سواء تمّ بيع قصر قريطم بعقارَيه، أم عقار واحد من العقارين، أي العقار المستحدث وليس قصر صالحة، أم الأمر ما زال في مرحلة التفاوض ولم يُحسم بعد، تبقى حقيقة واحدة لا يمكن نفيها أو تجاهلها، ومفادها أنّ السيدة نازك أرملة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الوارثة للعقارين لديها نيّة البيع في أيّ لحظة ممكنة.
هناك ذكريات الرّئيس الشّهيد
يدور الخلاف في خبر بيع قصر قريطم حول بيع أرملة الشهيد للعقار بأكمله، أي قصر صالحة والمبنى المستحدث، أو للمبنى المستحدث دون قصر صالحة. لكنّ ما لا يعلمه الكثيرون أنّ المبنى المستحدث هو المبنى الذي كان ينام فيه الرئيس الشهيد. هو المبنى الذي كان يشرب فيه قهوته الصباحية متابعاً الصحف الصادرة. هو المبنى الذي كان يستقبل بأحد طوابقه زوّاره وأصدقاءه وأحبابه. هو المبنى الذي شهد سيرة طويلة للرئيس الشهيد بحلوها ومرّها. من هذا المبنى الذي لا خلاف حول بيعه أو نيّة بيعه غادر يوم 14 شباط 2005 إلى مجلس النواب، وإليه كان عائداً عندما اغتيل بطنٍّ من المتفجّرات. إنّه المبنى الذي وقف فيه الرئيس الشهيد قائلاً لأحد الوسطاء: “لن أغادر لبنان. باقٍ في منزلي هنا لا أخشى التهديدات”.
يا سيّدة نازك، قصر قريطم بعقارَيه ليس عقاراً وحسب، ولا ميراثاً وحسب. هو ليس بعملية سمسرة عقاريّة. حقيقة الأمر أنّ صفقة بيع القصر أو التفكير في بيعه يشكّلان أزمة أخلاقية تجاه رجل تاريخي بحجم رفيق الحريري، وتجاه حالة على مساحة الوطن هي الحريرية الوطنية.
منازل الكبار يا أرملة الشهيد لا تُعرض للبيع. بعد رحيلهم تصبح ملكاً للناس والوطن. فكيف إذا كان باني المنزل “أيقونة” الشهداء اللبنانيين؟ لن نتحدث عن مسؤولية الأولاد وخاصة كبيرهم ونسأل، لم يتنطح بشراء المقرّ الوطني بدلاً من بيان العودة إلى لبنان دون ذكر عنوان الإقامة؟
يدور الخلاف في خبر بيع قصر قريطم حول بيع أرملة الشهيد للعقار بأكمله، أي قصر صالحة والمبنى المستحدث، أو للمبنى المستحدث دون قصر صالحة
يا سيّدة نازك، إن كان قرار البيع أمراً خاصاً بك لا شأن لأحد به فلماذا كنت تطلّين علينا برسالتك كلّ سنة في ذكرى الاغتيال؟ لماذا كلّ هذا الدفق من الكلمات الحزينة الباكية إن لم تكن موجّهة في سياق قضية وطنية عربية كبرى؟
قصر قريطم يا سيّدة نازك ليس عنواناً لمنزل العائلة في لبنان ولا عنوان منزل رجل عاديّ عاد إلى مدينته من بلاد الاغتراب. قريطم عنوان طائفة توصف بأنّها الأمّة. عنوان وطن يُقال عنه إنّه رسالة. قريطم عنوان أحلامنا نحن اللبنانيين.
قصر قريطم يا سيّدة نازك مكان حكاية “حبيبي رفيق” كما كنتِ تسمّي الرئيس الشهيد في رسائلك الصوتيّة. قصر قريطم عنوان لمرحلة أساسية من تاريخ لبنان واللبنانيين مسلمين ومسيحيين. في قصر قريطم تعرّفنا على الرئيس الشهيد وعلى حضرتك عقيلةً للرئيس الشهيد. في هذا القصر كان يداعب “حبيبي رفيق” ورق الشتول الخضر في الحديقة التي كانت المكان المفضّل لأسراره ولأحاديثه خشية المخبرين والمتنصّتين.
ليست الأوّل ولا الأخيرة
عملية بيع قصر قريطم ليست عملية البيع الأوّلى، ولن تكون الأخيرة لأمكنة رمزية بالنسبة للحريرية والحريريّين تقوم أرملة الشهيد ببيعها. ما هو أقسى من بيع قصر قريطم أو عدم بيعه أنّ مستوصفات الحريري التي خصّصها للفقراء والمساكين العاجزين عن دخول المستشفيات وتلقّي العلاج الضروري لأمراضهم وأوجاعهم، قد تمّ بيعها أيضاً.
قصّة مستوصف رفيق الحريري في عرمون يختصر كلّ الحكاية من البداية إلى النهاية.
عملية بيع قصر قريطم ليست عملية البيع الأوّلى، ولن تكون الأخيرة لأمكنة رمزية بالنسبة للحريرية والحريريّين تقوم أرملة الشهيد ببيعها
يقع مبنى المستوصف عند مدخل بلدة عرمون على زاوية استراتيجية. تمكّن كلّ سكّان المنطقة والمناطق المجاورة من الوصول إليه بسهولة. شكّل المستوصف ملجأ لأهل بيروت القاطنين في تلك المنطقة، بخاصة أن لا وجود لمستشفى أو مستوصف آخر في ذاك المحيط. تحوّل المستوصف منذ افتتاحه إلى خليّة نحل، بعدد الأطبّاء المناوبين أو المرضى الزائرين. أبعد من ذلك، بات المستوصف رمزاً دالّاً في تلك المنطقة. إذ يقال للدلالة على مكانٍ ما إنّه قرب مستوصف الحريري أو قبله أو بعده.
تراجعت الخدمات المقدّمة في المستوصف بعد اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط 2005. ثمّ تقلّصت بشكل كبير بعد أحداث 7 أيار 2008. وفي ليلة ساكنة هادئة فوجئ سكان المنطقة بجرّافات وشاحنات تقتحم المكان دون سابق إعلان، هادمة بساعات قليلة مبنى المستوصف. والخبر لمن سأل: “السيّدة نازك باعت المستوصف”. مع الإشارة إلى أنّ المبنى الذي تمّ هدمه ما زال ركامه على حاله، أي لم يكن لدى الشاري دافع للإسراع بالهدم.
يا سيّدة نازك، لا نخالكِ بحاجة إلى ثمن القصر، فقد ترك لك الرئيس الشهيد الكثير الكثير، ولست بحاجة إلى مزيد من الدولارات، بل أنت كما نحن بحاجة إلى ألّا ننسى “حبيبنا رفيق”.
إقرأ أيضاً: عدوان 7 أيّار.. حان وقت العودة من الدّوحة
لمتابعة الكاتب على X: