يسرّع رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل خطواته في اتّجاه كسر الحواجز مع خصمه “السابق” الرئيس نبيه بري. زيارة باسيل لجزّين أمس ليست تفصيلاً، حتى لو تحت عنوان افتتاح أعمال الترميم في السوق التجاري، خصوصاً أنّ رسائلها توزّعت بين حدّيْ “ردم” مسار النزاع الكبير مع الرئيس نبيه برّي الذي كانت جزّين إحدى أهمّ ساحاته، وتوجيه رسائل لتيّاره بتجاوز الألغام الداخلية التي “تُطيّر” تباعاً مسؤولين تيّاريّين تمرّدوا على القيادة.
شكّلت انتخابات 2022 ضربة سياسية قاسية للتيار البرتقالي في عرينه قضاء جزين. لم يكن الأمر سهلاً على قيادته خسارة “القلعة العونية” بعد ثلاثية نيابية نظيفة بدءاً من عام 2009. توجّت السيطرة العونية لسنوات على القضاء، وأيضاً مسار الاشتباك المُحتدم مع الخصم الأوّل الرئيس برّي.
يومها أعلن باسيل “تحريره” مقاعد جزّين الثلاثة من قبضة الرئيس بري وحليفه الثابت سمير عازار. ليعود بعد 15 عاماً ويدخل حصراً من بوّابة “بيت عازار” إلى “عرينه” السابق في ظلّ إطباق القوات بنائبَيها غادة أيوب وسعيد الأسمر مع حليف الثنائي السنّيّ أسامة سعد وعبد الرحمن البزري النائب شربل مسعد على مقاعد جزّين الثلاثة، وفي ظلّ الحيثية السياسية لابن القضاء قائد الجيش أحد المرشّحين البارزين لرئاسة الجمهورية، والعداوة المستفحلة مع نائب التيار السابق عن جزّين زياد أسود.
أسباب النكسة
في أيّار العام الماضي كانت جزّين من ضمن المناطق القليلة التي قصدها الرئيس ميشال عون. ابن المكنونية إحدى بلدات القضاء، بعدما أصبح رئيساً سابقاً للجمهورية. في تلك الزيارة كشف جبران باسيل، بحضور عون، عن أسباب الخسارة الموجعة للتيار، ومنها “عدم تأمين التحالفات مع صيدا والريحان. وفي هذا جزء من المسؤولية على بعضنا بسبب خطابه وطريقة تعاطيه”، قاصداً النائب السابق المطرود من التيار زياد أسود.
يسرّع رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل خطواته في اتّجاه كسر الحواجز مع خصمه “السابق” الرئيس نبيه بري
السبب الثاني، كما قال باسيل، “حرصنا الشديد على وحدة التيار وعدم خسارة أيّ منّا. فاخترت وحدتنا الداخلية على التحالفات الانتخابية”. مع العلم أنّ سجلّ جبران باسيل يزخر بالمحطّات الانتخابية التي اختار فيها التحالفات الانتخابية الهجينة على وحدة التيار و”أهليّة” بعض مرشّحيه لخوض الاستحقاق النيابي.
يومها ردّ أسود سريعاً على جبران باسيل قائلاً: “جزّين ردّت عنّي وعليك، وأمس ذكّر أسود بما قاله الرئيس عون لمحازبي التيار عام 2018 حول وجوب إقفال البيوتات السياسية والعائلات في جزين لأنّها فاسدة ووجوب التصويت ضدها حتى لو أدى ذلك إلى استفادة القوات”. لكنّ ما هو أبعد من الخلافات الحزبية طغى يومها مشهد غياب ممثّلي “القوات” (لم توجّه الدعوة لنائبَيها غادة أيوب وسعيد الأسمر) وحركة أمل عن حضور القدّاس الذي أُقيم في كنيسة مار مارون، بحضور الرئيس عون في مقابل حضور مسؤول عن الحزب، ومشاركة حليف برّي النائب السابق إبراهيم عازار فقط في غداءٍ تكريمي أقيم على شرف عون في بكاسين.
