حكومة فلسطين الـ19: 100 يوم… قبل المحاسبة

مدة القراءة 5 د

يوم الأحد سوف تقسم حكومة فلسطين التاسعة عشرة اليمين الدستورية أمام الرئيس محمود عباس. ونظراً لأنّ الحكومة تشكّلت بمرسوم منه، ولعدم وجود برلمان يمنح أو يحجب الثقة عنها… فإنّ ثقة الرئيس بها تكفي. وبالفعل أُعلنت عبر مرسوم رئاسي ثقته بها.

 

حكومة فلسطين التاسعة عشرة ولدت بعد إلحاح دوليّ على تشكيلها كي تؤدّي مهامّ إصلاح حال السلطة الوطنية. لتكون قادرة على حمل أعباء المرحلة المقبلة. وهي الأكبر والأثقل في تاريخ الشعب الفلسطيني منذ بدء قضيّته الكبرى قبل ثلاثة أرباع القرن.

هذه الحكومة التي تشكّلت بمرسوم رئاسي ومطلب دولي، خلت من الأسماء التي تنتمي إلى الطبقة السياسية التي عنوانها الفصائل.وهذا بحدّ ذاته أهمّ الشروط التي وضعها العالم للقبول بها، دون تحديد واضح لما سيلتزم به من دعم مباشر وفوريّ لها.

خصوصاً أنّ حكومة فلسطين هذه ستبدأ عملها من تحت الصفر. فهي ترث حكومات أثقلت كاهل الفلسطينيين بالديون. بما في ذلك ديون منتسبيها. أي الموظّفين الذين يصل عديدهم إلى ما يقارب مئتَي ألف. إضافة إلى ديون البنوك التي بلغت مليارات. وذلك مع تناقص فادح في دعم المانحين واقتطاعات أكثر فداحة من المداخيل التي تتحكّم بها حكومة الاحتلال.

إلى جانب ذلك كلّه، تعاظمت خسائر الحرب المتواصلة على غزة وانعكست على صعيد الضفة من خلال فقدان أحد الموارد الأساسية للاقتصاد الفلسطيني. وهو العائدات الضخمة للعمّال الذين للشهر السادس على التوالي لم يضخّوا في عجلة الاقتصاد الفلسطيني “شاقلاً” واحداً.

حكومة فلسطين التاسعة عشرة ولدت بعد إلحاح دوليّ على تشكيلها كي تؤدّي مهامّ إصلاح حال السلطة الوطنية. لتكون قادرة على حمل أعباء المرحلة المقبلة

لن يحاسب المواطن حكومة فلسطين التاسعة العشرة على عدم وفائها بالمهامّ الكبرى التي تضمّنها كتاب تكليفها. مثل استعادة وحدة الوطن والإشراف على إدخال المساعدات لأهل غزة وتنظيم وإدارة عملية إعادة الإعمار. فتلك أمور أكبر بكثير من إمكانيات حكومة تقنيّة، بل ربّما أكبر من إمكانيات العالم كلّه.

التكنوقراط.. وصفة للفشل

لأنّ مطحنة الأحداث ودوّامة المصائب التي ما تزال تحلّ بالشعب الفلسطيني، فقد فرضت عليه أن يكون واقعياً في مطالبه ورهاناته. سوف يُخضع حكومته التاسعة عشرة لقاعدة تقويم موضوعية أساسها إحداث تغيير إيجابي في حياته. وبالقدر الذي يطمئنه على حاضره بالحدود الدنيا ومستقبله كذلك.

حين يكون جزء من شعب الحكومة والسلطة معرّضاً للإبادة، ويتحوّل بلده إلى مكان لا يصلح للعيش… والجزء الآخر مهدّداً بالتهجير القسري تحت ساتر كلمة الطوعيّ. وأرضه مهدّدة بالمصادرة والاستيطان، على نحو يجعلها مجموعة سجون مغلقة من كلّ الجهات. فإنّ ترف عزل الحكومة عن كلّ هذا، تحت مسمّى حكومة تكنوقراط، يبدو الوصفة الحاسمة للفشل، مهما صدقت النوايا وارتفعت الكفاءات المهنيّة فيها.

حكومة فلسطين

ليست المرّة الأولى التي يضع العالم مواصفات محدّدة لحكومة فلسطينية تحظى بتبنّيه ودعمه. أولاها، ويا لمصادفات القدر، حكومة استقلّت عن عرفات وشكّلها محمود عباس.

الدعم الدولي الموعود لحكومة فلسطين حينها تبخّر وتلاشى، والتغوّل الإسرائيلي عليها تعاظم واتّسع. وما كان من رئيسها آنذاك محمود عباس إلا أن قدّم استقالته بعد أقلّ من أربعة أشهر.

مياه كثيرة جرت منذ ذلك الوقت في الأنهار. وأحداث كبرى تعاقبت على فلسطين والمنطقة. منذ تعثّر عملية السلام حتى انهيارها، وتحوّلها إلى حرب دامية هي الأفدح في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. منذ التعثّر ثمّ الانهيار، والعالم كلّه يقف عاجزاً عن إنقاذ الشعب الفلسطيني من المقتلة التي تنفّذها إسرائيل في غزة والضفة بلا توقّف. إلا من وعود كبرى معلّقة على نتائج الحرب الأخيرة التي لم يظهر حتى شهرها السادس ما يشير إلى أنّها في طريقها إلى نهاية تنقل الفلسطينيين من حال إلى حال أفضل.

تعاظمت خسائر الحرب المتواصلة على غزة وانعكست على صعيد الضفة من خلال فقدان أحد الموارد الأساسية للاقتصاد الفلسطيني

الحلّ في أميركا وإيران؟

الفلسطينيون الذين تقودهم طبقة سياسية تنتمي إلى اعتبارات الماضي المتناقضة مع حقائق الحاضر، لم يعد لدى قياداتهم سوى الرهان على خلاص يأتي من العالم المنقسم أصلاً. بعضهم يتطلّع إلى أميركا بذريعة أنّها وحدها القادرة على حمل إسرائيل على التساهل والتنازل. وبعضهم الآخر يتطلّع إلى ما سمّى نفسه معسكر الممانعة بقيادة إيران. وفي هذه المعادلة المستحيلة الكلّ يعرف الحقيقة إلا أنّه مضطرّ إلى تجاهلها ومواصلة الرهان عليها.

لا أنصح بالهجوم على حكومة فلسطين التاسعة عشرة. ولا بكيل الاتّهامات لها من العجز إلى التساوق مع مؤامرة. بل أنصح بأن يأخذ المنطق الواقعي مجراه، ليكون التقويم مبنيّاً على مقياس أكثر صدقية وواقعية. فالحكومة جزء من حالة فلسطينية شاملة تواجه تحدّيات كبرى بل مصيرية، فهل بوسع هذه الحالة بكلّ مكوّناتها أن تنجو ممّا تبيّته إسرائيل لها؟

في هذا الأمر تتساوى حكومة فلسطين مع الرئيس ومع الطبقة السياسية، ومع دافعي الثمن…. الناس.

إقرأ أيضاً: اجتياح رفح: الخلاف “التكتيكي” بين بايدن ونتنياهو

المئة يوم الأولى لحكومة فلسطين التاسعة عشرة تصلح لتقويم التحسّن النسبي في حياة شعبها. وما قبل ذلك وبعده يكون التقويم على أساس ما وصلت إليه الحالة الفلسطينية بإجمالها من تقدّم أو تأخّر. وهذا ما يتطلّب المراقبة والانتظار.

مواضيع ذات صلة

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…

مآلات الحرب على كلّ جبهاتها: سقوط المحور

لم تنتهِ بعد حرب الشرق الأوسط المتعدّدة الساحات والتسميات.. طوفان الأقصى والسيوف الحديدية والإسناد إلخ…. لذا لن تكون قراءة النتائج التي أسفرت عنها نهائية حاسمة،…