هل يمكن لأيّ تسوية رئاسية أو سياسية مقبلة أن تأتي فوق ركام علاقة التحالف بين التيار الوطني الحرّ و الحزب؟ بات السؤال مشروعاً أمام كمّ التراكمات السلبية على خطّ العلاقة المضطرب. التي لم ينفع خطاب الأمين العام للحزب الأخير في “تنفيس” مخزونها. بل دفع الرئيس ميشال عون إلى مزيد من التشدّد وكشف المستور.
حاول نائب كتلة الوفاء للمقاومة حسن فضل الله في حديثه إلى قناة “المنار” قبل أيام تقديم صورة إيجابية عن محضر لقاء وفد الكتلة مع الرئيس عون في مقرّه في الرابية.
وَصَل الأمر إلى حدّ جزمه أنّ “الرئيس عون تحدّث بكلّ عاطفة وتفهّم وتأييد لسماحة السيّد. وقد خرجت بانطباع بأنّ العلاقة بيننا وبين التيار أكثر نضارة، خصوصاً إثر شرح النائب محمد رعد موقف الحزب القويّ جنوباً، بعدما “فَتَحَ عون الموضوع معنا”. وقال الحاج محمد إنّنا “حاسبين خطواتنا جيداً”. وشرح موقفنا العملي والمدروس حيال المذبحة وحدود مساندة غزة بما يُوائم مصلحة البلد. وأكّد الرئيس عون اطمئنانه لهذا الكلام”.
نَسْف لقاء الرابية
لكنّ دبلوماسية الضاحية حيال حليف مار مخايل لم تجد صدى يُذكر لدى الرئيس عون ولا النائب جبران باسيل. فبعد موقف واضح من السيّد، تلا لقاء الرابية، بـ “استمرار جبهات المساندة لغزّة مهما تكن التبعات والتضحيات ومهما طال الوقت”. إضافة إلى إعلان السيّد “عدم استغرابنا لردّات الفعل والجدال (حول ما يقوم به الحزب جنوباً) ونعتبره شيئاً طبيعياً”. بدا لافتاً كلام الرئيس عون للزميل نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”. الذي نَسف فيه “المناخات” التي حاول قياديّو الحزب تعميمها بعد لقاء عون ووفد كتلة الوفاء للمقاومة. من خلال تأكيد عون أنّ “وجهة النظر، التي سمعها من وفد الحزب، ضعيفة غير مقنعة. أنا أعتبرها معركة خاسرة، وأخشى من النتائج لأنّ موازين القوى ليست في مصلحته ولا مصلحة البلد”.
ناجي حايك لـ “أساس”: “كلّ السياق الكلاميّ للرئيس عون وما نعرفه منه شخصياً يؤكّدان رفضه التامّ لفتح الحزب جبهة مساندة لغزّة
تحدّث عون عن “الجنوب الذي بات صورة مصغّرة عن غزة. وأيّ تبرير نسمعه ليس سوى أعذار”. مؤكّداً أنّ “إدخالنا في حرب غزة ليس مقاومة لإسرائيل، كما في عام 2006، ولا دفاعاً عن حدود لبنان كي نكون إلى جانبه. بل تورّط في حرب سوانا، وذهب إليها بمفرده”.
“قطبة” الخلاف: باسيل
لكنّ عون الذي لا يتردّد أمام زوّاره بسرد مآخذه، قبل حرب غزة وبعدها، على الحزب. الذي لم يساندنا بـ “حربنا ضدّ الفساد وبناء الدولة”. كشف علناً للمرّة الأولى القطبة المخفيّة التي ضربت أسس العلاقة حين “نَكَث الحزب بوعدٍ قطعه لباسيل قبل نهاية ولايتي، وهو التوافق على الرئيس المقبل للجمهورية. لكنّه انفرد بترشيح سليمان فرنجية ومحاولة فرض انتخابه على الجميع”.
يقول نائب رئيس التيار للشؤون الخارجية ناجي حايك لـ “أساس”: “كلّ السياق الكلاميّ للرئيس عون وما نعرفه منه شخصياً يؤكّدان رفضه التامّ لفتح الحزب جبهة مساندة لغزّة. في حين أنّ الحزب مش فرقانة معه ولا يهمّه أيّ رأي آخر. وهذا الواقع غير مقبول لأنّه يورّط لبنان في حسابات لا علاقة له بها”.
أمّا لناحية تبنّي الحزب لترشيح فرنجية بما يعاكس وعده لباسيل بالسير بمرشّح توافقي فيقول حايك: “الإشكالية هنا أنّ الحزب اختار شخصية لا تمثّل المسيحيين. وهذا ما نعتبره قلّة احترام للمسيحيين. وزاد الطين بلّة تصلّبهم بتبنّي ترشيح فرنجية ورفضهم البحث بمرشّح آخر. وهذا الواقع لا نقبله، تماماً كما لو كنّا نحاول فرض رئيس مجلس نواب على الشيعة غير الرئيس نبيه برّي. هذا إخلال واضح بالميثاقية أكثر بكثير من ارتباطه بنا كفريق سياسي”.
حيال نتائج تدهور العلاقة بين الحزب والتيار يقول حايك: “سيخسرون حليفاً مسيحياً قويّاً يقف إلى جانبهم. والظاهر أيضاً مش فارقة معهم هذه الخسارة المسيحية”.
حاول حسن فضل الله في حديثه إلى قناة “المنار” قبل أيام تقديم صورة إيجابية عن محضر لقاء وفد الكتلة مع الرئيس عون
الحزب: عون غيّر رأيه!
تقول مصادر وثيقة الصلة بالحزب لـ”أساس”: “نحن نتفهّم موقف الرئيس عون وباسيل في شأن حرب غزة. وخلال لقاء وفد الحزب مع الرئيس عون قدّم الحاج محمد رعد شرحاً وافياً لموقف المقاومة القويّ في غزة وفي لبنان ولكلّ المعطيات التي تشرح أسباب دخولنا المواجهة. وهو الأمر الذي عاد وتحدّث عنه الأمين العامّ للحزب بإسهاب في خطابه الأخير. من جهته أبدى عون ارتياحه الكامل وتأييده للمقاربة التي قدّمها الحاج محمد قائلاً: “يا ريت خبرتوني من قبل، وقد كانت لديّ معطيات مغايرة لهذا الواقع”. كما أنّ عون أفصح عن ارتياحه الكبير حين علم بإدارة الحزب للمواجهة من دون الدخول في الحرب حماية لمصلحة البلد، لكن الظاهر أنّ الرئيس عون غيّر رأيه”.
في ما يتعلّق بالملفّ الرئاسي وإيحاء عون بوجود التزام حيال باسيل قالت المصادر: “خلال اللقاء المعروف الذي حَصَل بين السيّد نصرالله وباسيل قبل نحو عام بادر الأمين العامّ للحزب إلى القول لباسيل بأنّه يثق به وبسليمان فرنجية فقط، وبأنّ ظروف باسيل صعبة لانتخابه رئيساً، طارحاً السير بخيار فرنجية، ويومها رفض باسيل. لكن لاحقاً أرسل الأخير رسالة للحزب مفادها إذا توافرت الأغلبية لفرنجية في مجلس النواب، فهل تسيرون به. لكنّ الحزب لم يردّ. بمطلق الأحوال، إذا سرنا بفرضية باسيل يصبح قرارنا الرئاسي مرهوناً بالموافقة المسبقة من جبران، وهذا أمر غير جائز”.
تقول مصادر الحزب: “نحن نؤيّد أيّ تقارب بين “التيار” والرئيس برّي. هذا الأمر يساعدنا ويريّحنا، خصوصاً إذا تمكّن حليفنا من إقناعه بفرنجية
بين برّي وباسيل
في المقابل، كلام تحت السطوح يشي بمدى توسّع رقعة التباعد بين حليفَي مار مخايل. إذ يسلّم عون وباسيل بأنّ فرنجية هو خيار الحزب وليس خيار الرئيس برّي. مع رهان على محاولة خرق جبهة “الثنائي الشيعي” من خلال التلويح باستعداد رئيس مجلس النواب للسير بمرشّح الخيار الثالث. وبأنّ صاحب الـ 65 صوتاً في انتخابات رئاسة مجلس النواب بحاجة إلى حليف مسيحي ذي ثقل. فيما تباهى بعض العونيين أخيراً بـ “إنجاز” استضافة الرئيس برّي على شاشة محطة “أو تي في” المحسوبة على التيار البرتقالي.
إقرأ أيضاً: مبادرة “الاعتدال” تتقدّم: “الخماسية” تدعمها.. بعد برّي
هنا تقول مصادر الحزب: “نحن نؤيّد أيّ تقارب بين “التيار” والرئيس برّي. هذا الأمر يساعدنا ويريّحنا، خصوصاً إذا تمكّن حليفنا من إقناعه بفرنجية. أمّا الركون إلى الفرضية العونية باستعداد الرئيس برّي للسير بخيار آخر غير فرنجية، فإسألوا الرئيس بري الذي نعلم بأنّه لا يزال على موقفه بترشيح فرنجية”.
لمتابعة الكاتب على X: