصويب المخزون الفكري العربي الثريّ والخصب باتجاه القضايا الترجميّة التي ترتبط بالمتغيّرات العالميّة على كلّ الأصعدة، وبما يتناسب مع التحوّلات الرقميّة وثورة الذكاء الاصطناعي.
وقد جرى تقويم مقترحات الأبحاث المقدّمة (عددها يقارب 300 بحث خلال دورة 2023، جرى قبول 110 مقترحات من بينها). وذلك ارتكازاً على ثلاث أساسيّات:
- أوّلاً، أن يكون المقترح من ضمن المحاور التي يحدّدها المرصد.
- ثانياً، أن يحاكي مستلزمات البحث العلميّ بكلّ نقاطه انطلاقاً من الإشكاليّة وصولاً إلى الفائدة التي يقدّمها هذا المقترح.
- ثالثاً، أن يتمتّع المقترح بأخلاقيّات البحث العلميّ وبما يتناسب مع قيمنا وثقافتنا وهُويّتنا العربيّة.
لقد تمّ التركيز في دورة منح الأبحاث لعام 2023، على المقترحات التي تتناسب مع التغيّرات العالميّة من ناحية الانفتاح العالميّ ثقافياً وتقنياً، ومن ناحية فهم كلّ ما يتعلّق بالتحوّلات الرقميّة، وبالأخصّ تلك المتعلّقة بالترجمة الآلية وتبعاتها على كلّ الأصعدة.
الهدف النهائيّ من كلّ هذه المنح البحثيّة هو إنتاج معرفي يليق بنا كعرب وبمرصدنا العربيّ الموحّد من جرّاء استثمار الكفاءات العربيّة في مجال الترجمة وتقنيّاتها
ارتأت اللّجنة العلميّة ألّا تقتصر إجابات التقويم على قبول المقترح أو رفضه فقط، بل حاولنا العمل كفريق بحثيّ مع الباحثين الذين تقدّموا بمشاريعهم من خلال إعطاء ملاحظات توجيهيّة تساعد الباحث في إنجاز عمله.
كما عملت باقي لجان المرصد، كلجنة الرصد والتوثيق، على وضع معايير توثيق الكتب المترجمة، التي تساعد في البحث عن كتب مترجمة بناءً على عدّة نقاط، كما تتيج إمكانيّة الاستفادة من هذه المعايير في التنقيب الإحصائيّ حسب العديد من الحقول البيانيّة كالسنة والبلد ودار النشر والموضوع، وغيرها… إضافةً إلى ذلك، تعمل لجنة تطوير الأعمال على بناء مبادرات ومصادر دخل للمرصد تخوّله أن يتطوّر في تقديم الخدمات المتعدّدة للباحثين وللمؤسّسات الأكاديميّة ومراكز الأبحاث.
في المحصّلة، فإنّ الهدف النهائيّ من كلّ هذه المنح البحثيّة هو إنتاج معرفي يليق بنا كعرب وبمرصدنا العربيّ الموحّد من جرّاء استثمار الكفاءات العربيّة في مجال الترجمة وتقنيّاتها لطرح ومناقشة حلول علميّة تكون ركيزة للتنمية المستدامة بكلّ مستلزماتها المعرفيّة، ولإنتاج مفاهيم علميّة جديدة تحاكي التحوّلات العالميّة. إذ علينا كعرب ابتكار مفاهيم تتناسب مع هذه المتغيّرات.
صفحة للمترجمين
حرص “المرصد العربيّ للترجمة” على تقديم كلّ ما يساعد المترجم على أن يكون مرئيّاً. وفي المقابل مساعدة العملاء على إيجاد مترجم يتناسب مع متطلّباتهم. وللغاية جرى إنشاء صفحة خاصّة بالمترجم العربيّ تمنحه المصداقيّة وتكون وسيلة يروّج فيها لخدماته. وتمكّن العملاء من الولوج إليها من خلال موقع المرصد المختصّ بالترجمة من العربيّة وإليها.
هذا المرصد هو إشراقة شمس الثقافة العربيّة عالمياً. لذلك ندعو كلّ من يهتمّ بالترجمة إلى الولوج إلى الموقع والتسجيل فيه لإثرائه، فهو مرصد عربيّ لكلّ العرب
تساهم هذه الصفحة في توفير معلومات عن المترجمين العرب وتعرّف بهم. وهي واجهة لتيسير عمل المترجم من جهّة، ولتسهيل عمل من يفتّش عن مترجم من جهةٍ ثانية. وتكمن أهميّتها في أنّها جامعة وتتيح إمكانيّات البحث عن مترجمين حسب الاسم والمجال والاختصاص واللّغات التي يعمل عليها المترجم والأبحاث والمنشورات التي قام بتنفيذها.
بات هذا الحضور الرقمي ضرورياً للمترجم، كما أنّ منصّة المرصد العربيّ للترجمة هي المرجع العربيّ لكلّ الفاعلين والممارسين والمهتمّين بالترجمة. فمع تزايد التحوّل الرقمي، أصبح الوجود الرقميّ الممنهج للمترجمين على الإنترنت ذا تأثيرٍ حاسم في العثور على عملاء جدد وفي تنمية الأعمال وريادتها.
يلعب الطلب المتزايد على خدمات الترجمة في جميع أنحاء العالم دوراً أساسياً في المنافسة على جميع الأصعدة الثقافيّة، الاجتماعيّة والاقتصاديّة. بات هذا التنافس موجوداً بشراسة أكثر من أيّ وقتٍ مضى. لذلك بات من الضروري أن يكون المترجم المتميّز مرئياً للعملاء المحتملين.
إقرأ أيضاً: السعودية تطلق “حركة ترجمة”: الثروة المعرفية… وثورتها
هذه هي رؤية المرصد العربي للترجمة من خلال هذا الموقع الخاصّ بالمترجمين العرب كطريقة فعّالة لتعزيز وجودهم عبر الإنترنت كمترجمين مستقلّين، وينتمون في الوقت نفسه إلى مجموعة تُظهر مهارتهم وأعمالهم بدءاً من موقع إلكترونيّ احترافيّ، سواء كان المترجم قد بدأ للتوّ أو يتطلّع إلى تنمية أعماله في مجال الترجمة المحترفة. كما يساعد هذا الموقع في بناء السُّمعة الرقميّة للمترجم التي تمكّن من جذب المزيد من العملاء وتأسيس بُنية تحتيّة بشريّة تنمّي العمل الترجميّ في العالم العربيّ.
هذا المرصد هو إشراقة شمس الثقافة العربيّة عالمياً. لذلك ندعو كلّ من يهتمّ بالترجمة إلى الولوج إلى الموقع والتسجيل فيه لإثرائه، فهو مرصد عربيّ لكلّ العرب.
منح الدراسات والأبحاث في مجال الترجمة (aotalecso.org)
* أستاذ باحث في حوسبة اللغة والإعلام الرقمي. ورئيس “مركز الأبحاث” في كلّية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية. وعضو “المرصد العربي للترجمة” في السعودية. وعضو “اللجنة العلمية العليا” في “المرصد العربي للترجمة”.