“أظهر السلوك الجديد الذي أثارته الأزمة الإيرانية الإسرائيلية في نيسان أنّ الحقائق الطويلة الأمد في الشرق الأوسط يمكن أن تتغيّر، في العديد من الدول. فقد فتح الردّ الإسرائيلي على إيران النافذة لإنشاء تحالف إقليمي يتبع استراتيجية مشتركة لمواجهة إيران ووكلائها. وباتت إيران الآن في وضع ضعيف وإسرائيل لديها فرصة استراتيجية محتملة، وكذلك الولايات المتحدة، لقلب الطاولة على حماس وإيران وتعزيز التطبيع مع المملكة العربية السعودية لتشكيل شرق أوسط أكثر استقراراً وأملاً”.
“لقد حان الوقت للقيام بذلك”، يكتب المبعوث الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط دنيس روس، ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في “معهد واشنطن” ديفيد ماكوفسكي، في مقال مشترك نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية.
يعتقد روس وماكوفسكي أنّ “اجتماع الأميركيين والأوروبيين للمساعدة في اعتراض الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز التي أطلقتها إيران ضدّ إسرائيل، بالإضافة إلى الاستعداد الذي أبدته الدول العربية في مواجهة التهديد الذي تشكّله إيران ووكلاؤها، يشير إلى أنّ النافذة قد فُتحت لإنشاء تحالف إقليمي يتبع استراتيجية مشتركة لمواجهة إيران ووكلائها”. لكنّهما يعتبران أنّه “للاستفادة من هذا الانفتاح، يجب على إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية، وخاصة السعودية، أن تدرك الطبيعة الفريدة لهذه اللحظة وأن تغتنمها. واتفاقية التطبيع بين إسرائيل والسعودية تحت رعاية الولايات المتحدة ستقطع شوطاً طويلاً نحو ترسيخ هذا التحالف الناشئ… حيث إنّ إدارة الرئيس جو بايدن، وكذلك القادة الإسرائيليون والسعوديون، ما زالوا يرغبون في رؤية مثل هذه الصفقة تحدث قريباً. لكنّ إدارة بايدن تعتقد أنّ القتال في غزة يجب أن يتوقّف مؤقّتاً قبل أن تتمكّن المفاوضات حول التطبيع من المضيّ قدماً”.
وقف إطلاق النار من شأنه أن يعيد تركيز انتباه العالم على تعنّت حماس ومحنة الرهائن الإسرائيليين
وقف إطلاق النار.. لتمرير التطبيع
يوصي روس وماكوفسكي إدارة بايدن في حالة عدم التوصّل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في غزة أن تلجأ إلى البديل الواقعي الوحيد: تشجيع إسرائيل على إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد في غزة لمدّة تراوح بين أربعة وستة أسابيع. لأنّ مثل هذا القرار الإسرائيلي هو السبيل الوحيد لتهيئة الظروف للمضيّ قدماً في اتفاق التطبيع الإسرائيلي السعودي.. وأن يوفّر لإسرائيل من الفوائد الاستراتيجية مع القليل من العوائق المادّية.. والواقع أنّ واقعاً جديداً ربّما يتشكّل في إسرائيل، وهو واقع قد يغيّر طريقة تعاملها مع الدفاع والردع والمنطقة.
يضيفان: “عندما يتعلّق الأمر بالاستراتيجية الدفاعية، فإنّ إسرائيل ملتزمة منذ فترة طويلة بالقيام بالقتال بنفسها. وكلّ ما طلبته من الولايات المتحدة هو المساعدة في ضمان حصولها على الوسائل اللازمة للقيام بذلك. ومع ذلك، فإنّ المساعدة التي تلقّتها إسرائيل للدفاع عن نفسها ضدّ الهجوم الإيراني، ربّما لم تكن موضع ترحيب فحسب، بل كانت ضرورية أيضاً. لكنّ مثل هذه المساعدة تخلق أيضاً التزاماً على إسرائيل. وعندما يشارك الآخرون في الدفاع عن إسرائيل، فإنّهم يكتسبون الحقّ في أن يطلبوا من إسرائيل أن تأخذ مصالحهم وهمومهم بعين الاعتبار. وتُظهر طبيعة ردّ إسرائيل على الهجوم الإيراني أنّ نتنياهو على استعداد لأخذ المخاوف الأميركية في الاعتبار. وهو يتعرّض اليوم أيضاً لضغوط لإصلاح الخلافات في علاقته مع الرئيس الأميركي التي لم تنشأ حول أهداف إسرائيل الأساسية من الحرب في غزة، بل حول نهج إسرائيل إزاء المساعدات الإنسانية الى غزة”.
مع اقتراب الهجوم الإسرائيلي على رفح، يتوقّع دنيس روس وماكوفسكي أن تصبح العلاقات بين بايدن ونتنياهو أكثر توتّراً
ارتفاع التوتر بين نتانياهو وبايدن
مع اقتراب الهجوم الإسرائيلي على رفح، يتوقّع روس وماكوفسكي أن تصبح العلاقات بين بايدن ونتنياهو أكثر توتّراً. لكنّهما يراهنان على اتفاق التطبيع الذي توسّطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل والسعودية ليغيّر مسار العلاقة. ويدرك بايدن أنّه بما أنّ السعوديين يحتاجون إلى تقدّم سياسي ذي مصداقية للفلسطينيين من أجل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق التطبيع، فسيتعيّن على نتنياهو أن يأخذ على عاتقه الجزء من قاعدته السياسية التي تعارض بشدّة قيام الدولة الفلسطينية. ولا يمكن للمفاوضات أن تحقّق تقدّماً جدّياً ما لم يتمّ تخفيف الأزمة الإنسانية في غزة. وهو الأمر الذي لا يمكن القيام به بسهولة دون وقف إطلاق النار. خطوة سيكون من الصعب سياسياً على نتنياهو القيام بها. ومن المرجّح أن يجادل بأنّ التوقّف المؤقّت من شأنه أن يخفّف الضغط العسكري عن حماس.
وإذ يستبعد روس وماكوفسكي أن تتمّ عملية رفح قبل أن يفي نتنياهو بتعهّده لبايدن بإجلاء 1.4 مليون فلسطيني في المنطقة مع ضمان حصولهم على مكان يذهبون إليه يحتوي على المأوى المناسب والغذاء والماء والدواء، وهي عملية في حدّ ذاتها ستستغرق من أربعة إلى ستة أسابيع، وربّما أطول، يعتبران أنّه في ضوء هذه الحقائق ينبغي على إسرائيل أن تجعل الضرورة فضيلة. وإذا لم تتمكّن من دخول رفح لبضعة أسابيع، فإنّ وقف إطلاق النار يعني أنّها تتخلّى عن القليل لكنّها تكتسب عدداً من المزايا.
ما هي فوائد وقف إطلاق النار؟
في رأيهما أنّ من شأن وقف إطلاق النار لمدّة تراوح بين أربعة وستة أسابيع:
– أن يسمح للمنظمات الدولية بتخفيف الأوضاع في غزة ومعالجة مخاوف العالم بشأن المجاعة هناك. ولن يمكنها وضع آليّات أفضل لضمان دخول المساعدات الإنسانية الكافية إلى غزة فحسب، بل وتوزيعها فعليّاً على من هم في أمسّ الحاجة إليها.
يستبعد روس وماكوفسكي أن تتمّ عملية رفح قبل أن يفي نتنياهو بتعهّده لبايدن بإجلاء 1.4 مليون فلسطيني في المنطقة
– إنّ وقف إطلاق النار من شأنه أن يعيد تركيز انتباه العالم على تعنّت حماس ومحنة الرهائن الإسرائيليين. وأن يساعد في تغيير السرد المتشكّك الذي سيطر على إسرائيل على المستوى الدولي ويقلّل الضغط عليها لإنهاء الحرب دون قيد أو شرط.
– وقف إطلاق النار الإسرائيلي من جانب واحد لمدّة أربعة إلى ستّة أسابيع من شأنه أن يخلق فرصة استراتيجية. خاصة إذا خلق فرصة لتطبيع العلاقات مع السعودية وتحويل التحالف الإقليمي الضمني الذي ظهر بعد هجوم إيران على إسرائيل إلى واقع أكثر مادّية.
وفقاً للدبلوماسيين السابقين “يعدّ الدور الذي لعبته الدول العربية في مواجهة الهجوم الإيراني تطوّراً جديداً ملموساً يحتاج إلى متابعة سريعة بالنسبة لإدارة بايدن. كما أنّ التقويم السياسي الأميركي يجعل تحقيق تقدّم في التطبيع الإسرائيلي السعودي أمراً ملحّاً. على الرغم من أنّ الحصول على موافقة مجلس الشيوخ على مساهمات الولايات المتحدة المباشرة في الصفقة، التي تشمل معاهدة دفاع ثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية وشراكة مدنية نووية بين البلدين، سيصبح أكثر صعوبة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية”.
إقرأ أيضاً: بن سلمان يقود التغيير ونتنياهو يقود التطرّف
يخلصان إلى القول إنّ “السلوك الجديد الذي أثارته الأزمة الإيرانية الإسرائيلية في شهر نيسان في العديد من الدول يُظهر أنّ الحقائق القائمة منذ زمن طويل في الشرق الأوسط يمكن أن تتغيّر. لقد أصبحت إيران الآن في موقف ضعيف، وأمام إسرائيل فرصة استراتيجية محتملة، وكذلك الولايات المتحدة. ولدى بايدن مصلحة قويّة في إظهار قدرته على تحمّل الحرب بين إسرائيل وحماس والفوضى التي يسبّبها وكلاء إيران وصياغة شرق أوسط أكثر استقراراً وأملاً. ولقد حان الوقت للقيام بذلك. لكنّ من المستحيل معرفة كم سيستمرّ هذا الوقت”.
– دينيس روس: مستشار في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” وأستاذ في جامعة جورج تاون. كان مبعوثاً أميركياً سابقاً إلى الشرق الأوسط. وشغل مناصب عليا في مجال الأمن القومي في إدارات ريغان، جورج بوش الأب، كلينتون، وأوباما.
– ديفيد ماكوفسكي: باحث في “معهد واشنطن” ومدير “مشروع كوريت للعلاقات العربية الإسرائيلية”. وهو أيضاً أستاذ مساعد في دراسات الشرق الأوسط في جامعة جونز هوبكينز. وفي الفترة 2013 -2014، عمل في وزارة الخارجية الأميركية مستشاراً للمبعوث الخاصّ إلى المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.
لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا