قد لا يكون خبر سقوط المروحية التي تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي برفقة وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان وامام جمعة مدينة تبريز آل هاشم ومحافظ اذربيجان الشرقية الايرانية، حادثاً عابراً، بخاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها منطقة غرب آسيا.
في حال تأكّد خبر خسارة إيران لرئيسها، فإنّ النظام وحسب تأكيد المرشد الأعلى بأنّ البلاد لن تدخل في أيّ فراغ إداري، ما يعني أنّ إدارة الدولة والنظام ستنتقل لادارة البلاد من خلال تكليف المرشد، وبناء على الصلاحيات التي يمتلكها النائب الأول لرئيس الجمهوررية لادارة الدولة إلى جانب لجنة بعضوية رئيس البرلمان.
هذه الخطوة، مشروطة مع بدء الاستعدادات لإجراء انتخابات رئاسية خلال مدة شهرين، التي ستعيد فتح المنافسة مرة جديدة بين أقطاب التيار المحافظ في تولي هذا المنصب، خاصة وأنّ كل الأجواء داخل هذا التيار كانت تتحدث عن إمكانية أن لا يعاد انتخاب رئيسي لهذا الموقع في دورة جديدة، وأنّ رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وضمن تسوية سياسية داخل أجنحة التيار المحافظ قد يتولى رئاسة البرلمان لمدة سنة واحدة، ليعود ليترشح في السباق الرئاسي. في حين أنّ عمدة طهران علي رضا زكاني بالوصول إلى الرئاسة قد دخل مبكراً في أجواء السباق الرئاسي قبل سنة من موعده.
ويأتي خروج رئيسي من المشهد السياسي الإيراني، في اللحظة التي من المفترض أن يكون أكثر ارتياحاً في إدارة الدولة والسلطة التنفيذية بعد أن استطاع عبر التحالفات التي نسجها في الانتخابات البرلمانية من الحصول على دعم داخل السلطة التشريعية. يقلل من العراقيل التي مارسها البرلمان السابق ورئيسه قاليباف والتي عطلت الكثير من مشاريعه في إدارة البلاد.
الحادث وقع بعد انتهاء اللقاء الثنائي بين رئيسي ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف على هامش الاحتفال بافتتاح سدّ مائي مشترك بين البلدين، في حين أنّ الطائرتين المرافقتين اللتان تقلان الوزراء والمسؤولين المشاركين في الاحتفال، قد وصلت إلى مقصدها من دون أي إشكال.
الحادث وقع بعد انتهاء اللقاء الثنائي بين رئيسي ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف على هامش الاحتفال بافتتاح سدّ مائي مشترك بين البلدين
ردّة الفعل الأولى الصادرة عن المرشد الأعلى للنظام، أكّد فيها بأنّ “أيّ خلل في إدارة الدولة، وقد أصدرت توجيهات لكل المسؤولين لاتخاذ كل الإجراءات المطلوبة لمتابعة إدارة الأمور بشكل طبيعي، والحفاظ على حدود البلاد وسلامتها واستقرارها”. وهو كلام يحمل نوعاً من الاعتراف بحقيقة حجم الصدمة والفاجعة التي لحقت بالنظام ومؤسساته، على الرغم من دعوته الجميع للدعاء بعودة الرئيس سالماً.
كلام خامنئي جاء بعد جلسة طارئة عقدها المجلس الأعلى للأمن القومي برئاسته، ما يعني أنّ قيادات النظام قد وصلت إلى نتيجة شبه مؤكّدة بأنّ الحادث قد أدّى إلى مقتل الرئيس ومرافقيه في حادث السقوط. خاصة وأنّ هذا الاجتماع ترافق مع انتقال عدد من الوزراء والمسؤولين المدنيين والعسكريين إلى محافظة أذربيجان الشرقية الإيرانية لمتابعة عمليات البحث والتفتيش عن مكان سقوط المروحية، في ظل أوضاع جوية سيئة وضباب كثيف وأمطار غزيرة تسيطر على منطقة السقوط.
