النّازحون السّوريّون: أزمة كيان وانقسام وطن

2024-05-11

النّازحون السّوريّون: أزمة كيان وانقسام وطن

“هبة المليار يورو” وما حصل بحقّ بعض السوريين إثر مقتل المسؤول القوّاتيّ باسكال سليمان والطاولة المستديرة التي نظّمها المركز المارونيّ للأبحاث والتوثيق في بكركي أعادت إلى الواجهة ملفّ النازحين السوريين. وهو ملفّ قديم جديد يهدّد الكيان اللبناني اقتصادياً وأمنيّاً وديمغرافياً واجتماعياً. على الرغم من ذلك يستمرّ الانقسام اللبنانيّ حياله مع الكلام عن موقف وطنيّ موحّد.

 

مرّة جديدة تبرز البطريركية المارونيّة مؤتمَنة على الكيان الذي سعت إلى تأسيسه منذ ما يزيد على مئة عام.

أمام تقاعس الحكومات المتعاقبة عن تدارك أزمة النازحين منذ بدايتها، وتواطؤ العديد من السياسيين، أخذت بكركي المبادرة لمناقشة هذه القضية الوطنية بهدف إيجاد الحلول لها من أجل لبنان وسوريا. ومن أجل اللبنانيين والسوريين على حدّ سواء. فقد دعا المركز الماروني للأبحاث والتوثيق إلى “طاولة مستديرة” لمناقشة هذا الملفّ في ثلاثة محاور: الوقائع والخطط والتدابير. شارك فيها ستة وزراء (الداخلية، ممثّلاً رئيس الحكومة، والخارجية والتربية والعدل والمهجّرين والشؤون الاجتماعيّة)، وقائد الجيش وممثّلون عن الأمن العام وأمن الدولة، وأربعة محافظين. كما شارك متخصّصون في السياسة والقانون أعضاء في لجنتَي السياسة والقوانين في البطريركيّة المارونيّة.

أعاد البطريرك الماروني بشارة الراعي التذكير في كلمته بأنّ لبنان فتح أبوابه للنازحين السوريين حين سُدّت بوجههم أبواب اللجوء إلى أوروبا. أمّا اليوم فيجب عودتهم إلى سوريا حيث “الأماكن الآمنة أكبر من مساحة لبنان”. كما دعا المؤسّسات الدوليّة إلى مساعدة السوريين في بلدهم وليس في لبنان. وقال مؤكّداً إنّنا “لن نتخلّى عن مشاعرنا الإنسانيّة تجاه النازحين”. ودعاهم إلى العودة إلى بلدهم للمشاركة في “كتابة تاريخه”.

وقائع وأرقام صادمة

بعد مرور أكثر من 12 عاماً على تدفّق السوريين إلى لبنان تبدو الوقائع والأرقام صادمة. وهذه بعضها:

– يبلغ عدد السوريين اليوم في لبنان حوالي 2 مليون نسمة، أي ثلث الشعب اللبنانيّ. في عهد ميشال عون كان الكلام عن 1.7 مليون. وهو ما يعني استمرار تدفّق النازحين.

على الرغم من “خبث” الدول والمؤسّسات الدوليّة وسياسات نظام الأسد تبقى المسؤولية الكبرى في أزمة النازحين السوريين لبنانيّة

– عجز القوى الأمنيّة اللبنانيّة عن ضبط الحدود والمعابر غير الشرعية التي يدخل منها السوريين. وهذا لا يعود إلى تقصير منها. فأكبر الدول عاجزة عن ضبط حدودها. المسألة تحتاج إلى قرار سياسيّ وإلى 40 ألف عنصر لتأمين الحدود البالغ طولها 375 كلم، كما يؤكّد مسؤول أمنيّ كبير.

– تبلغ تكلفة كلّ سوري موجود على الأراضي اللبنانيّة 1,000 دولار سنوياً. “حِسبة” بسيطة تؤكّد أنّ كلفة السوريين على الخزينة اللبنانيّة 2 مليار دولار سنوياً.

– يتوزّع السوريون على كلّ الأراضي اللبنانيّة. يقيم العديد منهم في مخيّمات عشوائية وغير شرعية. بعضها لتخزين السلاح وتهريب المخدّرات، كما يؤكّد أحد كبار القادة الأمنيّين.

– لا تملك الدولة اللبنانيّة لوائح دقيقة بأعداد السوريين الموجودين على أراضيها ولا بأسمائهم ولا بأماكن سكنهم.

– في بعض المحافظات يفوق عدد السوريين عدد اللبنانيين المقيمين. ففي محافظة بعلبك – الهرمل مثلاً يبلغ عدد السوريين 315 ألفاً بينما يبلغ عدد اللبنانيين المقيمين 250 ألفاً.

– يفوق عدد التلامذة السوريين في المدارس الرسميّة (190 ألفاً) عدد التلامذة اللبنانيين (160 ألفاً). ويدرسون بحسب منهج التعليم اللبنانيّ وليس بحسب منهج التعليم السوري ليتمكّنوا من متابعة تحصيلهم العلمي في سوريا بعد عودتهم.

المفوضيّة “اللاسامية” لشؤون اللاجئين

حقائق أخرى صادمة في هذا الملفّ. ربّما أبرزها الدور السيّئ والمشبوه الذي تلعبه المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين، أو “المفوضيّة اللاسامية” كما يسمّيها أحد الوزراء المعنيين بملفّ النازحين، ومن خلفها المجتمع الدوليّ. تعاملها لا يبدو شفّافاً ومتعاوناً مع الوزارات والإدارات اللبنانيّة. وسياسة الدعم المالي للنازحين تشجّعهم على البقاء في لبنان. كما تشجّعهم على ذلك أموال المؤسّسات غير الحكومية المموّلة من دول ومن مؤسّسات دوليّة.

تغيير ديمغرافيّ في سوريا

يبقى العائق الأكبر أمام عودة النازحين إلى بلادهم سياسة النظام السوري الذي لا يريد عودة النازحين السوريين إلى سوريا.

يبقى العائق الأكبر أمام عودة النازحين إلى بلادهم سياسة النظام السوري الذي لا يريد عودة النازحين السوريين إلى سوريا

بعد مضيّ سنوات على حروب النظام السوري ضدّ المعارضة أوّلاً والتنظيمات الاسلاميّة فيما بعد بمساندة ودعم الحرس الثوري الإيرانيّ والحزب، أصبح واضحاً أنّ العديد منها هدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي في البلاد من خلال دفع الغالبية السنيّة إلى مغادرة البلاد ومن أماكن محدّدة. أبرزها العاصمة دمشق ومحيطها ومدينة حمص (التقاطع الأساسيّ في البلاد). قول الأسد لزائريه اللبنانيين وغير اللبنانيين إنّه لا يمكن للنازحين العودة قبل إعادة الإعمار هو رفض مقنّع لعودتهم، إضافة إلى كونه ورقة ابتزاز للحصول على الاعتراف الدوليّ بنظامه ولرفع العقوبات المفروضة عليه والحصول على أموال لإعادة الإعمار. فالعائد هو من يعيد بناء ما تهدّم. وتجربة عودة المهجّرين اللبنانيين بعد الحرب الذين لم يحصلوا إلا على فُتات مساعدات خير دليل.

إذا كان صحيحاً ما يقوله النظام السوري للوزراء اللبنانيين الذين زاروا دمشق لمناقشة ملفّ النازحين، فلماذا لم يعد النازحون داخل البلاد إلى مدنهم وقراهم وعددهم البالغ 7 ملايين يفوق عدد اللاجئين خارجها؟ وإذا كانت نيّة نظام الأسد صادقة تجاه عودة النازحين فلماذا لم يخفّف التدابير بوجه عودتهم وأبرزها غرامة الـ5,000 دولار لمن لا يريد الالتحاق بالخدمة الإلزامية في الجيش؟

إذا كان صحيحاً ما يقوله النظام السوري للوزراء اللبنانيين الذين زاروا دمشق لمناقشة ملفّ النازحين، فلماذا لم يعد النازحون داخل البلاد إلى مدنهم وقراهم

بلد “حَيطو واطي”

على الرغم من “خبث” الدول والمؤسّسات الدوليّة وسياسات نظام الأسد تبقى المسؤولية الكبرى في أزمة النازحين السوريين لبنانيّة.

في العقد الماضي كان الانقسام العمودي بين 8 و14 آذار هو المسؤول. وهو انقسام يشبه الانقسام بين المسلمين والمسيحيين حول وجود اللاجئين الفلسطينيين الذي تحوّل أزمة هدّدت الكيان اللبنانيّ في سبعينيات القرن الماضي.

اليوم غياب الموقف الوطني الموحّد وحفلات الدجل والمزايدات على كلّ المستويات هما المسؤولان عن استمرار أزمة النازحين السوريين. وهما يبرزان بوضوح في الكلام حول “هبة المليار يورو” الأوروبيّة. وزراء يقولون إنّها غير مشروطة. وآخرون يؤكّدون أنّها من أجل ضبط الحدود البحريّة لعدم هجرة السوريين إلى قبرص، وهو ما يعني دخولهم أراضي الاتحاد الأوروبيّ. وهذا واضح في زيارة الرئيس القبرصيّ مع رئيسة المفوضيّة العليا للاتحاد الأوروبيّ.

إقرأ أيضاً: حقيقة النّزوح السّوريّ وفق حسابات “الدّكّنجيّ”!

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Fadi_ahmar

مواضيع ذات صلة

سُنّة لبنان “تغويهم” الحرب… على المفتي أن يتدخّل

تشهد الساحة اللبنانية اندفاعاً من بعض شبّان السنّة للمشاركة في الحرب التي تشنّها حماس والحزب على إسرائيل. وقد تحمّست أخيراً بعض الشخصيات الدينية السنّية للأمر…

أوساط “الديمقراطيّ”: لهذا لن نتخلّى عن بايدن

لم تهدأ عاصفة المناظرة الأخيرة بين المرشّح الدّيمقراطي جو بايدن والمرشّح الجمهوري دونالد ترامب. وفيما لم يصدر عن قادة الحزب الديمقراطي موقف رسمي علنيّ متبرّم…

كيف فشل المشروع الإسرائيليّ في غزة؟

لم تكن جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية دون هدف. ولم تكن جرائم انتقامية فقط من أحداث 7 أكتوبر. إنّها جرائم تحمل مشروعاً سياسياً….

الشّرق الأوسط بعد مناظرة بايدن الكارثيّة

أثار الأداء الكارثي للرئيس جو بايدن في المناظرة الرئاسية، الذعر في العالم كلّه، لا في أوساط الديمقراطيين وحسب. رئيس الولايات المتحدة، في كثير من النواحي،…