يعتبر المجتمع الدولي اليمن دولة فاشلة. لكنّ هذه الدولة الفاشلة تواجه تحالفاً دوليّاً مؤلّفاً من أكبر دول العالم وأشدّها بأساً وأكثرها ثراء وقوّة، التي تتقدّمها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وذلك في الصراع حول من يسيطر على باب المندب. فهل يكون هو باب التسوية؟
تتمثّل قوّة اليمن بطائرات مسيّرة ثمن الواحدة منها لا يتعدّى مئات الدولارات. تواجهها صواريخ مضادّة تطلقها الولايات المتحدة لإسقاطها يقدّر ثمن الصاروخ الواحد منها بمئات الآلاف من الدولارات. وتسيطر هذه “الدولة الفاشلة” على ممرّ بحريّ يربط 35 دولة من دول العالم، ويعبره 20 في المئة من السفن التي تحمل حاويات تجارية بين آسيا وأوروبا. ينقل 10 في المئة من التجارة العالمية، إضافة إلى ما بين 8 و10 في المئة من الغاز والنفط المصدّرين إلى آسيا. وهو باب المندب.
من أجل ذلك يتحكّم هذا الممرّ المائي بالتبادل التجاري بين أوروبا وآسيا، ويشكّل عنق الزجاجة لحركة الملاحة الدولية.
هناك ثلاثة ممرّات مائية استراتيجية في العالم:
– باب المندب الذي تتحكّم بحرّيّة الملاحة عبره القوّات الحوثية اليمنية المسلّحة من إيران.
– مضيق ملقه (ماليزيا) .
– وقناة بنما في أميركا الجنوبية.
من هذه الممرّات الثلاثة يتصدّر باب المندب الأولويّة في الاهتمام الدولي.
تحالف دولي… لم يوقف الحوثيين
شكّلت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً ضمّ عدداً من الدول الكبرى، مثل فرنسا وبريطانيا، لفكّ الحصار الذي يفرضه الحوثيون على هذا الممرّ الحيويّ. تشكّل القوّات الأميركية نواة هذا التحالف وأساسه. وهي تتألّف من خمس مدمّرات ترافق حاملة الطائرات “أيزنهاور”. إضافة إلى قوّة عسكرية متمركزة في جيبوتي القريبة معزّزة بأربع من الطائرات المقاتلة.
تحتاج الولايات المتحدة إلى حشد قِطع أسطولها في شرق آسيا حيث الصراع مع الصين حول تايوان يمكن أن ينفجر في أيّ وقت
علاوة على هذه القوات الأميركية المستنفرة، أرسلت بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى قوات بحريّة إلى المنطقة للمؤازرة. إلا أنّ شيئاً لم يتغيّر. لم يتوقّف الحوثيون عن إطلاق المسيّرات التي تستهدف السفن العابرة. ولم يتوقّفوا حتى عن إطلاق الصواريخ الموجّهة ليس فقط إلى هذه السفن التي تحمل المساعدات إلى إسرائيل، إنّما إلى مرفأ إيلات الإسرائيلي ذاته. حتى إنّ حركة الملاحة من هذا المرفأ الإسرائيلي وإليه قد توقّفت. وهو ما حمل إدارة المرفأ على تسريح عدد كبير من العمّال والموظّفين. وذلك في وقت تواجه فيه إسرائيل أزمة اقتصادية خانقة بسبب تداعيات الحرب الإجرامية على غزة.
حاولت الولايات المتحدة أن تفرض قيام ممرّ آمن عبر باب المندب تحت شعار حماية التجارة الدولية. وحاولت الضغط حتى على دول عربية للمشاركة في إجراءات هذه الحماية، لكن دون جدوى. فعندما كان الحوثيون يقصفون المملكة العربية السعودية (منشآت أرامكو) وحتى دولة الإمارات العربية المتحدة بالصواريخ، كانت الدبلوماسية الأميركية تعمل على توظيف ذلك لابتزاز هذه الدول، لكن دون جدوى.
عندما طلبت السعودية تصنيف قوات الحوثيين حركةً إرهابيةً عارضت الولايات المتحدة للمحافظة على علاقاتها مع إيران من جهة. ورغبة في ابتزاز السعودية من جهة ثانية. اليوم تطالب الولايات المتحدة بالمشاركة العربية في مواجهة الحوثيين بعدما صنّفت حركتهم حركةً إرهابية. وهذا يعني أنّ توجيه القذائف الحوثية إلى السعودية كان في الحسابات الأميركية أمراً قابلاً للبحث. أمّا توجيه هذه القذائف إلى إسرائيل أو إلى المصالح الإسرائيلية فعمل إرهابي!!
صاروخ لردّ المسيّرة… ثمنه أكثر من ألف مسيّرة
الآن تحتاج الولايات المتحدة إلى حشد قِطع أسطولها في شرق آسيا حيث الصراع مع الصين حول تايوان يمكن أن ينفجر في أيّ وقت. لكنّها تشغل نفسها في منطقة باب المندب حيث لم يؤدِّ ذلك إلا إلى استنزاف جهود عناصر هذه القوات ضدّ أعداء شبه حفاة.. يتلقّون الطائرات المسيّرة الرخيصة الثمن من إيران… حيث إنّ كلّ صاروخ مضادّ تطلقه القوات الأميركية لإسقاط واحدة من هذه المسيّرات يبلغ ثمنه أكثر من ثمن ألف طائرة مسيّرة.
تدور مشاكل الشرق الأوسط الساخنة من غزة إلى جنوب لبنان حتى باب المندب حول الموقف الإيراني
حاولت الولايات المتحدة مع حلفائها أن “تقيم فضاء آمناً” في منطقة باب المندب ضدّ المسيّرات الحوثية. لكن دون جدوى حتى الآن. وكانت آخر الضحايا سفينة شحن صينية ربّما تكون قد أصيبت بالخطأ لأنّ الصين تُعتبر خارج معادلة الصراع. وهي خارج التحالف أو التعاون مع الولايات المتحدة في برنامجها “لتحقيق” سلامة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب.
حتى الآن فشلت الدبلوماسية الأميركية. ولم تنجح دبلوماسية التهديد بالقوّة، ولا حتى استخدامها. من غير المحتمل أن تنتقل واشنطن إلى دبلوماسية الاجتياح. إنّ لها تجارب مريرة في ذلك كانت آخرتها أفغانستان. تحاول حتى الآن الاعتماد على نفوذ إيران لدى الحوثيين. لكنّ الثمن الذي تطلبه إيران مرتفع جداً، وهو يتعلّق ببرنامجها النووي.
إقرأ أيضاً: انتخابات روسيا: المسلمون واليهود صوّتوا لبوتين.. لماذا؟
هكذا تدور مشاكل الشرق الأوسط الساخنة من غزة إلى جنوب لبنان حتى باب المندب حول الموقف الإيراني.. وحول الثمن الذي تطلبه إيران من الولايات المتحدة.
السؤال الآن: هل تدفع واشنطن الثمن؟ ومِن حساب مَن؟