ليلة قصف إسرائيل: هل تقرّر أميركا إسقاط نظام إيران؟

مدة القراءة 6 د

بين عامَي 2023 و2024 وقعت أحداث ستشكّل تحوّلات كبيرة في تحالفات المنطقة وخريطتها الجيوسياسية. منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023) وتنفيذ حماس عملية “طوفان الأقصى”. مروراً بالحرب الإسرائيلية غير المسبوقة على قطاع غزة. وصولاً إلى رفح، ثمّ تصفية قادة الحرس الثوري الإيراني وقادة الحزب الميدانيين. وليس ختاماً بالردّ الإيراني المباشر الأوّل من نوعه على إسرائيل بمسيّرات وصواريخ أسقطت معظمها الولايات المتحدة الأميركية قبل وصولها إلى إسرائيللا يمكن قراءة كلّ هذه الأحداث باستخفاف. لأنّ العبث بأمن المنطقة وتحالفاتها سيدفع الضابط الأميركي لأمن المنطقة إلى إعادة حساباته. كما سبق أن فعل في العراق بعد إطلاقه 42 صاروخ سكود على إسرائيل. يومها أيضاً أقنعت أميركا إسرائيل بعدم الردّ. ثمّ بدأ التحالف هجوماً برّيّاً على العراق عام 1991. ثمّ دخل الضابط الأمنيّ الأميركي للمنطقة حرب العراق مسقطاً نظام صدّام حسين عام 2003.. فهل اقتربت إيران من أن تكون “صدّام حسين المنطقة” في العقل الأميركي العميق؟

 

 

 

بعد اغتيال القيادي في الحرس الثوري رضي موسوي داخل سوريا في كانون الأول 2023، اختارت إيران الردّ للمرّة الأولى عبر صواريخ بالستية انطلقت من جنوب غرب الأهواز إلى إقليم كردستان. واستهدفت في إربيل رجل الأعمال الكردي بيشرو دزيي المقرّب من إسرائيل. أظهرت إيران في هذا الردّ قدرتها على إطلاق صواريخ بالستية نحو أهداف إقليمية. ولو أنّها تفادت حينها التصويب مباشرةً على مصالح إسرائيلية أو أميركية.

بعد قصف قنصليّتها في دمشق وجدت إيران نفسها مضطرّة إلى الردّ المباشر على إسرائيل. وذلك بعد سلسلة استهدافات تعرّض لها قادتها قبل قصف القنصليّة. فكانت هذه المرّة الثانية التي تطلق فيها إيران مجموعة مسيّرات وصواريخ… لكن للمرّة الأولى تستهدف إسرائيل.

 إيران استهدفت للمرّة الأولى إسرائيل. إلّا أنّ شكل وحجم الاستهداف كشفا ضعف قدرتها على خوض حرب إقليمية

في قراءة ليلة قصف إسرائيل

لتلك الليلة الطويلة التي سهر فيها العالم العربي وعواصم القرار الغربي لمشاهدة المسيّرات والصواريخ أكثر من قراءة. إلا أنّ مصادر دبلوماسية غربية شدّدت على عدد من المفارقات لا بدّ من تسجيلها:

أوّلاً: إيران استهدفت للمرّة الأولى إسرائيل. إلّا أنّ شكل وحجم الاستهداف كشفا ضعف قدرتها على خوض حرب إقليمية. خصوصاً أنّ مسيّراتها وصواريخها ممنوعة من المرور في الأجواء الإقليمية. وبالتالي أدركت إيران أنّ أيّ حرب إقليمية لن تكون لمصلحة صرف نفوذها في المنطقة. وعليه سيكون صرف نفوذها في تسوية مع الولايات المتحدة الأميركية تضع فيها إيران أوراق قوّتها على الطاولة أفضل من خسارة تلك الأوراق في حرب كبرى.

ثانياً: إسرائيل اكتشفت ضعف قدرتها على صدّ أيّ هجوم من إيران ووكلائها في المنطقة. تحديداً من الحزب الأقرب إليها جغرافيّاً والذي يمتلك صواريخ دقيقة يمكن لها أن تصل إلى العمق الإسرائيلي. وبالتالي لا قدرة لها على الصمود إلا بمساندة أميركا التي أوقفت كلّ المسيّرات والصواريخ التي أُطلقت من إيران. باستثناء القليل منها الذي سقط في قاعدة رامون الجوّية في النقب التي قالت إيران إنّ الغارة على قنصليّتها في دمشق خرجت منها.

ثالثاً: الولايات المتحدة الأميركية أظهرت نفسها في المعادلة أنّها الأقوى والرابح الوحيد في تلك الليلة الاستعراضية. فهي من جهة حاجة لإيران في مفاوضات أُعيد إحياؤها بعد تلك الليلة. وهي ثانياً حاجة لإسرائيل في حماية نفسها من “أعدائها” في المنطقة. وبالتالي لا قدرة لبنيامين نتنياهو على خوض أيّ حرب بمعزل عن رضى حليفه الأميركي الراعي لمنظومته الدفاعية.

البعد البعيد المدى: بداية نهاية نظام إيران؟

على الرغم من إمكانية صرف أحداث استهداف إسرائيل بصواريخ إيرانية بسياقات سياسية مرحلية، إلا أنّ مصادر دبلوماسية غربية تتحدّث عن الأمر على أنّه حدث مهمّ سيكون له أثر مصيريّ في العقل العميق للسياسة الدولية في منطقة الشرق الأوسط.

إسرائيل اكتشفت ضعف قدرتها على صدّ أيّ هجوم من إيران ووكلائها في المنطقة. تحديداً من الحزب الأقرب إليها جغرافيّاً

بالتالي لا تُقوَّم ليلة 13-14 نيسان 2024 بعدد الصواريخ التي سقطت أو لم تسقط، ولا بحجم الدمار والقتل الذي حقّقته. بل تُقوَّم كما تمّ تقويم أحداث 7 أكتوبر. وكما غيَّر تاريخ 7 أكتوبر وجه المنطقة ومسارها السياسي والاستراتيجي، فإنّ أحداث الثالث عشر من نيسان ستغيّر في استراتيجية العقل الأميركي العميق، وتحديداً الممسك بأمن المنطقة وتحالفاتها الاستراتيجية.

من هذا المنطلق، وبغضّ النظر عن اعتبار واشنطن الرابح الوحيد في الاشتباك الإيراني – الإسرائيلي، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية ستضع المنطقة على سكّة تحوّل استراتيجي انطلاقاً من إعادة تقويمها لوضعية إيران في المنطقة بعد سقوط الشاه.

في الذاكرة الجماعية سابقة حصلت مع الرئيس العراقي صدام حسين. في عام 1991 أطلق صدام حسين صواريخ على إسرائيل أثناء حربه على الكويت. يومها أيضاً أقنع الأميركيون إسرائيل بعدم الردّ، ثمّ اتُّخذ القرار بإسقاطه، فأُسقط في حرب العراق تحت عنوان السلاح الكيمياوي.

أطلقت إيران اليوم الصواريخ فتلاعبت بموازين الأمن الإقليمية. فهل تأخذ واشنطن قراراً بإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية بعد سنوات من صونها توازنات المنطقة على ميزان من ذهب؟

أفادت مصادر مطّلعة على اجتماعات نيويورك لصحيفة “الشرق” الإيرانية عن إحياء المفاوضات الأميركية – الإيرانية في نيويورك

أميركا وإيران: عودة المفاوضات

في كلّ المراحل التي مرّت بها المفاوضات الأميركية – الإيرانية، استمرّت وكالة الطاقة الذرّية بمراقبة المفاعلات النووية الإيرانية، واستمرّت بإصدار تقاريرها لمصلحة صيانة المفاوضات لا تفجيرها.

بعد إعادة الرئيس جو بايدن إحياء المفاوضات النووية في لقاءات فيينا وعُمان، استمرّت المفاوضات بوتيرة متفاوتة بحسب ملفّات المنطقة حتى تاريخ 7 أكتوبر الذي غيّر كلّ شيء.

منذ أيام أفادت مصادر مطّلعة على اجتماعات نيويورك لصحيفة “الشرق” الإيرانية عن إحياء المفاوضات الأميركية – الإيرانية في نيويورك، التي سيتابعها مندوب إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني. وأضافت هذه المصادر أنّ المفاوضات تتمحور حول ملفّات المنطقة، وتحديداً ملفّ غزّة.

إقرأ أيضاً: تركيا على خطّ الوساطة.. إبراهيم كالن في بيروت؟

لمن يعرف العقل الأميركي العميق، فإنّ الأحداث التي هدّدت النظام الإيراني العام الماضي والتي بدأت بمقتل مهسا أميني يمكن لها أن تتكرّر تحت عناوين عدّة. من بينها الديمقراطية وحقوق المرأة وغيرهما. تزامناً مع المفاوضات في الملفّ النووي وملفّات المنطقة التي لإيران نفوذ فيها… فهل ننتظر تكرار تجربة عام 1991؟

 

لمتابعة الكاتب على X:

@josephinedeeb

مواضيع ذات صلة

استهداف محمد عفيف: رسالة متعدّدة الأبعاد

توجّه مسؤول وحدة الإعلام في الحزب الحاج محمد عفيف ظهر يوم الأحد الماضي برفقة عدد من مساعديه إلى مقرّ حزب البعث في منطقة رأس النبع…

ساعات حاسمة… ومصير السّلاح مجهول

في الأيام الماضية ضغط جيش العدوّ الإسرائيلي بجولات من قصف صاروخي عنيف ومكثّف لا مثيل له منذ بدء العدوان الجوّي في 23 أيلول الماضي، وتوّج…

كيف يستعدّ الحزب لليوم التّالي؟

بدأ الحزب إعادة ترتيب أولويّاته تحضيراً لليوم التالي في الحرب بعيداً عن التفاصيل الميدانية الحربية والمفاوضات السياسية الحاصلة لإصدار قرار وقف إطلاق النار.   أشارت…

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…