باسيل ودلالات الزيارة
هكذا بعد مسار طويل من النزاع مع سمير عازار، الحليف التاريخي لبرّي في القضاء، ثمّ نجله إبراهيم. حطّ باسيل أمس في أولى محطّاته الجزّينيّة في منزل الأخير مُعبّراً عن سروره “للقيام بهذه الزيارة وما تحمله من دلالات”. مؤكّداً “أنّنا ضدّ الإقفال على النفس والانعزال والتقسيم. نحن أمام تحدٍّ كبير، ولنحافظ على خياراتنا يجب أن نتساعد”.
مع العلم أنّ انتخابات 2018 شكّلت أوّل نكسة عونية في القضاء بخسارة التيّار أحد المقعدين المارونيَّين واحتفاظه بالمقعدين الماروني والكاثوليكي. بعدما أزاح زياد أسود عام 2009 سمير عازار، النائب عن جزّين منذ عام 1992، عن مقعده النيابي بفارق خمسة آلاف صوت. ليعود إبراهيم عازار ويستعيد مقعد والده في الانتخابات الماضية.
أمس تقصّد عازار تذكير باسيل بأنّ “بيتنا مفتوح للجميع كما كان مفتوحاً للرئيس عون عام 2009”. وحتى خلال زيارة الرئيس عون لجزّين العام الماضي لم يكن بيت آل عازار من ضمن المحطّات المقترحة في جدول الزيارة الرئاسية.
شكّلت انتخابات 2022 ضربة سياسية قاسية للتيار البرتقالي في عرينه قضاء جزين
تحالف برّي-باسيل في جزّين؟
يقول مطّلعون على حركة جبران باسيل الانفتاحية على الرئيس بري: “لن يكون أمراً صعباً أن نشهد، للمرّة الأولى منذ دخول التيّار البرتقالي المعترك السياسي، على لائحة انتخابية مشتركة بين الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر في انتخابات 2026 في جزّين، كإحدى الفواتير المحتملة التي قد يدفعها باسيل مقابل عدم تغطية وصول سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون إلى سدّة الرئاسة. قد يكون مساراً “مصلحيّاً” للطرفين إذا كان من إحدى نتائجه أيضاً التخلّص من النفوذ القوّاتي المتنامي في جزّين”.
يضيف هؤلاء: “بعد 15 عاماً من الانتصار الثلاثي الكاسح للتيّار في جزين. هل كان ممكناً تصوّر مشهد طرد زياد أسود من التيار، الذي شكّل السلاح الأقوى لميشال عون وباسيل في محاربة الرئيس بري، في مقابل سعي رئيس التيار الحالي إلى فتح صفحة جديدة مع بري. قد تؤسّس لتفاهمات سياسية وانتخابية تحيل إبراهيم عازار حليفاً مرحّباً به على طاولة تكتّل لبنان القوي؟”.
في هذا السياق تروّج مصادر التيّار الباسيليّ “لاجتماعات غير علنية تشمل أكثر من طرف، ومن ضمن بنود هذه اللقاءات محاولة الحدّ من نزيف الفراغ الرئاسي”، مشيرة إلى أنّ “أهمّ محور فيها هو خطّ التنسيق بين باسيل والرئيس بري الذي قد يترتّب عليه ما يُشبِه ورقة التفاهم بين الحزب والتيار. لكن من دون إجراءات إعلانية، بل محاولة ترجمة اتفاقات الغرف المغلقة في الملفّ الرئاسي. وهو واقعُ قد يُستتبع بسلّة تفاهمات تشمل أكثر من ملفّ”.
إقرأ أيضاً: الحزب لباسيل: الكلمة للميدان!
من الشيطنة إلى التحالف؟
في المقابل، تقول مصادر سياسية بارزة لـ “أساس”: “انتقل باسيل من شيطنة آل عازار على مدى سنوات في الاستحقاقات البلدية والنيابية إلى أن يجد نفسه ملزماً بدخول جزّين من بوّابة بري-عازار”. مشيرة إلى أنّ “باسيل بات صاحب خبرة في تبرير تقلّباته في السياسة، وهذه المرّة حاملاً شعار “قوّتنا بانفتاحنا”.
لمتابعة الكاتب على X: