كيف نفذ نتنياهو ما طلبه بايدن؟.. عن جيل ونانسي وإفطار البيت الأبيض

مدة القراءة 7 د

نفّذت إسرائيل غارتها ضدّ القنصلية الإيرانية في دمشق في يوم الإثنين في الأوّل من الشهر الجاري. على خلفية هذا الحدث أجرى الرئيس الأميركي جو بايدن بعد أيام، وبالتحديد يوم الخميس في 4 نيسان الجاري، اتّصالاً برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو الأوّل منذ آخر اتصال بينهما في 18 آذار الماضي. ووفق الحدث والروزنامة، يمكن قراءة ما استجدّ على موقف إسرائيل وما تغيّر في مزاج نتنياهو وصحبه.

 

تقصّدت الإدارة في واشنطن صبّ كثير من الدراما على أنباء الاتصال بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو.

– في رواية أولى، فإنّ التواصل كان متوتّراً. وهي رواية صارت مملّة في وصف مصادر واشنطن لاتصالات الرجلين.

– وفي رواية ثانية، فإنّ جيل، زوجة بايدن، حثّت زوجها على ممارسة ضغوط إضافية على إسرائيل لوقف الحرب. وقد نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن بايدن أنّ زوجته قالت له: “أوقفها يا جو.. أوقفها يا جو”.

في الرواية الأولى يظهر بايدن غاضباً من إسرائيل يمارس تمريناً صعباً من الضغوط لوقف الكارثة الإنسانية. وفي الرواية نفسها، أي رواية التوتّر، يظهر نتنياهو عنيداً يواجه حتى الولايات المتحدة دفاعاً عن مصالح بلاده. هنا توفّر الرواية جوائز انتخابية ثمينة لبايدن في رئاسيات بلاده ولنتنياهو في أيّ انتخابات تشريعية مسبقة قد تشهدها إسرائيل.

تبدو قصّة الزوجة مفيدة أيضاً في إطار تجميل صورة عائلة بايدن في تعاطيها مع أزمة إنسانية. تمنح أيضاً بعداً نسائياً يضاف إلى البعد الإنساني. فإذا ما يخاطب الحرص على حياة الغزّيين (تحت عنوان خبيث مثل “تخفيف” عدد القتلى) الكتلة الناخبة الأميركية المسلمة ومجتمع الأقلّيات عامّة، إضافة إلى الجناح اليساري للحزب الديمقراطي، فإنّ التدخّل “الحنون” للسيّدة الأولى يخاطب الكتلة النسائية الناخبة برمّتها في البلاد.

تقصّدت الإدارة في واشنطن صبّ كثير من الدراما على أنباء الاتصال بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو

يقوم جانب أساسي من حراك بايدن الضاغط والغاضب على حسابات انتخابية. بات بحكم المؤكّد أنّ غزّة تلعب دوراً مباشراً في تقرير وجهة ولايات متأرجحة يؤثّر صوت الناخب المسلم مباشرة فيها. وإذا كان الناخب الغاضب لن يمنح صوته، على الأرجح، للمرشّح الجمهوري دونالد ترامب، فإنّ مجرّد الامتناع عن التصويت لبايدن سيشكّل خسارة له يستفيد منها منافسه.

جيل.. ونانسي.. والإفطار

اتّصل بايدن بنتنياهو. وكان الاتصال عاصفاً. قبل الاتّصال بيومين، أي يوم الثلاثاء الماضي، نظّم البيت الأبيض حفل إفطار ضمّ عدداً محدوداً من القيادات الأميركية للجالية المسلمة. فجّرت المناسبة سابقةً بطعم الفضيحة بعد رفض عدد كبير من القيادات المسلمة حضور التقليد السنوي بسبب موقف بايدن من غزّة. وحتى هذا الحفل المتواضع تخلّله توتّر بسبب الأجواء نفسها. تحدّثت أنباء عن “انزعاج البيت الأبيض” بسبب “المقاطعة”. لكنّ السكرتيرة الصحافية للمكان قالت في اليوم التالي إنّ البيت الأبيض يحترم قرار بعض زعماء الجالية العربية الأميركية، ويتفهّم أنّ هذا “وقت مؤلم للغاية”.

الخميس كان يجب التكلّم مع نتنياهو.

لم يتمّ الكشف عن المضمون الحقيقي للمحادثة الهاتفية. لكن أن تنتهي المحادثة بعد 30 دقيقة، فذلك يعني أنّه كان هناك من يتحدّث وهناك من ينصت. كانت أجواء المنطقة تتصاعد إثر تدافع المواقف الإيرانية بشأن حتمية الردّ على غارة القنصلية في دمشق واحتمالات حجمها. وقد تمّ تفعيل قنوات التواصل بين طهران وواشنطن منذ الساعات الأولى للحدث. سواء رسمياً وعلناً عن طريق السفارة السويسرية (راعية المصالح الأميركية)… أو من خلال قنوات خلفيّة متعدّدة.

بانتظار أمر كبير

بدا أنّ حدثاً جللاً ستشهده إسرائيل. حتى إنّ تقارير إسرائيل تحدّثت عن هلع شعبي وعن استعدادات إسرائيلية للأسوأ وعن قراءة لأجهزة الأمن والعسكر الإسرائيلية تحذّر من استحقاق كبير.

