العراق: لنا “الصدر” دون العالمين…!

مدة القراءة 6 د

كان لافتاً الاهتمام الذي أبدته قناة “المنار” التابعة للحزب بالصلاة الجامعة التي دعا إلى إقامتها في العاصمة العراقية بغداد “التيار الوطني الشيعي”، وهو الاسم البديل للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، ورفع شعارات تدعم المقاومة الفلسطينية. هو الحراك الأبرز الذي تشهده الساحة العراقية بطابع شعبي – ديني، في مقابل اكتفاء قيادات الحشد الشعبي أو فصائل “المقاومة” العراقية بالمواقف السياسية ذات الطابع الرسمي، باعتبار أنّ القسم الأكبر من هذه الفصائل بات منضوياً تحت مسمّى “حشد الدولة”، ويلتزم السقف الذي يحدّده القائد العام للقوات المسلّحة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

 

نمط جديد من التحالفات

بعيداً عن هذا التحرّك ورمزيّته، إلا أنّه يحمل مؤشّرات إلى مرحلة جديدة من المفترض أن تعيد إنتاج العملية السياسية من خلال نمط جديد من التحالفات، بالإضافة إلى ما يكشفه عن تغيير في آليّات التعامل التي تعتمدها الجهات الإقليمية، وتحديداً الإيرانية، مع الساحة العراقية، وما يمكن أن تحمله لشركاء دوليين، وبالأخص الأميركيون، من رسائل طمأنة تكون فاتحة تعاون أكثر وضوحاً ممّا كان في المرحلة السابقة، بما يضمن مصالح كلا الطرفين.

من هنا يمكن وصف الاهتمام الذي أبدته قناة المنار اللبنانية بالتحرّك الذي دعا إليه التيار الوطني الشيعي “الصدري” بأنّه لم يأتِ من فراغ، بل جاء منسجماً مع التوجّه الإيراني الجديد، الذي يبدو أنّه بدأ إعادة إنتاج تحالفاته على الساحة العراقية، خاصة داخل المكوّن الشيعي، بما ينسجم مع التزاماته وتحدّيات المرحلة المقبلة التي ستكون عليها المنطقة.

تكشف مصادر قيادية من داخل “الإطار التنسيقي” الشيعي أنّ حراكاً بدأه زعيم ائتلاف دولة القانون والأمين العام لحزب الدعوة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لصياغة تحالفات جديدة من المفترض أن تتبلور صورتها في الانتخابات البرلمانية المقبلة ستسمح له بإضعاف نفوذ فصائل حشد الدولة وتقليص دورها الذي تعاظم داخل مؤسّسات الدولة والقرار السياسي وبات يشكّل عبئاً على الدولة ويؤثّر سلباً على علاقاتها الإقليمية والدولية.

تكشف مصادر قيادية من داخل “الإطار التنسيقي” الشيعي أنّ حراكاً بدأه زعيم ائتلاف دولة القانون والأمين العام لحزب الدعوة

المالكي يغازل الصدر

يسعى المالكي، حسب هذه المصادر القيادية، إلى ترطيب الأجواء بينه وبين مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، خاصة بعد سنوات من التوتّر غير المسبوق بينهما وتحميل الصدر للمالكي مسؤولية المواجهة التي حصلت مع الجناح العسكري للتيار الصدري “سرايا السلام” على مداخل المنطقة الخضراء قبل عامين، ودفعته لاتّخاذ قرار الانسحاب من الحياة السياسية والاستقالة من البرلمان.

إلى جانب هذا المسعى، الذي سيساعد في حال نجاحه في إعادة مياه العلاقة الودّية إلى مجاريها بين القياديين، فإنّ المواقف التي صدرت عن المالكي في الأشهر الأخيرة كانت تصبّ في سياق استرضاء الصدر وفتح الطريق أمام عودته إلى الحياة السياسية والمشاركة في الانتخابات البرلمانية باعتباره زعيماً يمثّل شريحة كبيرة داخل المكوّن الشيعي، فضلاً عن موقعه في السياق الوطني.

الصدر

المالكي الذي أبدى حرصاً على عودة الصدر للمشاركة في العملية السياسية، وأكّد موقعه داخل المعادلة السياسية، وضرورة أن يكون شريكاً في القرار السياسي وقيادة الدولة، أبدى في المقابل الكثير من الإيجابية للتعامل مع هواجس الصدر، خاصة ما يتعلّق منها بقانون الانتخابات، وعدم ممانعته لإعادة النظر بالقانون الحالي والعودة إلى قانون الدوائر المتعدّدة الذي سبق أن دعمه الصدر وأُجريت الانتخابات الأخيرة على أساسه، وسمح للصدر بالحصول على أكثر من 70 مقعداً برلمانياً.

يسعى المالكي حسب هذه المصادر القيادية، إلى ترطيب الأجواء بينه وبين مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري

على الرغم من هذه الإيجابية من قبل المالكي، فإنّ جدلاً يدور داخل قيادات التيار الصدري، وتحديداً بين المقرّبين من الصدر.منهم الرافض للتعامل الإيجابي مع مبادرة المالكي التصالحية نتيجة خوفهم من أن يقودهم المالكي إلى مواقف ترتدّ عليهم في ظلّ الشحن الذي مارسوه ضدّه بين قواعدهم الشعبية. ومنهم الراغب فيها، خاصة في ظلّ المساعي التي يشارك فيها عدد من هؤلاء لنسج تحالف مع رئيس الوزراء وبعض فصائل حشد الدولة ممّن لا يشكّلون حساسية للصدر كعصائب أهل الحق بقيادة “الشيخ الأمين” قيس الخزعلي المنشقّ عن التيار الصدري، الأمر الذي يسمح بإخراج السوداني من دائرة تأثير ونفوذ “الإطار التنسيقي” ووضعه في إطار تحالف جديد يعيد إنتاج مشروع الصدر الذي بدأه عام 2021 والمتمثّل في تشكيل حكومة أغلبية وطنية.

ثنائية تبتلع الدولة

تؤكّد هذه المصادر أنّ نجاح المالكي في تمهيد الطريق وإقناع الصدر بعقد تحالف سياسي – انتخابي سيكون على حساب أطراف سياسية في “الإطار التنسيقي” من خارج الفصائل، وهو ما يعني أنّ هذه الثنائية ستبتلع الدولة وتلغي أو تضعف الأطراف الأخرى.

في المقابل، ترى هذه المصادر أنّ هذا التحالف سيوجّه رسالة إلى الإدارة الأميركية بأنّه الأقدر على إخراج الدولة والحكومة من هيمنة الفصائل المسلّحة الموالية لإيران، وبالتالي ستكون الحكومة التي تنتج عن هذا التحالف الأقدر على الحفاظ على المصالح الأميركية في العراق بعيداً عن التأثير الإيراني.

تؤكّد هذه المصادر أنّ نجاح المالكي في تمهيد الطريق وإقناع الصدر بعقد تحالف سياسي – انتخابي سيكون على حساب أطراف سياسية

تضيف هذه المصادر أنّ هذا التحالف سيوجّه في الوقت نفسه إلى الطرف الإيراني، خاصة من قبل المالكي، رسالة تفيد بقدرته على استيعاب الصدر وإعادته إلى حضن الدولة والبيت الشيعي. وهو على ما يبدو يمثّل حالة من الرضا للجانب الإيراني الذي لا يرغب في المزيد من الضعف في دور هذا البيت في إدارة الدولة، وتشكّل إعادة ترميم العلاقة بين قوى وأحزاب المكوّن الشيعي الهدف الرئيس الذي يضمن استمرارية المصالح الإيرانية في العراق.

إقرأ أيضاً: السوداني بين حشد الدولة وعودة الصّدر

ربّما الأبرز في هذا الحراك الذي يقوده المالكي أنّه يبعث إلى كلّ الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية رسالةً مفادها أنّه الأقدر على الإمساك بخيوط اللعبة السياسية العراقية، بالإضافة إلى قدرته على لعب دور الضابط للتوازنات بين المكوّنات العراقية، علاوة على المعادلات الإقليمية والدولية.

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…