الرّياض لواشنطن: Take it or leave it

مدة القراءة 7 د

يصلُ وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن إلى العاصمة السّعوديّة الرّياض نهاية الأسبوع للمُشاركة في فعّاليّات “المنتدى الاقتصاديّ العالمي” الذي تستضيفه المملكة يومَيْ الأحد والإثنيْن. فما هو الجديد في رسالة إدارته إلى قادة المملكة؟

 

تكتسبُ أهميّةً كبيرةً زيارةُ وزير الخارجية الأميركيّ أنتوني بلينكن إلى العاصمة السّعوديّة، حيث سيلتقي وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان. تُريد واشنطن أن تُبرِمَ “اتفاقاً تاريخيّاً شاملاً” مع المملكة يُعيد رسم العلاقة الاستراتيجيّة بين البلديْن على جميع الصّعد السّياسيّة والأمنيّة والعسكريّة والاقتصاديّة وحتّى النّوويّة، وذلكَ قبل موعد الانتخابات الرّئاسيّة الأميركيّة بعد 7 أشهر من اليوم.

كانَ الاتفاق يناقش قُدماً حتّى جاءَت عمليّة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023). وبعدها الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة المُستمرّة منذ شهر تشرين الأوّل الماضي.

استطاعَت المملكة أن تُحوّل ما حصلَ في غزّة من “تهديد” للاتفاق إلى “فرصة” تُعطيها أوراق قوّة أكبر في التّفاوض. خصوصاً في الجزء الذي يتضمّن تطبيع العلاقات بين الرّياض وإسرائيل مقابل تثبيت “حلّ الدولتين” وحماية حقوق الشعب الفلسطيني.

ماذا تريد السّعوديّة؟

من يُتابع مجرى التفاوض على الاتفاق، يُدرك أنّ السّعوديّة ليسَت على عجلةٍ من أمرها. فهي ستُقدّم رؤيتها للاتفاقيّة لواشنطن ومن خلفها إسرائيل، على قاعدة Take it or leave it، أي “خُذِ الاتفاقَ كما هو، أو اتركهُ”.

تُريدُ الرّياض أن يتضمّن الاتفاق مُعاهدة “دفاع مشترك” وفق المادّة 5 من ميثاق حلف شمال الأطلسيّ أو ما يُعرف بحلف الـNATO

يقول مصدر أميركيّ مسؤول لـ”أساس” إنّ بلاده لمسَت حسماً وتصلّباً سعوديّاً تجاه حقوق الشّعب الفلسطينيّ. أكثر ممّا كانَ الأمر عليه قبل 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي.

يكشفُ المصدر لـ”أساس” أبرز نقاط البحثِ بين المملكة والولايات المُتّحدة:

1- تُريدُ الرّياض أن يتضمّن الاتفاق مُعاهدة “دفاع مشترك” وفق المادّة 5 من ميثاق حلف شمال الأطلسيّ أو ما يُعرف بحلف الـNATO.

تنصّ هذه المادّة على أنّ الهجوم على عضوٍ من أعضاء الحلف يُعتبر هجوماً على الجميع. وتدخُل في ذلكَ أيضاً الهجمات السّيبرانيّة. إذ اعتبرَ الحلف منذ عام 2016 الحربَ الإلكترونيّة مجالاً عمليّاً للحربِ.

لكنّ واشنطن تطرَح في المُقابل أن تنضمّ المملكة إلى تحالفٍ مُشترك للدفاع الجوّيّ في المنطقة يضمّ الدّول الحليفة لأميركا بما فيها إسرائيل.

2- طلبَت الرّياض أن يتضمّن الاتفاق إنشاء برنامج نوويّ للأغراض السّلميّة. على أن يتضمّن تخصيب اليورانيوم على الأراضي السّعوديّة لصناعة الوقود الذي تحتاج إليه المحطّات.

في المُقابل تطرح واشنطن إقامة هذا البرنامج، شرط أن تُبرمَ الرّياض عقودَ استيراد مع مُورّدين لليورانيوم المخصّب يُتّفق عليهم في وقت لاحق. وهذا ما ترفضه السّعوديّة حتى السّاعة.

تطرح واشنطن إقامة هذا البرنامج، شرط أن تُبرمَ الرّياض عقودَ استيراد مع مُورّدين لليورانيوم المخصّب يُتّفق عليهم في وقت لاحق

3- تُريد السّعوديّة أن يشهدَ الملفّ الفلسطينيّ نقلة سياسيّة تجاه إنهاء الصّراع. يتضمّن ذلكَ إقامة مؤتمر دوليّ للاعتراف بالدّولة الفلسطينيّة على حدود حزيران 1967، وتقديم كلّ الضّمانات السّياسيّة الرّامية لقيام هذه الدّولة بعد الاعتراف بها.

مطلبُ الرّياض أن يكونَ كلّ ذلكَ ضمنَ “مسارٍ لا رجعة فيه”، وليسَ مجرّد التزامٍ كلاميّ، ضمنَ جدولٍ زمنيّ مُحدّد.

يؤكّد هذا ايضاً تحضير المملكة لاستضافة اجتماعٍ لـ”السداسي العربي” الوزاري الأسبوع المقبل، بمشاركة وزراء خارجية السعودية، وقطر، والإمارات، والأردن، ومصر، بالإضافة إلى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ.
ومن المتوقع أن يجتمع “السداسي” مع بلينكن على هامش “المنتدى الاقتصادي”. وستكون قضية “الاعتراف بالدولة الفلسطينية” واحدة من الملفات الأساسية في هذا الاجتماع.
وكان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قال الاثنين الماضي إنّ حديثاً بدأ يتبلور في أروقة الاتحاد الأوروبي، على الأقلّ عند بعض الدول، للاتجاه إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية”.

كما طلبَت الرّياض أن تضغطَ واشنطن على حكومة بنيامين نتنياهو لإعلان وقفٍ شاملٍ لإطلاق النّار في غزّة. وأن يُعقَد مؤتمرٌ دوليّ لإعادة الإعمار ودعم الدّولة الفلسطينيّة.

لكنّ واشنطن ما زالت في مرحلة الحديث مع إسرائيل في هذا الخصوص. ولم تُحقّق خرقاً في ظلّ مُعارضة الائتلاف اليمينيّ الحاكم لأيّ اعترافٍ بالدّولة الفلسطينيّة.

من المتوقع أن يجتمع “السداسي” مع بلينكن على هامش “المنتدى الاقتصادي”، وستكون قضية “الاعتراف بالدولة الفلسطينية” واحدة من الملفات الاساسية في هذا الاجتماع

السّعوديّة: البديل جاهز

هكذا باتَ واضحاً أنّ السّعوديّة تبحثُ عن صورةٍ جديدة للعلاقة الاستراتيجيّة التي تجمعها بالولايات المُتحدة منذ اتفاق “كوينسي” في عام 1943 بين الملك الرّاحل عبد العزيز آل سعود والرّئيس الأميركيّ حينذاك فرانكلين روزفلت. الذي أعلنَ أنّ الدفاع عن المملكة العربية السعودية أمر أساسي للدفاع عن الولايات المتحدة.

منذ هجوم ميليشيات الحوثي على مُنشأتَيْ “بقيق” و”هجرة خُرَيص” النّفطيّتيْن في السعودية منتصف أيلول 2019، لمَسَت القيادة السّعوديّة أنّ العلاقة مع أميركا تحتاج إلى إعادة تقويم. خصوصاً ما يتعلّق بمعادلة “الأمن والدّفاع”.

زادَت من هذه القناعة التصريحات التي أطلقها الرّئيس جو بايدن أثناء حملته الانتخابيّة عام 2020 حولَ المملكة. يومها تعهّد بما سمّاه “محاسبة السّعوديّة وجعلها منبوذة”. وبعد مجيء بايدن، سارعَ بعد دخوله إلى البيت الأبيض لرفع الحوثيين عن قوائم الإرهاب. بعدما أدرجتهم إدارة سلفه دونالد ترامب قبل أسابيع قليلة من تسليمِ السّلطة للإدارة الدّيمقراطيّة على هذه اللوائح.

أوضحَت السّعوديّة في آخر 4 سنوات أنّ لديها بدائل على صعيد الشّراكة السّياسيّة عن الولايات المُتحدة إذا لم تكن الأخيرة مستعدّة للالتزام بأسس علاقاتها مع المملكة.

استطاعَت المملكة أن تلعب بدقّة على صعيد التّوازن الدّوليّ. فأبرمت الاتفاقيات التجاريّة والاقتصاديّة وحتى العسكريّة مع الصّين وروسيا. وأوضحَت وثبّتت أنّها حاجةٌ دوليّة سياسيّاً واقتصاديّاً.

ذهبَت الرّياض بعيداً في الاتفاقيّات مع موسكو. لكنّها في الوقت عينه كانت تستضيف الرّئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كضيفِ شرفٍ في القمّة العربيّة في أيّار 2023.

أوضحَت السّعوديّة في آخر 4 سنوات أنّ لديها بدائل على صعيد الشّراكة السّياسيّة عن الولايات المُتحدة إذا لم تكن الأخيرة مستعدّة للالتزام بأسس علاقاتها مع المملكة

على سبيل المثال، ليسَ تفصيلاً أن تلعبَ الصّين دورَ الوساطة في “اتفاق بكّين” بين السّعوديّة وإيران. اذ تعلم الصين أن حاجتها للسعودية أكثر من حاجة الأخيرة إليها. فبدون الاستقرار في الشّرق الأوسط، ومن دون السّعوديّة وإيران، لا تستطيع الصّين أن تُنشئ “طريق الحرير”. كما أنّ بكّين تُعتبر مستورداً أساسيّاً للنّفط، سواء من السّعوديّة أو من إيران.

تُضاف إلى ما سبق استضافة الرّياض للزعيم الصّيني تشي جين بينغ في القمّة العربيّة – الصّينية أواخر عام 2022. أي بعدَ أشهر من زيارة الرّئيس الأميركيّ جو بايدن للمملكة وعقده لقاءات قمّة مع زعماء عرب على أراضي السّعوديّة.

إقرأ أيضاً: إسرائيل في الضفة الغربية: تفاصيل حرب تهجير صامتة

كانت السّعوديّة تقول لواشنطن حرفيّاً: “نحن جاهزون للشّراكة والتحالف الاستراتيجيّ على قاعدة الاحترام المُتبادل، ولن نكونَ خصماً لأحدٍ لمُجرّد أنّه خصم لواشنطن.. هذا الاتفاق بيننا، Take it or leave it”.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@IbrahimRihan2

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…