حرب لبنان في عام 1982 فيها المختلف والمشترَك مع حرب غزة في عامَي 2023 و2024. المختلف كثيراً هو الزمان والمكان والأهداف والنتائج، والمشترَك هو أسلوب العمل الإسرائيلي الأميركي الذي جسّده آنذاك قائد الحملة العسكرية على لبنان آرييل شارون، وفيليب حبيب الدبلوماسي الأميركي ومبعوث الرئيس رونالد ريغان.
الحرب التي بدأت في عام 1982 بقصف جوّي شامل من أوّل نقطة في جنوب لبنان توجد فيها قوات فلسطينية إلى قلب بيروت ومحيطها، كان صاحب القرار العسكري فيها آرييل شارون الذي كان هدفه المعلن منها قتل عرفات أو أسره وتصفية الوجود الفلسطيني المسلّح بصورة جذرية ونهائية وحتى جسدية. في ذلك الوقت تدخّلت الإدارة الأميركية بأن أرسلت ممثّلاً للرئيس ريغان مكلّفاً إخراج قوات الثورة الفلسطينية من الجنوب وبيروت في مرحلة أولى تليها إخراجها من شمال لبنان ليخلو هذا البلد تماماً من الوجود العسكري الفلسطيني المنظّم والمؤثّر.
في تلك الحرب، انحسر الوجود الفلسطيني المسلّح بقيادة عرفات داخل الجزء الغربي من بيروت المتحالف مع الضاحية الجنوبية، في ما لا تزيد مساحته على أربعة كيلومترات مربّعة، وكانت المفاوضات التي أدارها حبيب قد تحوّلت عن هدف إبادة القوات الفلسطينية وتصفية قيادتها وعلى رأسها عرفات إلى بديل هو إخراج القوات الفلسطينية من بيروت إلى عدّة دول بعيدة وقريبة في المنطقة، دون أن يتوقّف شارون عن محاولة قتل عرفات إن أمكن. لم يكن قتل عرفات مرغوباً من جانب الأميركيين، لكن إن تمّ فلكلّ حادث حديث.
حرب لبنان في عام 1982 فيها المختلف والمشترَك مع حرب غزة في عامَي 2023 و2024
ما وجه الشبه مع غزّة اليوم؟
دعونا نقل إنّ لبنان يشبه غزة، ورفح تشبه بيروت، ونتنياهو يشبه شارون، والمبعوثين الأميركيين يشبهون فيليب حبيب. حينئذٍ كانت تجري مفاوضات تحت النار عن طريق وسطاء. إذ كان ممنوعاً على المبعوث الأميركي أن يتحدّث مباشرة مع عرفات، أو من يمثّله. وكلّما كانت تتعثّر بفعل عناد عرفات ومحاولاته التي لا تتوقّف للخروج من المعركة الشرسة بأقلّ الخسائر، كانت الطائرات الإسرائيلية تتولّى دعم دبلوماسية حبيب بقصف شرس لإرغام عرفات على قبول مقترحاته، التي تبدأ وتنتهي عند الموافقة على خططه بالإجلاء الجماعي إلى الدول التي قبلت الاستضافة.
المختلف كثير بين غزة ورفح ولبنان وبيروت، غير أنّ الطريقة متشابهة إن لم أقُل متطابقة بشأن بيروت. كان الأميركيون تحت تأثير العديد من القوى العربية والغربية، وحتى بعض الأميركية، يدّخرون منظمة التحرير لدور سياسي مقبل. ودلّ على ذلك أنّ الأميركيين منعوا شارون من إكمال خططه العسكرية بتدمير بيروت والتصفية المادّية للقوات الفلسطينية. لقد فعل الأميركيون ذلك لأنّهم كانوا متأكّدين من أنّ جنون شارون سيحوّل بيروت المحصّنة جيّداً والمسلّحة حتى الأسنان والمكتظّة بالمدنيين إلى مدينة لا تصلح للعيش، مثلما هي غزة الآن، فضلاً عن أنّ خسائر إسرائيل قبل أن تحاصر بيروت كانت مرتفعة ولا بدّ من أن تتضاعف كثيراً إذا ما جازف شارون باجتياحها. كانت المدينة آنذاك غابة من متاريس وكمائن وسلاح ومقاتلين.
المختلف كثير بين غزة ورفح ولبنان وبيروت، غير أنّ الطريقة متشابهة إن لم أقُل متطابقة بشأن بيروت
“المشترك” الأميركي
قوّة منظمة التحرير التحالفيّة ورسوخها في المعادلة العربية والدولية، كممثّل وحيد للشعب الفلسطيني، كانا بمنزلة الحماية الأكيدة لها من التصفية والإلغاء، وهذا أمر لم تحظَ به حماس، التي وإن كانت قوّة حقيقية على الأرض وبين الفلسطينيين ولها تحالفاتها التي لا يستهان بها فهي غير معترف بها شرعياً وسياسياً من قبل من لا يزالون يعترفون بمنظمة التحرير. لهذا يبدو المختلف كثيراً بين ما جرى في عام 1982 وما يجري في عام 2024، إلا أنّ المشترك الأوضح طريقة العمل الأميركي الإسرائيلي بين الدبلوماسية والنار.
إذاً دعونا ننتظر خلاصات المختلف والمشترك لنرى الأمور بصورة أوضح وفق خواتيمها، لعلّنا نجد جواباً حقيقياً عن السؤال: هل تجد الإدارة الأميركية، التي ساعدت على خروج عرفات وقواته ومؤسّساته من بيروت لغرض مستقبلي في نفس أميركا، طريقةً للتعامل مع حماس وفق مبدأ الترويض وليس التصفية؟
لا يقين حول هذا الأمر، ولنقل حتى الآن.
إقرأ أيضاً: لبنان و”اليوم التالي”: سلّة متكاملة للحدود والرئاسة والحكومة؟