ضبط الأخبار حول الحادثة
وزير الداخلية الجنرال أحمد وحيدي، أكّد بأنّ المروحية التي تقل رئيس الجمهورية تعرّضت لخلل. الأمر الذي أجبرها على تنفيذ “هبوط صعب”، مشيراً إلى أنّ عمليات البحث والتحرّي تجري في أجواء وأوضاع جوية صعبة، وإمكانية الوصول إلى المكان تبدو صعبة، وأنّ فرق الدفاع المدني تتوجه إلى مكان الحادث سيراً على الأقدام، في ظل تضارب في الأخبار حول سلامة الاشخاص الموجودين على متن المروحية، وأنّ اتصالات جرت بهواتف هؤلاء، في حين تتحدث روايات أخرى عن عدم تجاوبهم مع هذه الاتصالات.
استنفار مؤسسات النظام، خاصة السلطة القضائية مع وزارة الداخلية، لضبط الاخبار وملاحقة كل ما يُنشر
هذا الغموض في عمليات البحث والتفتيش وعدم وجود أي إشارات من أجهزة الطائرة قد تساعد على كشف موقعها، دفعت الجانب الإيراني للطلب من دائرة إدارة الأزمات في الاتحاد الاوروبي، الاستعانة بأحد الأقمار الاصطناعية لتحديد مكان وقوع المروحية، حسب ما أعلنته هذه الدائرة. ما يعني أنّ حجم الصعوبات التي تواجهها الفرق الإيرانية في عمليات البحث كبيرة في تحديد مكان السقوط. ومن المرحج أنّ المروحية قد تعرّضت لانفجار أدى إلى تحطمها. فحسب رواية السكان قرب مكان الحادثة، أنهم سمعوا صوت دوي انفجار كبير.
استنفار مؤسسات النظام، خاصة السلطة القضائية مع وزارة الداخلية، لضبط الاخبار وملاحقة كل ما يُنشر والدعوة لمتابعة الاعلام الرسمي للدولة لمعرفة آخر التطورات المتعلقة بالحادثة، يأتي في ظل الحديث عن إمكانية أن تكون مروحية الرئيس قد تعرّضت لعملية استهداف أدى إلى سقوطها. وأنّ أصابع الاتهام تشير إلى عمل إسرائيلي، خاصة وأنّ أراضي جمهورية أذربيجان تعتبر ساحة نفوذ لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وسبق أن قامت بعمليات أمنية ضد الداخل الإيراني انطلاقاً من الأراضي الأذربيجانية.
لماذا قطع بايدن إجازته؟
المؤشّر الأبرز على إمكانية وجود عملية مدبرة لاستهداف الرئيس الإيراني، الخطوة التي قام بها الرئيس الامريكي جو بايدن بقطع عطلته والعودة إلى البيت الأبيض، والدخول في اجتماعات على المستوى الأمني لمتابعة الحدث الإيراني المقلق. خاصة وأنّ جهات إسرائيلية “غير رسمية” كانت أول من أعلن عن مقتل الرئيس ووزير خارجيته، ومسارعة الحكومة الإسرائيلية لنفي أي علاقة لها بسقوط المروحية الرئاسية، قد يخدم هذه الاتهامات والشكوك. بالاضافة إلى أنّ وجود وزير الخارجية الإيرانية على متن المروحية وخروجه من المشهد الدبلوماسي، قد يعقد الأمور ويعرقل الكثير من التفاهمات التي كان ينسجها الطرفان الأميركي – الإيراني حول الكثير من الملفات الاقليمية، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من حرب إسرائيلية ضد قطاع غزّة وما يمكن أن ينتج عنها من تداعيات على مستوى منطقة غرب آسيا. وهو الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي، وحسب بعض التسريبات، لتكليف برت ماكورك التواصل مع الجانب الإيراني لاستيعاب التداعيات المحتملة.