قبل قراءة المشهد الرئاسي الداخلي المتحرّك بلا بركة حتى الساعة، لا بدّ من التوقّف مطوّلاً وجدّياً عند الرواية التي عملت عليها وكالة رويترز وقاطعتها بين عدّة عواصم وسبعة مصادر كما أعلنت. تتحدّث الرواية عن أنّ إيران سرّبت عبر مسؤولين فيها أنّ الحزب سيخوض الحرب وحيداً إن فُرضت عليه. ليس الكلام تفصيلاً بعد سيناريو ضرب حماس في غزة. وما بين الأمن والسياسة يبدو الحزب عالقاً في مكان اللاعودة واللاتقدّم معلِّقاً معه لبنان بكامله.
نشرت وكالة رويترز رواية نقلت فيها عن مسؤولين إيرانيين حديثاً بين الأمين العامّ للحزب السيد حسن نصرالله وقائد الحرس الثوري إسماعيل قاآني قبل أشهر في لقاء في بيروت. قال فيه نصرالله إنّ الحزب لا يريد توريط إيران في حرب كبرى. وسيخوضها وحده إن فُرضت عليه. قبل التوقّف في قراءة هذا التسريب بحسب مصادر دبلوماسية، لا بدّ من تذكّر ما سبق:
1- تأكيد إيران والولايات المتحدة علناً أنّهما تتقاطعان على عدم رغبتهما في خوض حرب كبرى.
2- تأكيد إيران أنّها لم تكن على علم بعملية 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وليست بوارد الدخول لمساندة حماس في غزة.
3- صدور بيان عن كتائب حزب الله في العراق بتجميد أعمالها القتالية بعد ضرب القاعدة الأميركية وإسقاط قتلى فيها.
4- مسار متقدّم وإن كان خجولاً للمفاوضات بين أميركا وإيران في عُمان.
5- تعرّض الحزب لضربات قاسية من إسرائيل دون الردّ بشكل متكافئ بطلب إيراني.
بعض المصادر الدبلوماسية المعنيّة بقراءة الرسائل المتبادلة بين الحرب والسلم تقرأ فيه رسالة إيرانية واضحة
بناء على كلّ ما تقدّم لا يبدو التسريب الصادر عن الإيرانيين بعيداً عن هذا السياق. فبعض المصادر الدبلوماسية المعنيّة بقراءة الرسائل المتبادلة بين الحرب والسلم تقرأ فيه رسالة إيرانية واضحة. مفادها أنّ تعامل إيران مع حماس في غزة بعد السابع من أكتوبر لن يختلف عنه مع الحزب في حال توسّع الحرب الإسرائيلية على لبنان. لذلك إعلان التسريب يضع الحزب أمام مسؤولية كبرى تجاه اللبنانيين، وسيكون خياره مسؤولية لبنانية بحتة، وسيتحمّل الحزب ولبنان تبعات أيّ حرب مقبلة وحيدين. في المقابل تقول مصادر مطّلعة على جوّ الحزب إنّه لم يتراجع عن موقفه بضمّ جبهة الجنوب إلى حرب غزة ولو كان لا يريد توسيع الحرب على لبنان. آملاً أن تصل المفاوضات المقبلة في الدوحة إلى هدنة سيعمل جاهداً أن تنسحب على لبنان في مفاوضات حول الحدود.
الخماسيّة وسيط بين برّي والقوى الأخرى
رئاسياً، يبدو أنّ الخماسية تحوّلت إلى وسيط بين عين التينة والقوى المعارضة في الدفع باتجاه إجراء تشاور رئاسي يرأسه برّي شخصياً. ولطرح الإشكاليات العالقة جالت الخماسية على القوى المعنيّة وتحديداً برّي من جهة، وبكركي من الجهة المقابلة. حاملةً معها ضغطاً واضحاً سيساهم في وضع رئيس المجلس في موقف محرج قريباً. ويضع القوى المعارضة أمام مسؤوليّتها بتسهيل الانتخاب من دون خلق آلية دستورية جديدة وتكريسها على حساب الدستور في طاولة حوار.
يبدو أنّ مهمة الخماسية بقيت عالقة بين فريقي الاشتباك السياسي بعد جولتها في اليوم الأول. فبقي الرئيس بري على موقفه المبدئي بدوره في الحوار، وعبّرت بكركي عن ضرورة الالتزام بالدستور لانتخاب الرئيس. فسقطت صيغة الاعتدال في هذا النزاع بعدما كانت قد حاولت التوصل إلى “خيرُ الأمور الوسط”.
هل تحوّلت حركة الخماسيّة إلى فولكلور؟
بين انسداد الأفق الأمنيّ وعدم ردّ الحزب حتى الساعة على مبادرة كتلة الاعتدال، خلاصة واحدة يتحدّث عنها مرجع سياسي لـ”أساس”. وهي أنّ الحزب ليس جاهزاً لأيّ طرح رئاسي بعد أو لا يرى في أيّ طرح جدّية كافية للمضيّ قدماً.
بين انسداد الأفق الأمنيّ وعدم ردّ الحزب حتى الساعة على مبادرة كتلة الاعتدال، خلاصة واحدة يتحدّث عنها مرجع سياسي لـ”أساس”
غير أنّ موقف الحزب هذا المعلّق في الأمن والسياسة، سرعان ما سيضع حليفه الرئيس برّي أمام ضغط كبير. على اعتبار أنّ برّي واجهة المجلس وواجهة البلد. وعليه سيتركّز الضغط الدولي في تسهيل أو عرقلة فتح المجلس.
يقول مرجع نيابي إنّ مساعي التشاور في حال نجاحها ستضع الحزب أمام وجوب التوجّه إلى المجلس للمشاركة على أن يبقى التزامه لعدم تطيير النصاب معلّقاً بحسب التسوية المقبلة غير الناضجة حتى الساعة.
إقرأ أيضاً: “طاولة برّي” لن تنعقد والراعي لن يُلَبّي نداء باسيل!
من سيواجه الحزب بطرح جدّي يخرجه عن صمته؟ لا يبدو أنّ أحداً غير الأميركي قادر أن يقوم بهذا الدور بعدما عادت قطر وأكّدت انضواءها تحت لواء الخماسية.
بالانتظار يبقى لبنان مشرّعاً على فراغ سياسي وأمنيّ، ومشرّعاً أمام احتمالية ضربة كبرى سيُترك فيها وحيداً.
لمتابعة الكاتب على X: