هناك قدرة لبنانية على ربط انتخاب رئيس الجمهورية بكلّ مواعيد الاستحقاقات الخارجية، باستثناء المهل الدستورية اللبنانية لكلّ استحقاق. على رأس هذه الاستحقاقات الخارجية الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة خريف هذا العام.
الاعتبارات الخارجيّة وانتخاب الرّئيس
اللجنة الخماسية التي تتشكّل من سفراء كلّ من الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية، مصر، فرنسا وقطر تعلن بنهاية كلّ اجتماع لها ضرورة أن يكون اختيار الرئيس قراراً لبنانياً، وهو ما تناقضه تحرّكات وتصريحات اللجنة التي مجرّد وجودها هو تعبير واضح عن أنّ قرار انتخاب الرئيس يخضع لاعتبارات خارج الحدود اللبنانية.
أعضاء اللجنة الخماسية مجتمعين أو فرادى لا ينفكّون عن إعطاء مواصفات ومهامّ الرئيس العتيد. يلتقون الكتل والمرشّحين بشكل يؤكّد الانطباع السائد بأنّ الطاقم السياسي اللبناني قاصر. المرشّحون في معظم الديمقراطيات يترشّحون على أساس مشروع واضح، وأمّا في لبنان فإنّ اللجنة الخماسية حدّدت خارطة الطريق التي على الرئيس المقبل أن ينتهجها. بيانات اللجنة الخماسية تتحدّث عن ضرورة أن يقوم الرئيس المقبل بتشكيل “تحالف واسع وشامل في سبيل استعادة الاستقرار السياسي وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية”.
كما تذكّر اللجنة النواب بضرورة انتخاب رئيس “لضمان وجود لبنان بفعّالية في موقعه إلى طاولة المناقشات الإقليمية، وكذلك لإبرام اتفاق دبلوماسي مستقبلي بشأن حدود لبنان الجنوبية”، في إشارة واضحة إلى أنّ الاستحقاق الرئاسي اللبناني مرتبط بحرب غزة على عكس التصريحات التي تشدّد على ضرورة فصل حرب غزة عن الاستحقاق الرئاسي. وهذا أمر واقع كون اللاعب المحلّي الأقوى المعنيّ بانتخاب رئيس للبلاد منغمس بحرب استنزاف على الحدود مع إسرائيل نصرة لغزة.
هناك قدرة لبنانية على ربط انتخاب رئيس الجمهورية بكلّ مواعيد الاستحقاقات الخارجية، باستثناء المهل الدستورية اللبنانية لكلّ استحقاق
أمّا الاستحقاق الدولي الآخر فهو انتخابات رئاسة الولايات المتحدة الأميركية في شهر تشرين الثاني المقبل. قياساً على كيفية تعاطي الفرقاء المحلّيين مع الانتخابات الرئاسية اللبنانية الأخيرة من جهة تأثير انتخابات أميركية وانعكاسها على انتخاب رئيس للبنان، فإنّ اللاعب المحلّي الذي يراقب هذا الاستحقاق الأميركي هو إيران وحليفها المحلّي الحزب الذي يفضّل الانتهاء من الاستحقاق اللبناني قبل حصول مفاجآت في انتخابات الوصول إلى البيت الأبيض.
هل تتكرّر تجربة ميشال عون؟
في الانتخابات الأخيرة تمّ انتخاب الجنرال ميشال عون قبل ثمانية أيام من فوز الرئيس السابق دونالد ترامب وخسارة الديمقراطيين، وبالتالي عدم الاستمرار بنهج أوباما، وهو ما فسّر آنذاك أنّ الحزب فضّل انتخاب رئيس في الوقت الذي كانت العلاقات الأميركية الإيرانية على أفضل حال في عهد باراك أوباما بعد التوصّل إلى اتفاق نووي. فكان القرار بالإسراع بانتخاب رئيس حليف قبل أن يخلط فوز ترامب الأوراق. وهذا ما حصل. فما كان يصحّ في عهد أوباما لم يعد قائماً في عهد ترامب.
قياساً على ذلك فإنّ الطرف الأقوى والمعطِّل قد يلجأ إلى الضغط للتوصّل إلى انتخاب رئيس يرضى عنه قبل أن يعود ترامب مرّة ثانية ويخلط الأوراق من جديد، لكنّ تركيبة المجلس النيابي مختلفة هذه المرّة. قد يمتلك الحزب القدرة على التعطيل لكن ليس على الفرض. احتمال أن يتمّ انتخاب رئيس قبل تشرين الثاني وارد، إلا إذا أجرى خصوم الحزب في لبنان المقاربة نفسها وخلصوا إلى نتيجة مفادها أنّ التغيير في البيت الأبيض سيكون لمصلحتهم فيبقى الشلل الرئاسي على ما هو عليه مهدّداً التركيبة اللبنانية.
إقرأ أيضاً: هل تُطرَد غادة عون من القضاء؟
المعروف أنّ القرار الرئاسي في لبنان ليس قراراً محلّياً، لكنّ أدواته محلّية. نواب لبنان يصوّتون، لكنّهم لا يختارون الرئيس. هذا المسار تعزّز مع إدخال عرف المشاورات للتوصّل إلى اتفاق حول شخص الرئيس قبل الذهاب إلى جلسة الاقتراع، ومعظم هذه المشاورات عادة ما تشارك فيها عواصم الدول المعنيّة بعيداً عن الأضواء، وهذا ما دعت إليه اللجنة الخماسية.