البارزاني.. مقاطعة تفتح طريق الانقلاب

مدة القراءة 6 د

قد يكون مفاجئاً لبعض المراقبين، أن تذهب قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان، التي ستجري في العاشر من شهر حزيران المقبل. تحت إشراف مفوضية الانتخابات الاتحادية، وليس المفوضية الخاصة بانتخابات الإقليم التي انتهت ولايتها القانونية أواخر العام الماضي 2023.

المتتبّع للمسار التصاعدي للخلافات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إربيل الفدرالية. قد يرى أنّ المقاطعة ليست سوى نتيجة طبيعية لسلسلة قرارات اتّخذتها بغداد. سواء مباشرة من الحكومة الاتّحادية، أو من خلال قرارات وأحكام المحكمة الاتحادية العليا، التي أصابت قيادة الإقليم البارزانية بصميم قبضتها الممسّكة بمفاصل الإقليم ماليّاً وسياسياً واقتصادياً.

يصبّ قرار قيادة الديمقراطي الكردستاني “البارتي” مقاطعة الانتخابات في مصلحة منافسه حزب الاتحاد الوطني “يكتي” بقيادة بافل طالباني. النجل الثاني لزعيم السليمانية الرئيس جلال طالباني شريك السلطة التاريخي داخل المكوّن الكردي مع الرئيس مسعود البارزاني. بالإضافة إلى الأحزاب الكردية الأخرى التي تحارب استفراد إربيل بالقرار الكردي على حساب المكوّنات الحزبية الكردية الأخرى.

جاء القرار بعد نحو شهر من قرار المحكمة الاتحادية العليا، الذي سحب القرار الماليّ المتعلّق برواتب موظّفي الإقليم من يد حكومة إربيل ووضعه في يد الحكومة الاتحادية، التي باتت مسؤولة مباشرة عن هذه الرواتب.

هو قرار يعبّر عن تراكم القلق لدى قيادة الديمقراطي الممسكة بقرار الإقليم من تنامي تدخّل المحكمة الاتحادية التي تحوّلت إلى سلطة تشريعية. ودفع هذه القيادة إلى التمسّك باتّهام هذا الدور المستجدّ لهذه المحكمة بأنّه يتعارض مع الدستور الفدرالي. واتّهام قراراتها بأنّها تحمل بعداً سياسياً يصبّ في مصلحة القوى السياسية التي تتحكّم بقرار المحكمة الاتحادية في بغداد. خاصة قوى “الإطار التنسيقي” الشيعي المتحالفة مع خصوم الحزب الديمقراطي من القوى الكردية في الإقليم.

الرسالة الأخطر التي حملها قرار الانسحاب من الانتخابات، تكمن في إمكانية ذهاب قيادة الاقليم بقيادة البارزاني

المقاطعة للضغط

قد يكون الهدف من إعلان الديمقراطي والقيادة البارزانيّة الانسحاب من الساحة السياسية عشيّة انتخابات الإقليم. تحويل المقاطعة في المرحلة الأولى إلى ورقة ضغط على بغداد وقوى وأحزاب وفصائل “الإطار التنسيقي”. لتتجاوب مع مخاوفها وتعمل على فتح باب حوار. يؤدّي إلى تجميد أو تعليق العمل بقرار المحكمة الاتحادية في ظلّ صعوبة العودة عنه باعتباره غير قابل للاستئناف أو النقض. فيتمّ العمل بقرار توطين رواتب الموظفين. بالإضافة إلى تعليق العمل بقرار إلغاء “كوتا” المكوّنات الأخرى من آشوريين وكلدان وتركمان وأيزيديين في برلمان إربيل. كمدخل إلزامي إلى تراجع هذه القيادة عن قرار اعتزال المشاركة في الانتخابات المقبلة.

إلّا أنّ الرسالة الأخطر التي حملها قرار الانسحاب من الانتخابات، التي من المفترض أن تحذر منها بغداد وقوى “الإطار التنسيقي”، تكمن في إمكانية ذهاب قيادة الاقليم بقيادة البارزاني ، في حال لم تجد تجاوباً من بغداد مع هواجسها وقلقها، وأصرّت على عدم البحث عن مخارج تساعد على إعادة فتح باب الحوار للخروج من هذا المأزق وهذه الأزمة، إلى إعلان “الانقلاب” على العملية السياسية برمّتها، وأن تذهب إلى خيار تصعيدي بإعلان الانسحاب من العملية السياسية في العراق عامة، أي مقاطعة الحكومة والبرلمان الاتّحاديَّين في بغداد، بحيث تسحب “الشرعية الميثاقية”، حسب الأدبيّات السياسية اللبنانية.

خيار مقاطعة العملية السياسية والانسحاب منها يُحمّل بغداد وأحزاب “الإطار التنسيقي” المسؤولية عن أيّ تطوّرات قد يشهدها الإقليم. خاصة أنّ الإصرار على إجراء انتخابات الإقليم من دون مشاركة الحزب الديمقراطي “البارتي” والقيادة البارزانية يعني فتح الطريق أمام سيطرة الأحزاب الكردية الأخرى. خاصة الاتحاد الوطني “اليكتي”، على العملية السياسية والحكومية في الإقليم الكردي. وما يعنيه ذلك من إلغاء لأيّ دور لـ”البارتي” في كردستان.

 قوى “الإطار التنسيقي” غير المنزعجة من قرارات المحكمة الاتحادية، التي وفّرت عليها الكثير من الجهد والمعارك

العودة إلى مرحلة التسعينيّات

هذا المسار، إذا ما حدث، يعني أنّ الأمور قد تعود إلى مرحلة التسعينيّات. أي عودة الصراع المسلح بين القوى العسكرية الكردية “البيشمركة” بشقّيها التابعين لـ”البارتي” و”اليكتي”. بالإضافة إلى تشكيل حكومتين، كلّ واحدة تابعة لطرف منهما، خاصة أنّ العلاقة بين الطرفين في هذه المرحلة. لا سيما بعد معركة استعادة محافظة كركوك التي خاضتها الحكومة الاتحادية عام 2017 بعد الاستفتاء على الانفصال. وصلت في كثير من المراحل إلى حدود المواجهة العسكرية.

خيار المواجهة المفتوحة على كلّ الاحتمالات لدى القيادة البارزانية، هو خيار وجود. دفاعاً عن دورها وموقعها وتاريخها ومستقبلها السياسي، على المستويين العراقي والكردي. هو قرار أو خيار سيكون نتيجة مراقبتها للأداء السياسي لقوى “الإطار التنسيقي” خلال العامين الماضيين، الذي دفع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى اتخاذ قرار اعتزال الحياة السياسية والاستقالة من البرلمان. بالإضافة إلى المسار الذي اعتمدته هذه القوى في تفكيك مصادر قوّة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي وانتهى بإقالته عبر المحكمة الاتحادية العليا.

كما الصدر كذلك البارزاني

في المقابل، فإنّ قوى “الإطار التنسيقي” غير المنزعجة من قرارات المحكمة الاتحادية، التي وفّرت عليها الكثير من الجهد والمعارك السياسية والقانونية والدستورية للوصول إلى هذه النتيجة. لجأت إلى الأسلوب ذاته، الذي تعاملت به مع قرار الصدر عندما أعلن انسحابه. فحينئذٍ أكّدت على موقعه في العملية السياسية وأهميّته. كما هو الحال في تعاملها مع قرار الديمقراطي، من دون أن تلجأ إلى أيّ خطوة عملية تفتح الباب أمام الصدر للعودة عن قراره. إلا أنّها قد تكون مجبرة هذه المرّة على المبادرة إلى البحث عن حلول تقطع الطريق على أيّ خطوة كرديّة بارزانيّة تصعيديّة. خوفاً من المصير الذي قد تواجهه العملية السياسية برمّتها في العراق. الذي لن تكون الدعوة إلى انتخابات مبكرة أو إقالة الحكومة التي يرأسها محمد شياع السوداني آخر نتائجه.

إقرأ أيضاً: العراق: إيران تحاصر الأكراد… بتسييس المحكمة الاتحادية

مواضيع ذات صلة

2024: زلزال دمشق وصحوة الإسلام السّنّيّ

شهد عام 2024، في قلب وعقل الإسلام العربي السنّي، صحوة على القضيّة الفلسطينية قادتها حماس و”الحزب”، وأفادت منها إيران، لكنّها خلّفت إحباطاً كبيراً بعد شهورها…

فلسطين: نكسة 2024.. 2025 القضية مستمرّة..

ساد قولٌ لا أساس له من الصحّة، مفاده أنّ عملية طوفان الأقصى أحيت القضية الفلسطينية، بعدما لفظت أنفاسها وأصبحت نسياً منسيّاً. ازدهر هذا القول حين…

“الزّلزال الشّيعيّ”: الفالق في طهران والدمار في لبنان

“طوفان الأقصى”، في غزة، يحرّر سوريا من إيران، في 11 يوماً فقط، وبطريقة صادمة ومؤلمة لمحور المقاومة، وللهلال الشيعي خاصة. فكانت ضربتان قاصمتان: الأولى، سقوط…

واشنطن براغماتيّة وليس الجولاني

حين يتسلّم الرئيس ترامب سدّة الرئاسة في 20 كانون الثاني لن يكون أمام إدارته اتّخاذ قرار بالتواصل مع هيئة تحرير الشام لأنّ الإدارة الحالية سارعت…