هل توفير الحماية الدّوليّة للفلسطينيّين ممكن؟

مدة القراءة 7 د

سارعت الولايات المتحدة إلى إجهاض الإعلان الأهمّ الصادر عن القمّة العربية في البحرين، الداعي إلى نشر قوّات أممية في الأراضي المحتلّة لحماية الفلسطينيين إلى حين تنفيذ حلّ الدولتين، معتبرة أنّ هذه الدعوة يمكن أن تضرّ بجهود إسرائيل لهزيمة حركة “حماس”.

 

 

تعليقاً على قرار القمّة، سارع الناطق باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة فيدانت باتيل إلى القول: “نحن نعلم أنّ إسرائيل تركّز على هزيمة “حماس” (…) صراحة، إنّ إضافة مزيد من القوات الأمنيّة قد تعرّض هذه المهمّة للخطر”. وأضاف: ” نحن نركّز أوّلاً وقبل كلّ شيء على إنهاء هذا الصراع”.

إجماع البحرين حكاية مسار طويل

جاء الإجماع العربي في قمّة البحرين تتويجاً لحملة دبلوماسية طويلة الأمد تطالب بتقديم الحماية الدولية للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلّة عام 1967، استناداً إلى تجارب دولية أثبتت نجاحها على الرغم من التعقيدات التي رافقتها. ولم يترك الفلسطينيون منبراً من منابر الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن والجمعية العمومية، إلا وطرحوا منه هذا المطلب. كما طلبت السلطة الفلسطينية رسمياً من الأمانة العامة للمنظمة الدولية إدراج هذا الطلب على جدول أعمال مجلس الأمن، إلا أنّها لم تفعل شيئاً بهذا الخصوص.

لم يقدّم الجانب الفلسطيني ولا الطلب العربي الأخير تصوّرات واضحة لشكل الحماية الدولية المطلوبة وتفاصيلها، إلا أنّ، من الناحية النظرية، من المفترض أن تتضمّن حماية الوجود المدني/ الإداري، إضافة إلى الوجود العسكري عبر قوات شرطة دولية تمنع وتراقب التجاوزات العسكرية الإسرائيلية، وتحمي الفلسطينيين وأراضيهم. كما تعمل هذه الحماية على منع قوات الاحتلال من التصرّف بالموارد الطبيعية كالمياه ومصادرة الأراضي وضمّها إلى المستوطنات.

ماذا تعني الحماية الدّوليّة؟

تهدف الحماية الدولية عادة إلى إدارة شؤون بلد مستعمَر أو محتلّ أو تحت الوصاية الخارحية لمرحلة انتقالية تؤدّي فيما بعد إلى تسليمه زمام الأمور وتمكينه من الاستقلال. وتفيد تجارب في بقع عدّة من العالم كتيمور الشرقية وكوسوفو والبوسنة وغيرها أنّ هذا الإمكان موجود وقابل للتنفيذ إذا اجتمعت الإرادة الدولية أوّلاً والمحلّية ثانياً الكافية لتحقيق ذلك.

تهدف الحماية الدولية عادة إلى إدارة شؤون بلد مستعمَر أو محتلّ أو تحت الوصاية الخارحية لمرحلة انتقالية تؤدّي فيما بعد إلى تسليمه زمام الأمور وتمكينه من الاستقلال

مثلاً، حصلت تيمور الشرقية على استقلالها عام 2002، بعد قرون من الاستعمار البرتغالي وعقود من الاحتلال الإندونيسي. وتمّ ذلك بعد ضغوط دولية قويّة وافقت جاكرتا على إثرها على إجراء استفتاء لتقرير المصير اختار معظم سكان تيمور الشرقية بموجبه عام 1999 الاستقلال عن إندونيسيا. وبموجب قرارات لمجلس الأمن وتفويض منه، تولّت قوات دولية عسكرية بقيادة أستراليا، إضافة إلى بعثة الإدارة الانتقالية التابعة للأمم المتحدة، إدارة شؤون البلاد. وبعد ثلاث سنوات كمرحلة انتقالية حصل أهل الجزيرة على استقلالهم وسيادتهم الكاملة على أرضهم.

كذلك حدث في كوسوفو عام 1999، عندما أصدر مجلس الأمن قراراً بإنشاء وجود مدني دولي في كوسوفو، عُرف تحت اسم “بعثة الإدارة الانتقالية في كوسوفو”. وخوّلت البعثة سلطة على الإقليم وشعبه، وما يتضمّن ذلك من سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية. لكنّ الإقليم لم يحصل بعد على الاستقلال الناجز بسبب رفض صربيا الاعتراف باستقلال الإقليم المعلن عام 2008، باعتباره جزءاً من أراضي صربيا.

لفلسطين نفسها تجربة مع القوات الدولية عندما قرّر مجلس الأمن إرسال قوات مراقبة دولية إلى الخليل، بعد شهر من وقوع مجزرة الحرم الإبراهيمي في شهر رمضان عام 1994، التي قُتل فيها أكثر من 50 فلسطينياً داخل الحرم وجُرح المئات. إلا أنّ المراقبين انسحبوا بعد ثلاثة أشهر. ثمّ جدّد المجلس لبعثة أممية أخرى إلى الخليل عام 1997، بعد توقيع اتفاقية “أوسلو 2″، لحماية الفلسطينيين في المدينة. هذه البعثة كتبت أكثر من 20 ألف تقرير عن الخروقات والانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان. لكنّ أحداً لم يسمع عن نتائج عملها وتقاريرها التي أُودعت في جوارير المنظمة الدولية.

كذلك حصل مع قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 120/37 لعام 1982، الذى يدعو إلى اتّخاذ إجراءات فاعلة لضمان سلامة وأمن اللاجئين الفلسطينيين فى المناطق المحتلّة، حيث لم يعالج أيّاً من الفجوات التي تشكّل عقبة في طريق إقرار حقوق الإنسان والحرّيات الأساسية للّاجئين الفلسطينيين بمناطق شتاتهم الحالية.

طلب الحماية الدولية الفعليّة للفلسطينيين يعتمد بداية على القدرة على تنفيذ الخطوة الأولى، وهي إصدار قرار في مجلس الأمن بهذا الشأن في ظلّ أشباح “الفيتو” الأميركي

في شهر آذار الفائت، أكّد بيان لمجلس الأمن أهمّية حماية المدنيين الفلسطينيين في غزة في ظلّ ما يشهده القطاع المحاصر من إبادة ودمار. لكنّ وتيرة الإبادة الإسرائيلية ارتفعت وسجّلت أرقاما قياسية عالمية في قتل الأطفال والنساء الفلسطينيين.

إسرائيل لا تثق بأحد

لا تخفي إسرائيل رفضها المطلق لفكرة نشر قوات حفظ سلام دولية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، لأنّها لا تثق بأحد، حتى لو كانت هذه القوات أميركية. فوجود مثل هذه القوات يعني وجود رقيب على النشاطات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتالياً وضعها قيد الإدانة، وهذا ما ترفضه جملة وتفصيلاً. كما أنّها لا تثق بأحد في قضية تأمين حدودها، فهي تعيش أزمة عُمق أمنيّ في الضفة، وترفض أن ينوب عنها في ذلك أيّ طرف. وتصف وجود القوة الدولية في الجنوب اللبناني”اليونيفيل” بــ”التجربة السيّئة”، لأنّها لم تمنع الحزب من توسيع قدراته العسكرية.

قد توافق الدولة العبرية على مضض على وجود قوة دولية في غزة، لكنّها لن تقبل أبداً بمثلها في الضفة التي لا تزال تحتلّها وتتصرّف فيها أمنيّاً بلا رقيب ولا حسيب. أمّا إذا وجدت في غزة، فيجب أن تكون مختارة من دول حليفة لإسرائيل بالكامل لا علاقة لها بالأمم المتحدة، وأن تكون مهمّتها الأساسية شرطية وقمعية وغايتها الوحيدة تولّي إدارة غزة نيابة عن الاحتلال وملاحقة المقاومة التي عجزت القوات الإسرائيلية عن فرض الاستسلام عليها، والسيطرة على المعبر والحدود والتحكّم بالمساعدات الغذائية. كما من شأن وجود قوة دولية في غزة أن يكرّس الانفصال العضوي والبنيوي والسياسي والإداري بين الضفة والقطاع وحرمان السلطة الفلسطينية من أيّ دور مستقبلي في اليوم التالي للعدوان.