نتنياهو فهم من لهجة بايدن ميلاً إلى الذهاب بعيداً، وربّما على نحو غير مسبوق، في علاقة واشنطن بتل أبيب

أبلغت واشنطن طهران أنّها لم تكن تعرف بغارة دمشق، ثمّ قالت إنّها عرفت بوجود مقاتلات إسرائيلية في الجوّ، لكنّها لم تكن تعرف أهدافها. تسرّب من مكالمة بايدن نتنياهو رفض واشنطن لمغامرات نتنياهو غير المحسوبة. حتى في إسرائيل صدرت أصوات إسرائيلية تنتقد ذلك التهوّر في دمشق. بدا أنّ نتنياهو فهم من لهجة بايدن ميلاً إلى الذهاب بعيداً، وربّما على نحو غير مسبوق، في علاقة واشنطن بتل أبيب. استخدمت صحافة واشنطن صيغة مخفّفة تحدّثت عن عزم الإدارة على “تقويم دعم الولايات المتحدة لإسرائيل”.

تاريخ توتّر العلاقات

ليست المرّة الأولى التي تتوتّر فيها علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل. ومع ذلك فإنّ الأمر لم يؤدِّ أبداً إلى التخلّي عمّا سمّاه الرئيس جون كينيدي “العلاقة الخاصّة”:

– توتّرت في السبعينيات مع الرئيس جيمي كارتر، وبقي الرجل منتقداً لإسرائيل بعد مغادرته السلطة وحانقاً على تجربته الصعبة معها. ضغط حينذاك على إسرائيل لإحلال السلام مع مصر وتقديم تنازلات للفلسطينيين. وافقت إسرائيل إثر تلك الضغوط على التوقيع على إطار اتفاق السلام كجزء من اتفاقات كامب ديفيد.

– خلال الانتفاضة الثانية، مارس الرئيس جورج دبليو بوش ضغوطاً على إسرائيل لضبط النفس في الضفة الغربية المحتلّة. اتّهمه رئيس الوزراء أرييل شارون باسترضاء العرب. قال في تشرين الأول 2001 إنّ إسرائيل “لن تكون تشيكوسلوفاكيا”، مقارناً بشكل غير مباشر استسلام رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين أمام هتلر في اتفاقية ميونيخ لعام 1938. غضبت واشنطن فاعتذر شارون.

– في عام 2002، طلب بوش من إسرائيل الانسحاب من الضفة الغربية وإنهاء عملية عسكرية “دون تأخير”، لكنّ الإسرائيليين لم يلتزموا أبداً. نُقل لاحقاً عن برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي السابق، في تشرين الأول 2004، قوله إنّ شارون كان “يتلاعب ببوش بإصبعه الصغير”.

– جرت أيضاً مواجهة بين الرئيس باراك أوباما ونتنياهو بشأن الاتفاق النووي الإيراني. توجّه حينها نتنياهو إلى الكونغرس خطيباً في آذار 2015 من وراء ظهر البيت الأبيض، متحدّياً سيّده تحت سقف الكابيتول. كان بايدن حينها نائباً للرئيس.

كانت أجواء المنطقة تتصاعد إثر تدافع المواقف الإيرانية بشأن حتمية الردّ على غارة القنصلية في دمشق واحتمالات حجمها

لم أكن لأكون رئيساً

يروي إيلان بابيه، المؤرّخ الإسرائيلي المعارض لإسرائيل، أنّ اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة لا يحتاج إلى الاتصال ببايدن ليقول له: “من الأفضل لك أن تدعم إسرائيل”. لأنّه يعلم القواعد ويعلم ما الذي حصل لمن جرؤ ولو قليلاً، مثل أوباما وكارتر، على تحدّي إسرائيل. يضيف أنّ أوباما قال في مذكّراته إنّه أدرك فجأة أنّ أيّ “كلمة يقولها بحقّ إسرائيل قد تسقط الكونغرس”. وأقرّ أنّه لن يكون مخلصاً لغريزته الأساسية في أن يكون مناصراً للفلسطينيين. قال أوباما: “لم أستطع ذلك لأنّني لم أكن لأكون رئيساً”.

لا أحد يتوقّع أن يحقّق بايدن اختراقاً يربك “العلاقات الخاصة” وفق عقيدة جون كينيدي. لكنّ عدّة الرئيس الأميركي لممارسة الضغوط، بما في ذلك نداء جيل الزوجة ونانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة، تضاف إلى تهديدات معيّنة في ظلّ حدث غارة دمشق… أجبر إسرائيل على نحو دراماتيكي على الموافقة على إعادة فتح معبر إيريز المؤدّي إلى شمال قطاع غزة والاستخدام المؤقّت لميناء أسدود في جنوب إسرائيل.

إقرأ أيضاً: الناتو في يوبيله الماسيّ: خطر أميركيّ وتحدٍّ صينيّ

قال بايدن: “إسرائيل تنفّذ ما طلبته”. قبل ذلك بأسبوع، كانت إدارة الرئيس وافقت على شحنات أسلحة جديدة لإسرائيل بقيمة 2.5 مليار دولار، تتضمّن مقاتلات F-35 وقنابل استراتيجية تهدّد المنطقة بحروب أخرى.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@mohamadkawas

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…