مساران يتقدّمان على خطى متسارعة. مسار الخارج الواعد بانفجار عسكري كبير لن يكون محصوراً بـ “جنوب لبنان”. والدليل تصاعُد العمليات العسكرية على الحدود. ومسار الداخل المتمثّل بمبادرة “كتلة الاعتدال الوطني” التي ترفض الاستسلام على الرغم من كلّ شيء. فهل يتلقّف الحزب المبادرة لتجنّب “الأيّام السود الآتية”؟
تدرك اللجنة الخماسية المعنيّة بملفّ لبنان، ويدرك الرئيس نبيه بري، وتدرك “كتلة الاعتدال الوطني”، أنّ البديل عن السعي إلى حلّ لبناني سيكون كارثياً. لأنّ لبنان أمام خيارين: إمّا الحرب، المتصاعدة بشائرها جنوب لبنان، وإمّا التقاط أنفاسه الداخلية والخارجية وتلقّف المبادرات… رئاسياً وحدودياً.
أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ الموفد الأميركي آموس هوكستين قدّم أفكاراً “جدّية”. وفي معلومات “أساس” أنّ ورقة الأفكار التي قدّمها تتمحور حول عدّة نقاط، أهمّها:
– وقف الأعمال القتالية فوراً من الجهتين، لبنان وإسرائيل.
– وقف الخروقات الجوّية الإسرائيلية فوق لبنان.
– انسحاب مقاتلي الحزب ثمانية كيلومترات شمال الليطاني، مع الأخذ بعين الاعتبار بقاء العائلات في قراها ومنازلها. لكنّ وقف الاستعدادات العسكرية والأمنيّة على الحدود. بما فيها كلّ أعمال الحفر والخيم والمستودعات تحت مسمّيات عدّة.
– انتشار الجيش إلى جانب اليونيفيل على طول الحدود.
– عدم انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلّة في جنوب لبنان. أوّلاً لأنّ سوريا لم تعترف بعد بلبنانية مزارع شبعا. وثانياً لأنّ أهل قرية الغجر يحملون الجنسية الإسرائيلية، وبالتالي قضيّتهم أكثر تعقيداً.
– عدم تخلّي إسرائيل عن النقطة البحرية المعروفة بالـB1، وهي تعتبر استراتيجية لإسرائيل لأنّها تطلّ على مواقع استراتيجيّة إسرائيلية.
– تثبيت الحدود بالنقاط البرّية المتنازَع عليها يحتاج إلى مسار تفاوضي في مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل ترعاها الأمم المتحدة.
– ضمان استقرار الحدود تمهيداً لعودة المستوطنين إلى شمال إسرائيل والجنوبيين اللبنانيين إلى قراهم.
حصول أو عدم حصول الهدنة في غزة، لن يؤثّرا على قرار إسرائيل خوض حربها انطلاقاً من جنوب لبنان
رسائل هوكستين إلى برّي
كيف قرأت أوساط دبلوماسية تعليق رئيس مجلس النواب على هذه الأفكار قائلاً إنّه لن يقبل بأقلّ من تطبيق القرار 1701؟
“هو موقف طبيعي يصدر عن المرجعية الأولى للتفاوض في الدولة اللبنانية حالياً. غير أنّ كلامه لا يقفل باب التفاوض”. إذ فهم برّي جيّداً من هوكستين أكثر من رسالة لم تعد تفصيلاً:
– أوّلاً: إنّ حصول أو عدم حصول الهدنة في غزة، وهي صعبة الحصول حالياً، لن يؤثّرا على قرار إسرائيل خوض حربها انطلاقاً من جنوب لبنان.
– ثانياً: التزام لبنان بهدنة غزة لا يعني التزام إسرائيل وقف عدوانها على لبنان.
– ثالثاً: دعوة أميركية وصلت إلى المسؤولين اللبنانيين بعدم التعويل على موقف واشنطن بوقف أيّ هجوم إسرائيلي على لبنان. كما كان الحال في الأشهر الأولى بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول). لأنّ واشنطن لن تستطيع أن تمنع أيّ عملية عدوانية إسرائيلية على لبنان في حال عدم التوصّل إلى حلّ يضمن استقرار الحدود الجنوبية. وهو ما قاله هوكستين في لقائه ما قبل الأخير مع برّي: “واشنطن تستطيع تأخير الحرب، لكن لا تستطيع أن تمنعها”.
ها هي لحظة الحقيقة قد اقتربت، وربّما يحين موعدها قريباً جداً.
يبدو طريق الهدنة مسدوداً في غزة. وبالتالي هو مسدود في لبنان إذا استندنا إلى كلام أمين عام الحزب الأخير
مبادرة الاعتدال مستمرّة
خارجياً، يبدو طريق الهدنة مسدوداً في غزة. وبالتالي هو مسدود في لبنان إذا استندنا إلى كلام أمين عام الحزب الأخير. لكن يكثر الكلام داخلياً عن انسداد طريق الرئاسة أيضاً إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. وذلك انطلاقاً من رفض الحزب إنجاز الاستحقاق في الوقت الحالي. لكن في الكواليس محاولة جدّيّة ستظلّ مستمرّة في شهر رمضان.
“ليس صدفة أن تتكتّل القوى المسيحية السياسية والروحية، واللجنة الخماسية المتمثّلة بالسفراء، على دعم المبادرة”. لكن لأنّ الاتفاق يحتاج إلى فريقين، كان لافتاً كلام الرئيس بري الأخير. بعد لقائه كتلة الاعتدال. عن أنّه هو “صاحب المبادرات ورئيس المجلس”.
قرأ البعض في كلام برّي نسفاً كاملاً للمبادرة. لكنّ مصادر “الاعتدال” تقول لـ”أساس” إنّها “تتفهّم” كلام بري “انطلاقاً من التوازنات القائمة”. وتؤكّد أنّه “مندفع لإنجاح المبادرة بقدر اندفاع الكتلة نفسها”.
تكمل المصادر بأنّ أجواء الاجتماع كانت إيجابية ولا تشبه ما خرج إلى الإعلام. وأنّه “تمّ الاتفاق على أكثر من نقطة إشكالية. لكنّ نواب الاعتدال لا يريدون التحدّث عنها في العلن قبل عرضها على الكتل السياسية في جولة ثانية ستبدأ هذا الأسبوع”.
الفكرة الأكثر رواجاً أن يدعو مكتب الأمانة العامّة لمجلس النواب إلى التشاور، لا أن تكون الدعوة من شخص الرئيس برّي.
معلومات “أساس” تؤكّد أنّ الأيام الأولى من شهر رمضان لن تحمل صياماً سياسياً
لا بل إنّ معلومات “أساس” تؤكّد أنّ الأيام الأولى من شهر رمضان لن تحمل صياماً سياسياً. بل ستشهد زيارات متبادلة بين سفراء “اللجنة الخماسية” و”كتلة الاعتدال” لمناقشة المبادرة. ومن المتوقّع أن يجمع لقاء ثانٍ سفراء “الخماسية” بالرئيس بري في الأيام المقبلة للوقوف معه على ما يعيق إنجاز الانتخابات الرئاسية.
لتجنّب الأيّام الصعبة الآتية
تقول مصادر الاعتدال إنّ “الجميع بحاجة إلى مخرج لما يمكن أن يكون أكثر خطورة. فعلى البلد أن يتجنّب الانعطاف إلى سيناريو الأيام السود المقبلة”، خصوصاً مع تصاعد التوتّر جنوب لبنان.
أمّا الحزب فأمامه خيارات صعبة أحلاها مرّ. مع كلّ ما يتكبّده من خسائر بشرية في صفوف قياداته. لا سيّما مع دخوله مرحلة صعوبة إقناع شارعه بجدوى حرب جنوب لبنان مساندة لغزّة التي تحوّلت إلى أنقاض. فهو عالق بين قرار اتّخذه مع إيران بعدم التوسّع بالحرب، والتزامه عدم الردّ على كلّ الاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية… وبين عدم القدرة على العودة إلى الوراء. وما بين الواقعين القاسيَين يعيش الجنوبيون خصوصاً واللبنانيون عموماً أسوأ كوابيسهم.
إقرأ أيضاً: في انتظار الهدنة في غزة: ماذا حمل علي خليل إلى الدوحة؟
في الساعات المقبلة ينتظر “الاعتدال” ردّ الحزب على المبادرة التي يمكن أن تفتح باب الخروج من المأزق الرئاسي كممرّ للخروج من المأزق الحدودي. غالباً ما يكون الردّ دبلوماسياً. لكنّه هذه المرّة سيكون مصيرياً بكلّ ما للكلمة من معنى.
فهل يسلك الحزب طريق الخروج الآمن من المأزق؟
لمتابعة الكاتب على X: