ريتشارد هاس: مستقبل إسرائيل في السلام… لا الحرب

مدة القراءة 8 د

“لم يكن لإسرائيل الحقّ في الردّ على هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) فحسب. بل كان من الضروري لها أيضاً إظهار أنّ حماس ستدفع ثمناً باهظاً مقابل هجومها. ومنع مثل هذه الهجمات مرّة أخرى واستعادة الرهائن. لكنّ اعتمادها أكثر من اللازم على القوة العسكرية وليس على الدبلوماسية والرؤية السياسية، وقراراتها وأهدافها، جاءت جميعها تقريباً، بالنسبة إلى الدبلوماسي الأميركي المخضرم ريتشارد هاس، بنتائج عكسية. وجعلتها في وضع أسوأ. على حساب نفسها وعلاقتها مع الولايات المتحدة. وعلى حساب حياة الفلسطينيين الأبرياء“. ما هو رأي الدبلوماسي الأميركي المخضرم ريتشارد هاس في ردّ إسرائيل على 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023)؟

هو الذي يُعدّ من أهمّ الخبراء الأميركيين في مجال السياسة الخارجية، كتب في صحيفة “وول ستريت جورنال”: “كانت لإسرائيل خيارات أفضل متاحة في أيّ وقت على مدار أكثر من خمسة أشهر من الصراع”. وما الذي كان بوسع إسرائيل، أو كان ينبغي لها، أن تفعله؟ يجيب هاس: “شيء واحد: الانتظار”.

يذكّر في سياق المقارنة بين هجمات 7 أكتوبر وهجمات 11 أيلول 2001… بأنّه “غالباً ما تتجاهل هذه المقارنة حقيقة أنّ العمليات العسكرية الأميركية للإطاحة بحكومة طالبان في أفغانستان. التي كانت بمنزلة ملاذ لتنظيم القاعدة. لم تبدأ إلا بعد شهر تقريباً. أمّا القرارات المصيرية الأخرى، بما فيها توسيع المهمّة وزيادة عدد الجنود الأميركيين على الأرض، فلم يتمّ اتّخاذها لأشهر أو حتى سنوات”.

هاس شغل منصب كبير مستشاري الشرق الأوسط للرئيس جورج دبليو بوش ومدير السياسة والتخطيط في وزارة الخارجية الأميركية، وكان المنسّق لمستقبل أفغانستان. يعتقد أنّه “لو انتظرت إسرائيل الردّ على حماس بعد 7 أكتوبر، لكانت فظائع حماس قد هيمنت على الأخبار. وهو ما كان سمح لإسرائيل بتركيز الاهتمام الدولي على الهجوم الذي دعمته طهران. وكان من الممكن فرض عقوبات جديدة على إيران، ووقف مساعدات قطر وغيرها لحماس. وكان من الممكن الضغط على كلّ من إيران وحماس لإطلاق سراح الرهائن”.

يجب على الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الضغط على إسرائيل لتوضيح خطوات المسار السياسي للمضيّ قدماً بالنسبة للفلسطينيين

ماذا كان يجب على إسرائيل أن تفعل؟

هذا النهج لم يكن ليستبعد الردّ العسكري، يستطرد هاس، لكن كان ينبغي في رأيه:

– أن تكون الهجمات الانتقامية أكثر دقّة، مع إعطاء الأولوية للقضاء على قيادات حماس ومقاتليها الرئيسيين بقدر ما تسمح به المعلومات الاستخبارية.

– الاعتماد أكثر على عمليات الوحدات الصغيرة بدلاً من القصف الجوّي. الذي يتسبّب بأضرار جانبية أكبر بكثير للسكّان المدنيين. وكان يمكن أن تستغرق مثل هذه الحملة المستهدفة شهوراً أو حتى سنوات. وكان بعض مقاتلي حماس قد أفلتوا من العقاب. لكن كان هذا أفضل من موت الآلاف من المدنيين، وزيادة تطرّف السكّان الفلسطينيين وتنفير المنطقة والعالم.

– إبطاء الجهود العسكرية والعمل على فهم الإخفاقات التي جعلت كابوس 7 أكتوبر ممكناً، وإعادة توجيه أجهزة الاستخبارات. وإعادة تخصيص الموارد الدفاعية. وكما أثبتت الأحداث، فمن غير الواقعي على الإطلاق أن تحقّق إسرائيل هدفها المعلن المتمثّل في القضاء على حماس. سيبقى العديد من أعضاء الجماعة على قيد الحياة. وستستمرّ عناصر عقيدتها، بل وتنتشر. ولكن كان ولا يزال من الممكن الحدّ بشكل كبير من القدرة العسكرية للجماعة ونطاق أيديولوجيّتها.

إسرائيل “بلا سياسة”

بالنسبة لهاس فإنّ “المشكلة في كلّ إخفاقات الردّ الإسرائيلي هي غياب العنصر السياسي. فالحرب التي تدار من دون مسار سياسي محكوم عليها بالفشل”.

ويذكّر بأنّ من دوافع حماس وراء الهجوم “إفساد خطّة السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وإظهار أنّ حماس وحدها هي القادرة على دفع القضية الفلسطينية إلى الأمام. وأنّ الدول العربية غير مهتمّة، وأنّ السلطة الفلسطينية ضعيفة وفاسدة للغاية”.

بالنسبة لهاس فإنّ “المشكلة في كلّ إخفاقات الردّ الإسرائيلي هي غياب العنصر السياسي

كما يعتبر أنّه “كان من الممكن أن تركّز السياسة الإسرائيلية على مدى السنوات الماضية على إثبات خطأ حماس في هذه النقاط. وكان هذا يعني إثبات وجود طرق أفضل من العنف لتعزيز المصالح الفلسطينية المشروعة. كان سيتطلّب من إسرائيل الاستعداد للعمل مع الفلسطينيين الذين يتجنّبون استخدام القوّة ويرغبون في التعايش السلمي. وكان يمكن لهذا الانفتاح على بناء الدولة الفلسطينية أن يكون مصحوباً بنقل الموارد، وبناء القدرات، وفرض قيود على المستوطنات الإسرائيلية. حتى لا نحكم مسبقاً على التقسيم الإقليمي الضروري”.

يعتقد هاس أنّ مثل هذا النهج قد لا ينجح، كما يتّضح من جهود السلام الفاشلة في الماضي. ولم يكن ليمنح الفلسطينيين كلّ ما يريدون، لكنّه كان سيمنحهم أفقاً سياسياً، وأكثر ممّا يأملون تحقيقه من خلال العنف. لكن لسوء الحظ اعتبر الائتلاف الحاكم في إسرائيل أنّ مثل هذا التواصل الدبلوماسي غير مقبول على الإطلاق. بينما بيّنت استطلاعات الرأي أنّ أغلبية من الإسرائيليين يؤيّدون تدمير حماس بالكامل. بغضّ النظر عن مدى استحالة ذلك بالقوّة، وعلى الرغم من التكاليف المتزايدة التي تتحمّلها إسرائيل. ذ

ما هي خيارات إسرائيل حالياً؟

إذاً، يسأل هاس: “ما الذي يمكن لإسرائيل، وما الذي ينبغي عليها فعله، للمضيّ قدماً؟”.

إسرائيل

ويجيب:

أوّلاً، وبغضّ النظر عمّا إذا كانت حماس توافق على وقف جديد للقتال، يجب على إسرائيل وضع حدّ للعمليّات العسكرية الكبرى. بما في ذلك الهجوم المخطّط له على رفح. ولن يكون بمنزلة وقف كامل لإطلاق النار. لكنّه سيمنح المدنيين في غزة فترة راحة من القصف ويسهّل تزويدهم بالأغذية والأدوية وغيرها.