لا فائدة للفلسطينيين من وجود أيّ قوات دولية في الأراضي الفلسطينية، إذا كانت على غرار تجربة الخليل، حيث كانت شاهدة زور على الاقترافات الإسرائيلية

في المقابل، لا فائدة للفلسطينيين من وجود أيّ قوات دولية في الأراضي الفلسطينية، إذا كانت على غرار تجربة الخليل، حيث كانت شاهدة زور على الاقترافات الإسرائيلية. أمّا إذا أُنيطت بها مهمّات شرطية وسياسية تنفيذاً للرغبات الإسرائيلية، فسيجري التعامل معها على أنّها قوة احتلال جديدة بالقبّعات الزرق، وتالياً قد لا يطول الزمن قبل أن تواجه هذه القوات ما واجهته القوة المتعدّدة الجنسيات، التي دخلت بيروت عام 1982 بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية، من تفجير مقرَّيْ المارينز الأميركيين والمظلّيين الفرنسيين، وما تلاه من ظهور للحزب.

طلب الحماية الدولية الفعليّة للفلسطينيين يعتمد بداية على القدرة على تنفيذ الخطوة الأولى، وهي إصدار قرار في مجلس الأمن بهذا الشأن في ظلّ أشباح “الفيتو” الأميركي. وكيف لمجلس الأمن أن يصدر قراراً كهذا وهو لا يستطيع إصدار موجز صحافي يدين ممارسات الاحتلال بحقّ المدنيين الفلسطينيين أو حتى ممارسات المستوطنين؟ وماذا إذن عن الخطوة الثانية والقاضية بصدور قرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يضمن امتثال قوّة الاحتلال لوقف النار وتوفير الحماية للفلسطينيين والشروع في حلّ الدولتين؟

للتذكير فقط فإنّ تجربتَي تيمور الشرقية وكوسوفو لم تنجحا لولا الضغوط الأميركية القوية في هذا الاتجاه، فهل بات لدى الجامعة العربية القدرة على الضغط على أميركا للسير في عكس الاتجاه الإسرائيلي أم أنّ دعوتها دليل ارتباك تجاه استحقاقات اليوم التالي لما بعد حرب غزة؟

إقرأ أيضاً: الهجوم على رفح: فصل جديد من حرب طويلة

مواضيع ذات صلة

رجال ترامب هم رجال إسرائيل!

تعكس اختيارات الرئيس المنتخب دونالد ترامب لبعض فريقه الرئاسي الجديد عمق سياساته المقبلة تجاه العالم ككلّ، وتجاه منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. قيل لي…

هل ينفع الحوار مع إيران للاستغناء عن خدماتها؟

حين تتحدّث مع دبلوماسيين غربيين عاملين على مسائل لبنان والمنطقة هذه الأيام، يصغون بشيء من اللياقة لما يُعرض من التفاصيل المتعلّقة بصيغة لبنان، سواء في…

صواريخ إيران: شّبح صّينيّ مجهول

كيف تحوّلت إيران إلى مصنّع للصواريخ؟ الصواريخ الإيرانية الصنع تعزّز الآلة العسكرية الروسيّة في الحرب على أوكرانيا. وهذه الصواريخ الإيرانية تشكّل رأس الحربة العسكرية للحوثيين…

تشدّد الرّياض: عودة عربيّة إلى نظام إقليميّ جديد؟

توحي نتائج القمّة العربية – الإسلامية بأوجه متعدّدة لوظيفة قراراتها، ولا تقتصر على محاولة فرملة اندفاعة إسرائيل العسكرية في المنطقة. صحيح أنّ القمّة شكّلت حاضنة…