“إسرائيل اليوم في خطر كبير”. هذا هو تحذير الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان. ويرى أنّه مع وجود أعداء مثل حماس والحزب والحوثيين وإيران، يجب أن تتمتّع إسرائيل بتعاطف الكثير من العالم. ولكنّ هذا ليس هو الحال. فالطريقة التي أدار بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه المتطرّف الحرب في غزة واحتلال الضفة الغربية، جعلت إسرائيل إشعاعية الخطر.بما يعني أنّ المجتمعات اليهودية في الشتات باتت غير آمنة بشكل متزايد.
يخشى فريدمان من “أن يزداد الوضع سوءاً” في إسرائيل تحت حكم نتانياهو. ويعتبر أنّه لا يمكن لأيّ شخص منصف أن ينكر حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023). الذي أدّى إلى مقتل نحو 1,200 إسرائيلي في يوم واحد.
لا يستطيع أيّ شخص منصف أيضاً أن ينظر إلى الحملة الإسرائيلية لتدمير حماس، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 30 ألف فلسطيني في غزة، نحو ثلثهم من المقاتلين، دون أن يستنتج أنّ شيئاً فظيعاً حدث في تلك المنطقة. فمن بين القتلى آلاف الأطفال، وبين الناجين العديد من الأيتام. وأصبح جزء كبير من غزة أرضاً قاحلة من الموت والدمار والجوع والمنازل المدمّرة.
“حرب المدن تُبرز أسوأ ما في البشر على الإطلاق. وهذا ينطبق على إسرائيل في غزة. وهذه وصمة عار على جبين الدولة اليهودية. لكنّ إسرائيل ليست الوحيدة المسؤولة عن هذه المأساة. فهي وصمة عار على حماس أيضاً التي أطلقت الصراع في 7 أكتوبر دون أيّ تحذير أو حماية أو مأوى للمدنيين في غزة. وفعلت ذلك وهي تعلم جيّداً من تجربتها أنّ إسرائيل ستردّ بقصف معاقل حماس المحفورة تحت المنازل والمساجد والمستشفيات. فلم تُظهر تجاهلاً تامّاً لحياة الإسرائيليين فقط، بل والفلسطينيين أيضاً. لكنّها مصنّفة كمنظمة إرهابية. وهي ليست حليفة للولايات المتحدة ولم تزعم قطّ أنّها تمارس نقاوة السلاح”.
يخشى فريدمان من “أن يزداد الوضع سوءاً” في إسرائيل تحت حكم نتانياهو
يتوقّع “أن تتلقّى مكانة إسرائيل في العالم ضربة قويّة أخرى قريباً. والسبب أنّ نتنياهو أرسل قوات الدفاع الإسرائيلية إلى غزة دون خطة متماسكة لحكمها بعد تفكيك حماس أو وقف إطلاق النار”. ويرى أنّ “هناك شيئاً واحداً أسوأ بالنسبة لإسرائيل: غزة. حيث لا أحد مسؤول. غزة حيث يتوقّع العالم من إسرائيل أن توفّر النظام. لكنّ إسرائيل لا تستطيع ذلك، أو لن تفعل ذلك. وبالتالي فإنّ الوضع سيصبح أزمة إنسانية طاحنة دائمة”.
نتانياهو لا “يدير” حاجات المدنيين
يتحدّث فريدمان عن زيارته أخيراً معبر إيريز بين إسرائيل وغزة برفقة قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا. المسؤول عن عملية الإنزال الجوّي للمساعدات الإنسانية الأميركية. يكشف أنّ الزيارة أوضحت له أنّ “هذا هو بالضبط ما نتّجه إليه. فقد كانت معظم القوات الإسرائيلية في شمال غزة قد انسحبت إمّا إلى منطقة الحدود الإسرائيلية أو على طول الطريق الذي يقسّم غزة من الشمال إلى الجنوب. وستدخل وتخرج من شمال غزة فقط لضرب تهديدات محدّدة من حماس. لكن لم يكن أحد يوفّر الإدارة اليومية للمدنيين الذين تركوا وراءهم، باستثناء بضع مئات من مقاتلي حماس وقادة العصابات المحلية”.
يعتبر الكاتب الأميركي أنّ هذا الأمر يفسّر “المشهد الفوضوي أثناء توزيع الطعام. فإسرائيل تريد تحطيم سيطرة حماس، لكنّها ترفض تحمّل قواتها مسؤولية الإدارة المدنية في غزة. وترفض تجنيد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، التي لديها الآلاف من الموظّفين في غزة، لأداء هذه المهمّة. ونتنياهو لا يريد للسلطة الفلسطينية أن تكون الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. الأمر الذي قد يعطيها فرصة لكسب مصداقية وأن تنمو لتصبح دولة فلسطينية مستقلّة هناك في يوم من الأيام”.
يعتبر فريدمان أنّه لا يمكن لأيّ شخص منصف أن ينكر حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر
بعبارة أخرى، يضيف فريدمان: “لدى إسرائيل رئيس وزراء يفضّل رؤية غزة تتحوّل إلى الصومال، ويحكمها أمراء الحرب. ويخاطر نتانياهو بالمكاسب العسكرية الإسرائيلية في تفكيك حماس بدلاً من الشراكة مع السلطة الفلسطينية أو أيّ حكومة فلسطينية شرعية عريضة القاعدة لا تنتمي لحماس. وذلك لأنّ حلفاءه اليمينيين المتطرّفين. الذين يحلمون بسيطرة إسرائيل على كلّ الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. بما في ذلك غزة. سيطردونه من السلطة إذا فعل ذلك”.
“بيبي” يريد تجنيد غزّاويين ضدّ حماس
يعتقد فريدمان أنّ “حكومة نتنياهو تأمل تجنيد زعماء العشائر الفلسطينية المحلّية في مرحلة ما بعد حماس في غزة”، لكنّه يشكّ بشدّة في نجاح ذلك. “فلقد جرّبت إسرائيل هذه الاستراتيجية في الضفة الغربية في الثمانينيات وفشلت.حيث كان هؤلاء يُوصمون في كثير من الأحيان بالمتعاونين ولم يكتسبوا أيّ قوة حاكمة”.
يستعيد فريدمان قصّتين من ذكريات الماضي كانتا بمنزلة كوابيس نهاريّة وخطرتا له وهو على حدود غزة:
– الأولى ذكرى غزو الولايات المتحدة للعراق بهدف بناء نظام ديمقراطي جديد يحلّ محلّ طغيان صدام حسين. ونجحت إدارة بوش في تفكيك الجيش العراقي وحزب البعث الحاكم من دون خطة متماسكة لإقامة حكم بديل أفضل. وهو ما أدّى إلى تحوُّل العديد من العراقيين المناهضين لصدام حسين إلى خصوم للولايات المتحدة وخلق الظروف الملائمة للتمرّد ضدّها. ويعيد في هذا السياق ما كتبه في 9 نيسان 2003، بعد مرور 20 يوماً على الغزو الأميركي للعراق، حين دخل العراق مع فريق من الصليب الأحمر الكويتي لتسليم الإمدادات الطبّية إلى المستشفى الرئيسي في ميناء أمّ قصر العراقي:
لدى إسرائيل رئيس وزراء يفضّل رؤية غزة تتحوّل إلى الصومال، ويحكمها أمراء الحرب. بدلاً من الشراكة مع السلطة الفلسطينية
غزّة تشبه العراق بعد الغزو الأميركي
“من الصعب الابتسام عندما تفتقر إلى الماء. ومن الصعب التصفيق عندما تكون خائفاً. من الصعب القول: “شكراً لك على تحريري”، عندما يعني التحرير أنّ اللصوص نهبوا كلّ شيء من صوامع الحبوب إلى المدرسة المحلّية… سيكون من الغباء أن نسأل العراقيين هنا عن رأيهم في السياسة. إنّهم في حالة من الطبيعة البدائية ما قبل السياسية. فقد تمّ استبدال صدام بـ”هوبز”، وليس بوش… أعضاء فريق الإغاثة الكويتي أشفقوا على العراقيين. وقاموا بإلقاء طعام إضافي من نافذة الحافلة أثناء مغادرتنا. فتدافع سكان مدينة أمّ قصر للحصول على فتات الخبز. كان هذا مشهد إذلال، وليس تحرير. علينا أن نفعل ما هو أفضل. أميركا كسرت العراق. وأصبحت تمتلكه، وهي تتحمّل المسؤولية الأساسية عن تطبيعه. إذا لم تتدفّق المياه، وإذا لم يصل الطعام، وإذا لم تهطل الأمطار، وإذا لم تشرق الشمس، فهذا خطأ أميركا الآن. من الأفضل أن نعتاد ذلك، ومن الأفضل أن نصحّح الأمور. وأن نفعل ذلك بسرعة وأن نحصل على كلّ المساعدة الممكنة”.
حرب المدن تُبرز أسوأ ما في البشر على الإطلاق. وهذا ينطبق على إسرائيل في غزة. وهذه وصمة عار على جبين الدولة اليهودية
-الذكرى الثانية: يوم 22 أيار 2018، حين كتب فريدمان وهو بالقرب من حدود غزة مع إسرائيل مقالاً بعنوان “حماس ونتنياهو والطبيعة الأمّ”. بالاستناد إلى بيانات من علماء البيئة الإسرائيليين والفلسطينيين أنّ “غزة تعاني من نقص حادّ في البنية التحتية. وخاصة محطات معالجة مياه الصرف الصحّي. بسبب سوء إدارة حماس للاقتصاد وتحويل موادّ البناء لحفر الأنفاق لاختراق إسرائيل. لذا كان سكان غزة يلقون نحو 100 مليون لتر من مياه الصرف الصحّي غير المعالجة في البحر الأبيض المتوسط كلّ يوم”. وتساءل: “لماذا يجب على الإسرائيليين أن يهتمّوا؟ فغزّة موجودة “هناك”، خلف السياج. لكن بسبب التيار السائد في البحر الأبيض المتوسط. فإنّ أغلب مياه الصرف الصحّي غير المعالجة هذه تتدفّق شمالاً إلى مدينة عسقلان الشاطئية الإسرائيلية. موقع ثاني أكبر محطة لتحلية المياه في إسرائيل التي توفّر 15 في المئة من مياه الشرب في إسرائيل. والتي بسبب النفايات العائمة من غزة، اضطرّت إلى الإغلاق مرّات عدّة لتنظيف مرشّحاتها من نفايات غزة”.
إقرأ أيضاً: دينيس روس: إسرائيل لا تستطيع القضاء على المقاومة الفلسطينية
يخلص فريدمان إلى القول: “الإسرائيليون والفلسطينيون يعتمد بعضهم على بعض. والسؤال هو: هل بإمكانهما في يوم من الأيام أن يبنيا اعتماداً متبادلاً صحّياً؟ أم سيحكم عليهما باعتماد متبادل غير صحّي؟ هما في كلّ الأحوال سيكونان مترابطين. يحتاج كلّ مجتمع إلى قائد تحرّكه هذه الحقيقة الأساسية. لكن حتى الآن لا يوجد قائد كهذا في أيّ منهما”.
لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا