ربح جو بايدن مزيداً من “المونة” على إسرائيل يمكّنه من لجم اندفاعها العسكري ضدّ إيران بعد توظيفه الدفاع عنها في المشهد الانتخابي.
اكتسبت طهران موقع التجرّؤ على الاستهداف المباشر لإسرائيل، الأمر الذي لم يحصل منذ حرب تشرين 1973. كرّس بنيامين نتنياهو دعم الغرب ورمّم الجبهة الداخلية لمواصلة حربه على الفلسطينيين. الحديث عن مكاسب الدول الثلاث يبقى مبتوراً. فكلّ منها حصد أيضاً سلبيّات متفاوتة.
سيبقى تقويم حصيلة الهجوم الإيراني خاضعاً للأخذ والردّ وفقاً لتدحرج الأحداث من بعده. وكلّ تقويم له ما يقابله سلباً أو إيجاباً. الافتراض بأنّ هناك ردّاً إسرائيلياً آتياً على وقع التعاون الأميركي الإسرائيلي سيتحكّم بالتوقّعات. والمواجهة بين إيران وإسرائيل ستنتج المزيد من المواجهات. وإلى أن تتّضح التداعيات في قابل الأيام، تخضع الاستنتاجات لأهواء وتوجّهات مناصري طهران أو خصومها. لكنّ الأهمّ هو أثرها على الحرب الإسرائيلية على غزة:
الانعكاسات الفلسطينيّة… غزّة والضفّة الضحيّة
– حجبت تفاعلات عملية “حرس الثورة” الإيراني بقصف إسرائيل أصل المواجهة الدائرة في المنطقة منذ “طوفان الأقصى”. بات الحديث عن “طوفان” الصواريخ والمسيّرات الإيرانية ضدّ إسرائيل.
– تراجع التركيز على مجازر مخيّم النصيرات وخان يونس… التي استمرّت أثناء حبس الأنفاس الذي سبق قصف إسرائيل، ثمّ في الساعات التي لحقته.
– في وقت اعتبرت حماس أنّ الهجوم الإيراني حقّاً مستحقّاً اندفع المستوطنون ضدّ بلدات الضفة الغربية يومَي 13 و14 نيسان ليرتكبوا الجرائم من دون ضجّة تذكر. وبدا أنّ قضية غزة والضفة ستكون ضحيّة النتائج المترتّبة على المواجهة التي حصلت، وفق أوساط فلسطينية متعدّدة. حتى خطابات الدول المتعاطفة مع القضية الفلسطينية في جلسة مجلس الأمن (روسيا والصين) اقتصرت على المواقف التقليدية.
– حتى التظاهرات التي اعتادت فضائيّات نقلها كلّ نهاية أسبوع في العواصم العالمية اختفى أثرها، على الأقلّ على الشاشات.
مع التمسّك بالدفاع عن إسرائيل كان حاسماً تأكيد المسؤولين الأميركيين لنظرائهم في تل أبيب أنّ أميركا لن تشارك في أيّ هجوم على إيران
قبل المواجهة أفادت التسريبات الأميركية عن مشروع للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين أعدّته إدارة بايدن بقي طيّ الكتمان
– . يشمل خطوات عملية متدرّجة حول استكمال التطبيع العربي مع إسرائيل وخطوات متلاحقة لإقامة دولة فلسطينية في إطار حلّ الدولتين. وسواء كان مقبولاً أم لا، فهل تتيح تداعيات المواجهة هذه طرحه؟ وماذا سيكون الموقف الأميركي خلال اجتماع مجلس الأمن الخميس المقبل لمناقشة الطلب الفلسطيني الاعتراف بالعضوية الكاملة بالأمم المتحدة؟
– هناك من يعتقد أنّ واشنطن قد تندفع لإعلاء شأن الحلّ السلمي من أجل سحب البساط الفلسطيني من تحت قدمَي طهران.
استعاد بايدن المبادرة… تحتاج للتفاهم مع طهران؟
الانطباعات حول ما حقّقته أو خسرته إدارة جو بايدن من الجولة الإيرانية ضدّ إسرائيل تعطي الأخير مكاسب بالنقاط حتى إشعار آخر:
– استعاد بايدن المبادرة في الداخل بعدما اتُّهم من أركان رئيسيّين في حزبه بأنّه “متردّد” في قراراته ويتهاون مع إيران. والجمهوريون اتّهموه بأنّه يضعف إسرائيل بتردّده في دعمها إلى درجة أنّهم يهيّئون لاقتراح تشريع بدعم إسرائيل.
– اكتسب موقع القدرة على لجم إسرائيل من خلال توظيف القدرات العسكرية الأميركية الهائلة لإسقاط القسم الأكبر من طوفان الصواريخ والمسيّرات الإيرانية. أثبت لنتنياهو وغيره في الدولة العبرية أن لا طائل من تبجّح القادة الإسرائيليين باستقلالية قرارهم بالحرب من دون دعم أميركا. ووظّف موقعه هذا لتجميد قرار مجلس الحرب الإسرائيلي أول من أمس بالردّ على الهجوم الإيراني. استثمر بايدن الردّ الإيراني على قصف إسرائيل قنصليّة دمشق ومقتل محمد رضا زاهدي بعلاقته مع إسرائيل.
– مارس ضبطه للصراع بعدما أخرجت كلّ من إسرائيل وإيران ما عندهما من إمكانات ونوايا.
مع التمسّك بالدفاع عن إسرائيل كان حاسماً تأكيد المسؤولين الأميركيين لنظرائهم في تل أبيب أنّ أميركا لن تشارك في أيّ هجوم على إيران.
