تعمل الدبلوماسية الدولية على مروحتين، مروحة الثنائي ومروحة المعارضة على حدّ سواء. مدركة أنّها الفرصة الأخيرة للبنان لانتخاب الرئيس وإلّا فالانتظار سيطول. واشنطن ذاهبة إلى انتخاباتها، وأوروبا ذاهبة إلى انتخابات الاتّحاد الأوروبي وتعيين المفوضية، ولبنان وإسرائيل سيُتركان لمواجهة بدأت محاكاتها تظهر في التصعيد المتواصل. منذ عام 2007 تقوم إسرائيل بمناورات على حدودها الشمالية تحضيراً للحرب مع الحزب. ومنذ ذلك الحين أيضاً يستعدّ الحزب لمواجهة أكثر عنفاً من مواجهة عام 2006. مخرج الحرب المقبلة قبل حصولها قد يولد في حزيران. وفي تفاصيله كما كشفت مصادر دبلوماسية وسياسية لـ”أساس”، شبه اتفاق هو عبارة عن خارطة طريق واضحة لحسم الخلاف على الحدود اللبنانية الاسرائيلية في المرحلة المقبلة. إذ تتحدث هذه المصادر عن اتفاق شبه واضح. ولو كان ذلك من دون حوار مباشر مع الحزب، إلاّ أنّ العناوين المتوافق عليها أصبحت واضحة بعد التجربة الفرنسية الأميركية التي تمثلت بالورقة التي جالت بين بيروت وتل أبيب. فهل ستنجز الرئاسة قبل الاتفاق أم الاتفاق قبل الرئاسة؟ بين القوى الخارجية والحزب مفارقات في الملف لا تزال عصية على الاتفاق.
في معلومات “أساس” أنّ الموفد الفرنسي جان إيف لودريان التقى الموفد القطري الوزير محمد الخليفي في باريس. وفي المعلومات أيضاً أنّ الدبلوماسية الفرنسية سئلت عن إمكانية لقاء لودريان مع الإيرانيين، فلم تستبعد الأمر. أمّا في لبنان، فبعد بيان اللجنة الخماسية العالي السقف، استُكمِل الحراك بين سفراء “الخماسية” على الرغم من اختلافهم وبعيداً عن الإعلام لتحقيق هدفين:
– الأوّل: إقناع المعارضة بالذهاب إلى جلسة تشاور برئاسة الرئيس نبيه بري كالجلسة التي جمعتهم على التشاور في ملفّ النازحين السوريين. أو الوصول إلى حلّ وسط في الانقسام اللبناني الكبير. لذلك زار السفير الفرنسي معراب مساء السبت للبحث معه عن الحد الأقصى الذي يمكن أن يلاقي فيه الطرف الآخر.
وهو أمر لم يحصل حتى الساعة بسبب رفض عدد من كتل المعارضة. وفي هذا الصدد تقول مصادر “القوات” لـ”أساس” إنّ القوات أقصى ما تقبله هو التداعي إلى جلسة في مجلس النواب لا يرأسها أحد، أو التشاور خارج المجلس كما سبق أن حصل تحضيراً للتمديد لقائد الجيش أو لإقرار توصية حول النازحين السوريين.
– الثاني: إقناع “الثناىي الشيعي” بالذهاب إلى الخيار الثالث وإقناع سليمان فرنجية بالتنحّي لمصلحة “البلد”. وهذا ما لم يحصل بعد أيضاً بسبب تمسّك “الثنائي” بفرنجية وربط الرئاسة بملفّ غزة، الذي تتحدّث معطياته أنّه لن يُقفل قريباً.
منذ عام 2007 تقوم إسرائيل بمناورات على حدودها الشمالية تحضيراً للحرب مع الحزب
تتركّز الجهود من اليوم حتى شهر حزيران تحت هذين العنوانين مع إعطاء الكتل النيابية ضمانات قد تتوجّه بناءً عليها، مع مجيء لودريان إلى لبنان في حال نضوج الملفّ الرئاسي، لحضور جلسات التشاور وانتخاب الرئيس أيضاً. وذلك على قاعدة أنّ العنوان الثالث جاهز وينتظر التوقيت المناسب لإخراجه بعد انتهاء حرب غزة التي يعمل الأميركيون على انحسارها في الشهر المقبل دون أيّ ضمانة بذلك من نتنياهو.
تزامناً مع هذا النقاش، نقاش آخر يجري بين الحزب والوسطاء الدوليين. ففي حين تدعو الخماسية إلى انتخاب رئيس يشرف على مفاوضات الحدود، وفي حين سمع الوفد اللبناني من هوكستين ضرورة فصل الرئاسة عن غزّة وعن الحدود، يبدو أنّ الحزب غير مستعجل على انتخاب رئيس. إذ يفضّل إجراء الاتفاق قبل الرئاسة. فجاءه الرد أنّ الاتفاق سيستكمل بمفاوضات وعليه، فإنّ وجود رئيس ضروري للدخول في هذه المرحلة.
الحزب تحت الأرض وإسرائيل فوقها
نقلت أوساط مطّلعة على الجوّ الدّولي المرافق لعمل الموفد الأميركي آموس هوكستين، أنّ الاتفاق بين الحزب وإسرائيل ليس مستحيلاً. بل أصبح شبه منجز بحسب الأوساط الدبلوماسية المتابعة للملفّ اللبناني. ونقل الوفد اللبناني الذي التقى هوكستين خلال الزيارة الأخيرة في واشنطن إشارات تلقّفها من الأخير تتحدّث عن عدم استحالة إتمام الاتّفاق. ومنها:
– أوّلاً: الاتفاق على انسحاب قوات الحزب من 12 إلى 15 كيلومتراً شمال الحدود. على أن يسمّى ذلك “إعادة تموضع” لا انسحاباً.
– ثانياً: أن يُنشر فوراً 2,500 جندي من الجيش اللبناني في هذه المساحة الجغرافية، ويتعزّز وجود اليونيفيل.
– ثالثاً: استكمال انتشار الجيش اللبناني طوال العام ليصل إلى حدود 10 آلاف جندي. وذلك بعد الإقرار السياسي بدعم الجيش وانتشاره جنوباً بناء على المساعي الأوروبية التي سبق أن بدأت بتمويله.
– رابعاً: الاتّفاق على مسار تفاوضي لتحديد النقاط العالقة وتثبيت الحدود بين لبنان وإسرائيل.
– خامساً: عدم تنفيذ القرار 1559 المنضوي تحت القرار 1701 والذي ينصّ على تسليم كلّ سلاح خارج إطار الدولة، مقابل إسقاط تعهّد إسرئيل بعدم القيام بالطلعات الجوّية. وبذلك يبقى الحزب تحت الأرض وتبقى إسرائيل فوقها. لكن وفق حدود مرسّمة واتفاق دولي كالاتفاق على الحدود البحريّة.
الحزب لا يريد الحرب
في الخطوط العريضة يبدو أنّ ما سمعه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واضح لجهة الاستعداد لإنجاز الاتفاق وفق الحلول الدبلوماسية.
نقلت أوساط مطّلعة على الجوّ الدّولي المرافق لعمل الموفد الأميركي آموس هوكستين، أنّ الاتفاق بين الحزب وإسرائيل ليس مستحيلاً
من جهة أخرى، صدر عن أوساط مقرّبة من الحزب أنّ بيان الخماسية عامل ضغط لا أكثر. غير أنّ بعض الأوساط المخضرمة تدرك أنّ المهل بدأت تضيق، وأنّ الحزب سيذهب إلى التسوية فور انحسار الحرب في غزة وليس قبلها، لكن قبل اشتعال حرب مدمّرة على لبنان بمن فيه.
فهل تنحسر حرب غزة قريباً؟
لا شيء يدلّ على ذلك ولا شيء مضموناً في المشهد الإقليمي. يحاول الأميركيون بجهد الانتهاء من الأوراق العالقة بين غزة والحدود اللبنانية والرئاسة قبل الصيف والخريف الصاخبين. لكن لا ضمانة لذلك حتى الآن ما دام نتنياهو مستمرّاً في القتال وغائباً عن حلّ “اليوم التالي”.
إقرأ أيضاً: مهلة حزيران للحزب: الرئاسة… أو نتنياهو
لمتابعة الكاتب على X: