يردّد الحقوقي التركي ووزير العدل الأسبق في حكومة حزب العدالة والتنمية جميل شيشاك، وهو يتحدّث عن موضوع صناعة دستور تركي جديد، أنّ احتمال إزاحة جبل إرجياس التاريخي وسط الأناضول من مكانه هو أسهل من محاولة إعداد هذا الدستور الذي يريده وينتظره الجميع.
جلوس قيادات الحكم والمعارضة حول طاولة الحوار والتفاهم حول القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية هو مطلب الناخب التركي اليوم في ضوء قرار الصناديق قبل أسابيع. وهذه هي قناعة الكثيرين تحت شعار التهدئة وتليين المواقف أيضاً.
الرمادي هو اللون السياسي البارز في تركيا منذ أواخر شهر آذار المنصرم بعيداً عن “يا أبيض يا أسود” الذي كان يفرض نفسه على المشهد الحزبي في البلاد حتى الأمس القريب. السبب هو نتائج الانتخابات المحلّية الأخيرة التي رفعت من معنويّات حزب الشعب الجمهوري المعارض على حساب تراجع شعبية “تحالف الجمهور” الذي يقوده حزب العدالة الحاكم.
لقاء القمّة.. بعد نتائج الانتخابات
أولى ارتدادات ذلك كانت فتح الطريق أمام لقاء قمّة حزبي هو الأوّل من نوعه منذ 8 سنوات بين الرئيس رجب طيب إردوغان وزعيم المعارضة أوزغور أوزال في مقرّ حزب العدالة بهدف التهدئة ومحاولة إعلان حقبة جديدة من الحوار السياسي في البلاد. الهدف الثاني هو البحث المشترك في فرص إعداد مسوّدة دستور جديد في تركيا ينهي دستور العسكر المعلن عام 1982، الذي توحّدت كلّ الأحزاب التركية خلف ضرورة تغييره دون الوصول إلى أية نتيجة بهذا الاتجاه حتى اليوم. أولى نتائج لقاء القمّة الأخير هي تجنّب الحديث عمّا دار في اللقاء للحؤول دون دفنه قبل أن يولد.
هل من فرصة حقيقية هذه المرّة؟ وهل نرى المجموعات النيابية تحت سقف البرلمان جالسة حول طاولة مفاوضات تسهّل طريق التغيير وتحرّك المواطن باتجاه استفتاء شعبي حول نصّ دستوري عصريّ ينتظره الأتراك منذ سنوات؟ وأين ستلتقي حسابات المعارضة التي تتمسّك بتغيير شكل النظام والعودة إلى النظام البرلماني الذي أزاحه عام 2017 إردوغان وحزبه اللذان أعلنا أكثر من مرّة أن لا تفاوض حول هذا الموضوع بعد الآن؟
جلوس قيادات الحكم والمعارضة حول طاولة الحوار والتفاهم حول القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية هو مطلب الناخب التركي اليوم
دستور كنعان افرين… وعلى مقاسه
لا أحد في تركيا يريد البقاء تحت إدارة دستور صنعه قبل 4 عقود قائد الانقلاب كنعان افرين على مقاسه أكثر منه على مقاس الأتراك، فأوصله للرئاسة. لكنّ الكلّ يدرك صعوبة الخروج بتوافق حزبي وسياسي وسط حالة الانقسام القائم، خصوصاً أمام مشهد التشرذم البرلماني الذي يعقّد المشهد أكثر فأكثر، ويقطع الطريق على فرصة الذهاب إلى استفتاء شعبي. فأين ستتوحّد مواقف تكتّل الحكم وقوى المعارضة التي تتباعد بينها الرؤى والتطلّعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ ومن الذي سيتراجع خطوة للوراء لمصلحة الآخر لتسهيل ولادة النصّ الدستوري الجديد؟
شهد الدستور التركي الحالي 20 تعديلاً حتى اليوم. كلّ ما أنجز دستورياً كان يعاد طرحه وتعديله من جديد. أهدر حزب العدالة فرصة تحقيق إعداد دستور جديد وهو يملك الأكثرية البرلمانية بمفرده، فكيف سيتمكّن من ذلك وسط كلّ هذا التشرذم السياسي والحزبي تحت سقف البرلمان وحيث لا يملك الأغلبية؟ الفرصة التي أهدرها حزب العدالة كانت قبل 7 سنوات عندما اختار الذهاب وراء تعديلات تشمل بنية الدستور وتغيير شكل النظام وتحويله إلى رئاسي بدلاً من محاولة التفاهم مع المعارضة على ضرورة صناعة هذا الدستور. فهل يعطي المعارضة ما تريده وهو فاقد للأكثرية البرلمانية لتستقوي عليه أكثر فأكثر بعد هزيمة آذار المنصرم؟
شهد الدستور التركي الحالي 20 تعديلاً حتى اليوم. كلّ ما أنجز دستورياً كان يعاد طرحه وتعديله من جديد
العودة إلى النظام البرلماني؟
سؤال تسهل الإجابة عليه من قبل غالبية الأتراك: هل تذهب قوى المعارضة التركية وراء طرح تغيير شكل الحكم والعودة إلى النظام البرلماني عند أوّل فرصة سانحة؟ حتماً ستبحث عن ذلك دون تردّد، والرئيس التركي وحزبه يعرفان هذه الحقيقة. سؤال آخر: هل كان إردوغان سيستقبل زعيم المعارضة لساعة ونصف ويعد بزيارة الإعادة قريباً لو جاءت نتائج الانتخابات المحلية قبل شهرين كما يريدها هو؟ فما الذي سيقوله لحزب الشعب الجمهوري المعارض اليوم على طريق تعديل الدستور؟ وكيف سيقنعه بقبول تعديلات وترك أخرى؟
تعرّف الأتراك على النصوص الدستورية عام 1876 مع “القانون الأساسي” وهم يغازلون الغرب وقتها في مسائل الإصلاح وإعادة تنظيم شؤون الدولة العثمانية. الدساتير الحقيقية أعلنت في أعوام 1921 1924 ثمّ 1960 و1982. كرّت سبحة الانقلابات أو التلويح بها لتتحكّم في بنية النصوص الدستورية أكثر من مرّة. آخر التهديدات جاءت في عام 2016 مع المحاولة الانقلابية الفاشلة التي أعقبها بعد عام الانتقال بالبلاد من النظام البرلماني إلى الرئاسي الذي تلته نقاشات سياسية وحزبية حادّة لم تتوقّف حتى اليوم. الأقرب بين السيناريوهات هو أن يبحث الحكم والمعارضة عن فرصة إرباك وإضعاف الطرف الآخر ومحاصرته بورقة التعديلات الدستورية كي يحمّله مسؤولية العرقلة والانسداد السياسي ومحاولة الحصول على بعض النقاط التي تعزّز فرصه الشعبية للوصول إلى ما يريد. أكثر من ذلك يعني اجتراح معجزات.
إقرأ أيضاً: غزّة تشطر تركيا إلى شطرين
لمتابعة الكاتب على X: