أين دور روسيا والصين في ما يجري على شواطىء البحر الأحمر؟
يعتقد خبراء في شؤون الدفاع في بريطانيا أنّ الهجمات التي تشنّها جماعة الحوثي (قوات إيران اليمنيّة) في البحر الأحمر اتّخذت أبعاداً جديدة. وأنّها باتت جزءاً من سياق دولي أوسع من سياقها المحلّي. ولاحظ هؤلاء أنّ ما تمتلكه الجماعة من معلومات بشأن تحرّك سفن الشحن المدنية والمدمّرات والبوارج العسكرية في البحر الأحمر يرجع إلى خبرات وإمكانات مخابراتية دولية عالية. ويخلص الخبراء إلى أنّ مصدر تلك المعلومات قد يكون أعلى من مستوى إيران نفسها حتى لو بقي مصدر هذه المعلومات إيرانياً.
تعتبر تقارير متخصّصة أخرى أنّ شنّ جماعة الحوثي هجمات واسعة. السبت الماضي. استخدمت خلالها عشرات المسيّرات دفعة واحدة ضدّ مدمّرة أميركية وأخرى فرنسية في البحر الأحمر. يُعدّ تطوّراً عسكرياً خطيراً هدفه جرّ واشنطن وحلفائها إلى صراع مباشر يستفيد منه خصوم الولايات المتحدة الاستراتيجيون في العالم. وتدعو هذه التقارير إلى عدم إبعاد التطوّرات الأمنيّة في البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب عن سياق الصراع بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة وتحالف إيران وروسيا والصين.
“الناتو”: الصين وروسيا متورّطتان؟
تدعم مصادر قريبة من قيادة الـ “ناتو” في بروكسل هذه التقارير، وتضعها في سياق سياسي أكثر ممّا تنظر إلى تداعياتها العسكرية. ترى هذه المصادر أنّ روسيا لها مصلحة في إرباك الموقف الأميركي في البحر الأحمر. وتعوّل على ذلك لإرباك سياسة واشنطن حيال حرب أوكرانيا. ولتسعير الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن مبدأ الانخراط العسكري الأميركي في الصراعات الخارجية. ترى أيضاً أنّ الصين معنيّة أيضاً بالنيل من هيبة الولايات المتحدة في البحر الأحمر وخلق انطباع سلبي لدى حلفاء واشنطن في جنوب شرق آسيا.
ترى مصادر مصادر قريبة من قيادة الـ “ناتو” في بروكسل أنّ روسيا لها مصلحة في إرباك الموقف الأميركي في البحر الأحمر
ترجّح مصادر “الناتو” أنّ روسيا والصين. اللتين تمتلكان تغطية من خلال الأقمار الصناعية لنشاط البحر الأحمر. تضعان ما تملكانه من معلومات جوّية، إضافة إلى معلومات مخابراتية بشأن تلك المنطقة، في تصرّف طهران. ولا توضح المصادر هل كانت هذه الترجيحات متأسّسة على معلومات أم هي نتاج استنتاجات تحليلية. غير أنّها تؤكّد أنّ واشنطن تتعامل مع “ساحة المعركة” وفق هذا الاحتمال المستجدّ.
لماذا لا تردّ واشنطن بعنف؟
على الرغم من انتقادات برلمانية وُجّهت إلى حكومة ريشي سوناك في لندن بشأن عجز الضربات البريطانية – الأميركية عن ردع الحوثيين عن تهديد الملاحة الدولية وما سبّبه الأمر من أضرار على الاقتصاد البريطاني… وعلى الرغم من انتقادات داخل الكونغرس الأميركي بشأن المقاربة العسكرية الأميركية في هذا الصدد… فإنّه لا وجود لأعراض حتى الآن توحي في واشنطن بالذهاب إلى مستويات أعلى لردّ الضربات. تلك التي يوجّهها الحوثيون إلى الملاحة في البحر الأحمر وباتت واسعة ومكثّفة ومركّزة.
تستغرب أوساط مراقبة عدم استخدام واشنطن الأسلوب الذي اعتُمد ضدّ الفصائل الموالية لإيران في العراق وسوريا. وذلك إثر تعرّض موقع “برج 22” الأميركي في الأردن بالقرب من الحدود مع سوريا لهجوم بالمسيّرات. وأدّى حينها في 28 كانون الثاني إلى مقتل 3 جنود أميركيين وجرح العشرات. ترى هذه الأوساط أنّ شدّة الضربات الأميركية الانتقامية، بما في ذلك اغتيال قيادات في هذه الفصائل، هي التي أدّت إلى تدخّل إيران لدفع فصائلها إلى وقف الهجمات ضدّ الأميركيين.
في المقابل يلفت خبراء في واشنطن إلى أنّ الفصائل في سوريا والعراق لا تملك إمكانات توسيع هجماتها لخلق أزمة دولية كبرى تستدعي انخراطاً غربياً-أميركياً أوسع. فيما تمتلك جماعة الحوثي تميّزاً استراتيجياً شديد الأهمية بسبب إطلالتها على ممرّات دولية تشكّل أحد أعمدة الاقتصاد الدولي. ويرى الخبراء أنّ الحوثيين مقتنعون أنّ الغرب بقيادة الولايات المتحدة لن يذهب إلى الانخراط في حرب شاملة. وهي حربٌ من شأنها إقفال الممرّات البحرية الدولية في المنطقة، بما في ذلك قناة السويس في مصر.
يلفت خبراء في واشنطن إلى أنّ الفصائل في سوريا والعراق لا تملك إمكانات توسيع هجماتها لخلق أزمة دولية كبرى
أميركا تبحث عن اتّفاق مع إيران
غير أنّ بعض المعلومات تذهب إلى الحديث عن تقاطع في مصالح واشنطن وطهران يجعل من الممكن الوصول إلى تفاهمات تحدّ من ارتفاع منسوب التوتّر في سوريا والعراق وحتى في لبنان. تضيف المعلومات أنّ خطّ التواصل بين واشنطن وطهران يبقى فاعلاً. وهذا ما يفسّر تدخّل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني لدى فصائل العراق. كما تدخّل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والمستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين لضبط مستوى العنف في جنوب لبنان. لكنّ مستوى هذه التفاهمات منخفض أو مفقود في البحر الأحمر. وهدف التصعيد الحوثي هناك هو الوصول إلى تفاهمات بشأن اليمن كما في ملفّات إيرانية أخرى.
يعتقد مراقبون أنّ ظروف الانتخابات الرئاسية الأميركية لا تسمح بالمخاطرة بالذهاب بعيداً ضدّ الحوثيين في اليمن. وتلفت أوساط يمنيّة قريبة من الحكومة المعترف بها دولياً إلى أنّ النداءات التي وجّهتها الحكومة، على لسان رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، بدعم حملة برّيّة تخوضها قوات الشرعية اليمنية، لم تجدّ بيئة دولية منصتة. على الرغم من كثافة لقاءات المبعوثين الدوليين مع العليمي وقيادات أخرى.
إقرأ أيضاً: ميناء بايدن: عودة أميركا… وتهجير أهل غزّة
تلاحظ هذه الأوساط أيضاً أنّ السعودية ودول المنطقة المنخرطة بالشأن اليمني (كما دول غربية)… والتي نأت بنفسها عن التورّط بأيّ أنشطة أو تحالفات معادية للحوثيين، ما زالت لا تؤمن بالمقاربة الأميركية. ولم تبدِ أيّ رأي في الطريقة المثلى لحلّ أزمة الملاحة. وتلاحظ هذه الدول استمرار العواصم الكبرى بإدارة الظهر لأزمة اليمن برّاً. وتركّز اهتمامها بالأزمة بحراً. من دون أيّ اكتراث بمستقبل اليمن ومصيره.