ثانياً، يجب على إسرائيل أن تعمل مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة والدول العربية لضمان دخول هذه المساعدات إلى غزة. ليس فقط من خلال عمليات الإنزال الجوّي أو رصيف غزة المؤقّت الذي تبنيه الولايات المتحدة. بل عبر معابرها الحدودية البرّية حتى يمكن دخول الإمدادات الكافية والتحكّم في توزيعها.

يجب على إسرائيل أن تعمل مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة والدول العربية لضمان دخول هذه المساعدات إلى غزة

ثالثاً، يجب على الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الضغط على إسرائيل لتوضيح خطوات المسار السياسي للمضيّ قدماً بالنسبة للفلسطينيين: ما هو المتوقّع منهم؟ وما الذي ستكون إسرائيل مستعدّة للقيام به في المقابل؟

من المستبعد في ظروف اليوم البدء بالتفاوض على شروط إقامة دولة فلسطينية، لكن يمكن البدء بإقناع الجمهور الإسرائيلي بقبول الفكرة. وهو ما قد يسمح لاحقاً ببدء المفاوضات حول إنشاء دولة فلسطينية وإتاحة الفرصة لنجاحها.

رابعاً، يمكن لإسرائيل تطوير هذه المبادئ بالتعاون مع الولايات المتحدة والسعودية والدول العربية التي تقيم معها علاقات دبلوماسية رسمية. ومع وجود خارطة طريق ذات مصداقية، من المرجّح أن يوافق السعوديون على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والمساعدة في تمويل إعادة إعمار غزة. إلى جانب الدول العربية الغنيّة الأخرى مثل الإمارات العربية المتحدة. وقد توافق عدّة دول عربية على توفير وجود أمنيّ انتقالي للحفاظ على النظام في غزة. ويمكن تضمين خارطة الطريق السياسية في قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. يمكن بدوره أن يشكّل الأساس لمؤتمر سلام إقليمي.

خامساً، يمكن للولايات المتحدة أن تبدأ مناقشة فكرة الدولة الفلسطينية علناً. فهذه الدولة ليست مطلوبة فحسب لأنّ الفلسطينيين الراغبين في التعايش السلمي إلى جانب إسرائيل يستحقّونها. بل ولأنّ إسرائيل تحتاج إلى مثل هذه النتيجة إذا أرادت أن تظلّ دولة آمنة ومزدهرة ويهودية وديمقراطية. وهذه الطريقة الفضلى، وربّما الوحيدة، لتهميش حماس وإعادة بناء الدعم الضروري لإسرائيل في المنطقة والعالم.

في رأي هاس أنّ أمام إسرائيل خيارين في النهاية:

– إمّا أن تبني مستقبلاً يمكن أن يؤدّي إلى سلام مستدام مع العالم العربي ومصالحة إسرائيلية فلسطينية.

– أو الاستمرار في اتّباع طريق الاحتلال والحروب الأبدية الذي رسمه نتنياهو.

إقرأ أيضاً: مركز أبحاث أميركيّ: خطة إيران “الكبرى” المقبلة… إسقاط نظام الأردن

ودعا الولايات المتحدة إلى تشجيع إسرائيل على اختيار الحلّ الأوّل من خلال الإقناع والحوافز. وإذا لزم الأمر، فالعقوبات… بما في ذلك فرض شروط على استخدام الأسلحة الاميركية وفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية مرتبطة بالنشاط الاستيطاني والضمّ.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…

نصائح أوروبيّة وكوريّة… للتّعامل مع ترامب

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأميركية مع…

عماد أمهز: عملية خطف أم إنقاذ؟

هل كان القبطان اللبناني الذي اختطفته إسرائيل وادعت أنه مسؤول عسكري في الحزب، عميلاً مزدوجاً؟ سؤال طرحته مراسلة صحيفة “التلغراف” البريطانية من تل ابيب، بشأن…