للمرّة الثانية في تاريخ الكويت السياسي، تُجرى انتخابات برلمانية في رمضان. الأولى كانت في 2013، والثانية مُقرّرة بعد أيّام. الأسئلة كثيرة بانتظار الأجوبة التي سيكتبها الناخبون في الصناديق يوم الخميس المقبل في 4/4 وتظهر بعد فرز النتائج في اليوم التالي، ثمّ انعقاد أوّل جلسة للمجلس الجديد بحضور الحكومة الجديدة خلال أسبوعين مع ترقّب لخطاب الأمير فيها. وفيما يُقدِّر البعض أنّ الانتخابات بمنزلة “اختبار حاسم” للعلاقة بين القيادة السياسية والحكومة من جهة وبين مجلس الأمّة من جهة ثانية، ستكون الأحداث في الأسابيع المقبلة كفيلة بإزالة بعضٍ من الضباب الذي يلفّ المشهد. ويقوده باتّجاه واحد من 3 سيناريوهات: الاستقرار، دوّامة الحلّ، تعليق الحياة البرلمانية.
المشاركة
تشكّل نسبة المشاركة في الاقتراع عاملاً حاسماً في تحديد الاتجاهات لأنّ الإقبال الكثيف شيء والعزوف شيء آخر. كما يشكّل التوقيت تحدّياً بالنسبة للناخبين، فهو يمتدّ من الساعة 12 ظهراً إلى 12 منتصف الليل. وتشير التوقّعات إلى أنّ الإقبال الأكبر سيكون بعد صلاة التراويح، خصوصاً من النساء.
لكنّ القياس على السابق يشير إلى أنّ المشاركة لن تكون خارج المألوف أو أقلّ منه. فلطالما راوحت بين 50% و60% في السنوات الماضية.
تاريخياً، سُجّلت النسبة الكبرى في المجلس التأسيسي عام 1962 والمجلس المُنتخب في عام 1981 بنسبة وصلت إلى 90%. في حين سُجّلت النسبة الأقلّ في انتخابات عام 2012، التي شارك فيها 52% فقط، وكانت الأولى التي تجرى بنظام الصوت الواحد (كلّ ناخب له صوت لمرشّح واحد في حين كان قبل ذلك يصوّت لأربعة مرشّحين).
ما بين العليا والدنيا، بقيت نسبة المشاركة تراوح بين 56% و85%.
وفي قراءة للأرقام منذ 20 عاماً (بين 2003 و2024)، سُجّلت النسبة العليا في 2003 (80%). وتراوحت في آخر 4 انتخابات (2016، 2020، 2022، 2023) بين 59% و68%.
تقود كلّ التحليلات والتوقّعات إلى أنّ الكويت بعد الانتخابات ذاهبة باتجاه واحد من 3 سيناريوهات
يعتمد المرشّحون القبليون والتقليديون على قواعد ثابتة لا تتأثّر كثيراً بـ”الفخاخ” الانتخابية التي تكثر في الأيام الأخيرة قبل الاقتراع. فيما يعوّل آخرون على “كتلة المتردّدين” التي لا تلتزم عادة بشكل مسبق، وتحسم أمرها في الساعات الأخيرة، وقادرة على ترجيح الكفّة في بعض المقاعد.
الأرقام والدوائر
بلغ عدد المرشّحين والمرشّحات 200. بينهم 74 سبق لهم أن كانوا نوّاباً ويُرجّح أن يعود قسم كبير منهم إلى مجلس الأمّة، مع دخول بسيط لبعض الوجوه الجديدة.
يتنافس هؤلاء على 50 مقعداً موزّعة على 5 دوائر (10 لكلّ دائرة). فيما يبلغ إجمالي عدد الناخبين 834,733، مقسّمين بواقع 405,948 من الرجال و428,785 من النساء.
تتفاوت الأعداد بين دائرة وأخرى. ففي حين يبلغ عدد الناخبين في الدائرة الثانية حوالي 95 ألفاً، يرتفع إلى أقلّ بقليل من 3 أضعاف في الدائرة الخامسة مع حوالي 270 ألف ناخب وناخبة. أمّا الدوائر الأخرى، فيبلغ العدد 104 آلاف في الأولى، و143 ألفاً في الثالثة، و220 ألفاً في الرابعة.
يعني ذلك أنّ المرشّح يمكن أن يفوز بحصوله على حوالي 2,300 صوت إذا كان في الثانية، أو 2,700 إذا كان في الأولى. فيما يرتفع هذا الرقم إلى 3,600 في الثالثة، ليبلغ ذروته في الرابعة (حوالي 5,800) والخامسة (حوالي 6,200).
تمتاز الدوائر الأولى والثانية والثالثة بالتنوّع، ودائماً ما توصل إلى البرلمان نوّاباً من الشيعة والسنّة والبدو والحضر وممثّلي مختلف التيارات الإسلامية والليبرالية وغيرهما. في حين تعتبر الدائرتان الرابعة والخامسة الأصعب لناحية الفوز فيهما لأنّهما تشكّلان الثقل القبَلي، وتشهدان مشاركة كثيفة. الكلمة الأولى والأخيرة فيهما لمرشّحي القبائل، مع وجود قويّ للحضر والإسلاميين السنّة والشيعة.
الحملات
شكّل شهر رمضان فرصة مثالية للمرشّحين لإقامة ندواتهم، لكنّهم واجهوا صعوبة في إتمام مهمّة “زيارة الدواوين” التي تشكّل الشريان الرئيسي بينهم وبين الناخبين، نظراً لضيق الوقت بعد الإفطار. وهو ما دفع قسماً كبيراً منهم إلى تكثيف الظهور على منصّات الإنترنت، خاصة في البرامج الحوارية (البودكاست) التي تلاقي رواجاً واسعاً ويتمّ تداولها على نطاق كبير.
للمرّة الثانية في تاريخ الكويت السياسي، تُجرى انتخابات برلمانية في رمضان. الأولى كانت في 2013، والثانية مُقرّرة بعد أيّام
لكنّ اللافت أنّ الحملات الانتخابية كانت “خاوية” مقارنة بالسابق، فلا عناوين سياسية ولا مطالب معيشية ولا وعود كبيرة. إنّما أحاديث متفرّقة وشدّ للعصب القبَلي وإثارة للغرائز في بعض الأحيان وتنشيط للنخوة في أحيان أخرى، وتوارت المشاريع السياسية. هو ما عكسته عناوين الندوات أو الشعارات الانتخابية من مثل “ما يجب أن يُقال، الكويت تقول كفى، خارج النصّ، حجر الأساس قرار، لأجل الكويت، تحدّي بإرادة شبابية، لهم فيها مآرب أخرى، ستكون يوماً ما نريد، ليست مجرّد ندوة، شعب واحد….”.
على الرغم من ذلك، اختار بعض المرشّحين التصعيد والصوت العالي والتهديد والوعيد. فلم يجدوا أمامهم سوى رئيس الحكومة الشيخ محمد صباح السالم ووزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف، على اعتبار أنّ الأوّل ليس بمنأى عن المحاسبة، وإن كان تاريخه السياسي لا تشوبه شائبة. إذا لم يقرأ النتائج جيّداً في حال تمّ تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة. والثاني بصفته مشرفاً على عمليّة سحب الجنسيّات من الأشخاص الذين تحوم حولهم شبهات بأنّهم حصلوا عليها عن طريق التزوير.
في هذا الصدد، اعتبر الكثير من المرشّحين، وبينهم مؤيّدون للحكومة، أنّ وزير الداخلية هو من أعطى مادّة انتخابية لمرشّحي المعارضة، بقراره تخصيص “خطّ ساخن” للإبلاغ عن المزوّرين (راجع مقال “أساس” بعنوان “ما قصة سحب الجنسيات في الكويت” المنشور بتاريخ 23/3/2024).
السيناريوهات
من المتوقّع أن تفرز الانتخابات 3 مجموعات برلمانية:
– الأولى صوتها مرتفع وأشخاصها مندفعون وبعضهم متهوّر أو مرتبط بصراع الأقطاب في الأسرة الحاكمة.
– الثانية مُعاكسة تماماً للأولى وقريبة من الحكومة ومُلتزمة بتوجيهات القيادة.
– الثالثة بين الأولى والثانية، فلا هي مُعارِضة لمجرّد المُعارَضة، ولا هي “في جيب الحكومة”، وهو ما يجعلها بيضة القبّان.
يضاف إلى الكتل الثلاث، الكتلة الرابعة المكوّنة من الوزراء وعددهم عادة بين 14 و15. ليصبح العدد الدستوري لأعضاء المجلس 64 أو 65.
الأسئلة كثيرة بانتظار الأجوبة التي سيكتبها الناخبون في الصناديق يوم الخميس المقبل وتظهر بعد فرز النتائج في اليوم التالي
إذا كان عدد الكتلة الرابعة معلوماً، فإنّ أعداد الكتل الثلاث ستكون حاسمة في المشهد. لأنّ من شأنها أن تحدّد سلوك النواب في المرحلة المقبلة (راجع مقال “أساس” بعنوان “انتخابات الكويت: النواب الجدد يختارون وليّ العهد؟” المنشور بتاريخ 27/3/2024).
تقود كلّ التحليلات والتوقّعات إلى أنّ الكويت بعد الانتخابات ذاهبة باتجاه واحد من 3 سيناريوهات:
1– الاستقرار: مع نسج علاقة سويّة بين السلطتين، وتفهّم النواب الجدد لطبيعة السياسة الجديدة التي بدأت ترتسم منذ تولّي الأمير الشيخ مشعل الأحمد مقاليد الحكم نهاية 2023. وهو خيار يبدو بعيد التحقق وفق المعطيات القائمة.
2– دوّامة الحلّ: مع عودة النواب إلى الأساليب القديمة نفسها القائمة على التحدّي والمواجهة مع الحكومة، ومحاولة إسقاط وزرائها. وهو ما سيؤدّي إلى حلّ جديد للبرلمان، وانتخابات أخرى بعد الانتخابات الحالية، وهي الثالثة خلال 3 سنوات. هو سيناريو يؤدّي إلى إنهاك النواب وغير مستبعد قياساً إلى النتائج المتوقّعة وإلى التجربة السابقة في 2012 و2013 عندما جرت 3 انتخابات خلال 17 شهراً.
3- تعليق الحياة البرلمانية: مع الذهاب باتجاه الخيار الأصعب والأكثر تعقيداً، الذي كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة. يتمثّل بتعليق بعض موادّ الدستور بما يؤدّي إلى غياب مجلس الأمّة لفترة طويلة عن المشهد. هو ما يسمح للحكومة بالانصراف تماماً إلى تطبيق خطّة التنمية وخطط تنويع مصادر الدخل وتحريك عجلة المشاريع الكبرى. وفق رأي فئات كثيرة تعتبر أنّ المجلس يشكّل عائقاً أمام كلّ ذلك.
ولا تُعدّ تلك الخطوة سابقة في تاريخ الكويت، فقد حدثت مرّتين سابقاً:
– الأولى في عام 1976 عندما أصدر الأمير آنذاك الشيخ صباح السالم أمراً أميريّاً بحلّ المجلس في أعقاب استقالة الحكومة نتيجة استفحال الخلافات بينهما.
تشكّل نسبة المشاركة في الاقتراع عاملاً حاسماً في تحديد الاتجاهات لأنّ الإقبال الكثيف شيء والعزوف شيء آخر
– الثانية في عام 1986 عندما أصدر الأمير آنذاك الشيخ جابر الأحمد أمراً أميريّاً بحلّ المجلس وتعطيل العمل ببعض نصوص الدستور، نتيجة اشتعال الصراع بين الحكومة والمجلس.
بقي الوضع على ما هو عليه حتى عام 1990 عندما تمّ تشكيل المجلس الوطني، ليحلّ محلّ مجلس الأمّة. كان يضمّ في عضويّته 50 عضواً منتخباً، إضافة إلى 25 عضواً معيّناً، ولهذا المجلس اختصاصاته وليس لديه صلاحيات تشريعية.
في كلتا الحالتين، لم تتمّ الدعوة بعد الحلّ إلى إجراء انتخابات خلال شهرين. وفق المادّة 107 من الدستور، وبالتالي اعتُبر حلّاً غير دستوري.
وامتدّ الحلّ في 1976 لمدّة تقترب من أربع سنوات ونصف سنة، وفي 1986 لحوالي ستّ سنوات وثلاثة أشهر.
هل هذا السيناريو وارد أن يتكرّر؟
في موقف لافت، قال النائب والوزير السابق المعارض والمخضرم شعيب المويزري، في لقاء خلال حملته الانتخابية: “من الحكمة أنّ من يُفكّرون بتحويل مجلس الأمّة إلى مجلس أعيان ومجلس شورى أن يصرفوا النظر عن هذه الفكرة… وإذا سألتني عن تحوّل الكويت من إمارة إلى ملكيّة فأنا ضدّه إذا كان من أجل المنصب، وأنا معه إذا كانت الملكيّة تسود ولا تحكم… لأنّ الشعب يجب أن يحكم”.
إقرأ أيضاً: انتخابات الكويت: غرقٌ أم استقرار؟
أضاف: “المرحلة المقبلة ستكون أسوأ مرحلة تمرّ بها الكويت بعد مرحلة الغزو” في التسعينيات، و”أتمنّى ألّا يكون توقّعي صحيحاً”.