الانطباعات حول ما حقّقته أو خسرته إدارة جو بايدن من الجولة الإيرانية ضدّ إسرائيل تعطي الأخير مكاسب بالنقاط حتى إشعار آخر
– أمسكت إدارته بخيوط التفاوض مع إيران التي أخذت بجدّية تحذيرات واشنطن من أنّها ستدافع عن إسرائيل، ففتحت خطوط التفاوض. وهو ما أدّى إلى تفاهم على محدودية الضربة. تمكّنت واشنطن من “تنظيم” و”دوزنة” ضربة طهران، بعدما طمأنتها أنّها لا تريد مواجهة معها.
– ظهر في الوقت نفسه أنّ سياسة الولايات المتحدة في المنطقة تحتاج إلى تفاهمات مع طهران إذا كانت تريد حفظ مصالحها. هذا في مقابل احتفاظها بقيادة التحالف الغربي لإبقاء تفوّقها في الشرق الأوسط.
نتنياهو خرج من العزلة وإسرائيل ضعيفة
المكاسب والسلبيّات الإسرائيلية تلقي الضوء على اليوم التالي بالنسبة إلى موقع الدولة العبرية في الصراع:
أخرجت الضربة الإيرانية نتنياهو من عزلته الدولية بعد الحملات المندّدة بارتكاب الجيش والمتطرّفين الفظائع في غزة. هذا يمكّنه من أن يحصل على ضوء أخضر لمواصلة الحملة العسكرية في القطاع والضفة بلا هوادة، لتصفية القضية الفلسطينية. وهو ما ظهر في اليومين الماضيين
– استعاد نتنياهو الالتفاف الداخلي حوله بعد المطالبات باستقالته لتشكيل حكومة برئاسة بيني غانتس أو غيره. وحجبت الضربة الإيرانية عنه الاتّهامات بأنّه يؤخّر صفقة الإفراج عن الرهائن.
– ظهرت إسرائيل في المقابل ضعيفة، إذ تحوّلت إلى محميّة أميركية وغربية لا يمكنها حفظ أمنها من دون دعم خارجي. وتبيّن تصاعد التهديد الوجودي للدولة اليهودية إذا تُركت لوحدها في وجه الفصائل الفلسطينية كما أثبت “طوفان الأقصى”، وكذلك في وجه إيران. وهذا يطرح السؤال حول قدرتها على المواجهة إذا استمرّ استنزافها مع قوى الممانعة، بعد تهديد طهران بضربة “أقسى” إذا واصلت استهدافها “أينما كان”.
مكاسب إيران وخسائرها
ماذا حصدت إيران في ميزان الربح والخسارة من ردّها على إسرائيل، بعد سنوات من اضطرارها إلى تفادي الانتقام الفعليّ من الضربات؟ فردودها كانت محدودة على خسائر تعرّضت لها من إسرائيل وأميركا في سوريا والعراق وفي الداخل الإيراني.
اكتسبت طهران موقع التجرّؤ على الاستهداف المباشر لإسرائيل، الأمر الذي لم يحصل منذ حرب تشرين 1973
– إنّها المرّة الأولى التي تجرؤ فيها على خوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل، بعدما كانت تتّكل على وكلائها فقط. ونفّذت اختباراً كان رمزياً بالنسبة إلى إصابة أهداف عسكرية. مضت عقود لم تواجه الدولة العبرية مثله، إذ يهدّد الردع الذي تحاول استعادته بعد اهتزازه الكبير في 7 أكتوبر.
– استعاد النظام في طهران هيبته في الداخل بعد التشكيك فيه لتفاديه الانتقام لمقتل قيادات “حرس الثورة” وعلماء النووي. كذلك التفاف الجمهور العربي الموالي لها ولوكلائها بعدما جرى وسمها بتركهم يواجهون الآلة الحربية الإسرائيلية في فلسطين ولبنان وسوريا… وهو جمهور يصدّق سرديّات الإعلام الإيراني وقادة الأذرع ولا يأخذ بالأنباء عن صفقة عقدتها مع أميركا لخفض أضرار ردّها على إسرائيل.
– جاء الردّ “محسوباً بدقّة” كما قال وزير خارجيّتها حسين أمير عبد اللهيان، لأنّها في المقابل لم تجرؤ على إلحاق الأذى الكبير بالمنشآت الإسرائيلية المهمّة خشية الردّ الإسرائيلي على منشآتها النووية. وهو ما أطلق منذ فجر اليوم التالي التعليقات عن مسرحية جرى ترتيبها مع أميركا وإسرائيل عبر الدول الوسيطة.
إقرأ أيضاً: الرقص الإسرائيليّ والإيرانيّ على حافة الهاوية
– لم يكن ردّها مباشراً بالكامل، إذ أشركت وكلاءها في العراق والحوثيين، لكنّها لم تشركهم في سوريا. فدمشق أبلغت عبد اللهيان حين زارها عدم رغبتها في الإسهام في المواجهة درءاً لعبء ردّة الفعل الإسرائيلية. أمّا “الحزب” فاكتفى برشقة من الصواريخ والمسيّرات من باب “الإشغال” للدفاعات الجوّية، قبل انطلاق المسيّرات والصورايخ من إيران. فطهران تبقي على الحزب احتياطاً لمواجهة أوسع.
كلّ الاستنتاجات التي يمكن تعدادها وغيرها خاضعة لحجّة مقابلة، سلباً وإيجاباً. فحصيلة الردّ الإيراني خاضعة للتغيير في ضوء ما هو آتٍ.
لمتابعة الكاتب على X: