يقوم وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأكبر عملية تغيير شاملة في المفاهيم والقيم الفكرية والاجتماعية في تاريخ السعودية. منذ ميلاد الدولة السعودية الأولى حتى اليوم. دون أن يستخدم عبارة أو شعاراً سياسياً مباشراً.
يدرك وليّ العهد السعودي بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ مشروعه في التحديث الشامل يحتاج. بالإضافة إلى تغيير كلّ أدوات ومفاصل وخطط ومعايير الاقتصاد والاستثمار والتنمية في البلاد. يحتاج حتماً إلى تغيير عقول ومفاهيم ورؤى العباد.
من هنا كان التحدّي الأول الذي كان يشغله في بداية شبابه عام 2007 هو كيفية صناعة شريحة متقدّمة وعصرية ومستنيرة من الشباب والشابّات.
كان مشروعه الأول الشخصي هو إنشاء جمعية “مسك” عام 2007 كجمعية أهلية لا تهدف إلى الربح. وتسعى إلى خلق شرعية شبابية منفتحة على العلوم الحديثة والتقنيّات العالمية. لشباب وشابّات معاصرين يجيدون لغات أجنبية ولديهم القدرة على الانسجام والتناغم مع مجتمع الشباب المتقدّم في هذا العالم.
هاجس هذه الفكرة وتلك الرؤية قبل أن يظهر في الأفق أيّ دور قريب لوالده الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير الرياض في حينه. والرجل الأقوى المؤثّر في إدارة شؤون العاصمة وإدارة شؤون العائلة المالكة والأمير المقرّب دائماً من مركز صناعة القرار في الديوان الملكي.
هنا يخطئ خطأً جسيماً من يعتقد أنّ الانفتاح السعودي على العالم هو “قرار شكليّ” أو عمل يراد منه إعطاء انطباع للخارج بأنّ السعودية تتغيّر.
حقيقة الأمر أنّ الانفتاح السعودي هو مكوّن رئيسي، جوهري وأساس من مشروع التغيير الحالي لصناعة “السعودية الجديدة”.
من هنا يخطئ أيضاً من يعتقد أنّ سياسة “الفورمولا 2” العالمية. أو دخول السعودية بقوّة في رياضات مسابقات الغولف أو لعبة البولو الأرستقراطية. هما عمل استعراضي شكليّ للتفاخر.
ويخطئ من يعتقد أنّ دعم الكلاسيكو الكروي السعودي لأهمّ اللاعبين الدوليين. مثل كريستيانو رونالدو وبنزيما والياباني يوسوكي هانيا ومحرز وميتروفيتش ونيمار. هو مجرّد هواية مكلفة للغاية لجمع أكبر وأغلى لاعبين في العالم.
يقوم وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأكبر عملية تغيير شاملة في المفاهيم والقيم الفكرية والاجتماعية في تاريخ السعودية
ويخطئ جدّاً من يعتقد أنّ موسم الرياض الفنّي في الغناء والأعمال المسرحية. واستقدام أفخم المطاعم والأعمال الاستعراضية وتسالي وملاهي الأطفال ونشاط السيرك والأعمال الموسيقية الأوركسترالية. هي محاولة للفت الأنظار فنّياً وثقافياً.
ويخطئ من يعتقد أنّ توطين صناعة السلاح الحديثة في المملكة. ودخول صندوق الاستثمارات السعودي في أكبر مئة شركة مميّزة في العالم. وصناعة أوّل سيّارة كهربائية سعودية هي مجرّد ملء قائمة من الإنجازات التي تخضع لخطّة 2030.
ويخطئ من يعتقد أنّ إنشاء أكبر مشروع سياحي في العالم من ناحية الكلفة الاستثمارية والخيال العلمي في التصميم العمراني غير المسبوق. الذي لم تره البشرية إلا في أفلام “ستار وورد” الهوليوودية الخاصة بمجال الفضاء. هو عمل مقصود به الإبهار العمراني فحسب.
ويخطئ من يعتقد أنّ استحضار مدينة المالديف في جزر البحر الأحمر. واستحضار موناكو في مشروع مدينة “آماد”. وبناء جزيرة شبيهة لميكانوس اليونانية. و”تروجينا” أكبر منتجع تزلّج في العالم هي مجرّد لفت للأنظار العالمية.
السعوديّة دولة تأثير مركزيّة
هذا المشروع يتّصل بـ13 مجالاً استراتيجياً يراد له أن يقفز بالاقتصاد السعودي من 2.6 تريليون ريال ليتجاوز 6.4 تريليونات ريال بحلول 2030.
تدلّ المؤشّرات الحالية من خلال متابعة الإنجاز المستهدف، على أنّ المتحقّق من معظم المجالات سوف يتجاوز هذه الأرقام.
هذا هو الهدف الاستثماري بالأرقام. لكنّ الأهمّ في المشروع التحديثي السعودي هو أن تتحوّل البلاد من دورها القديم التقليدي الذي بدأ يتصاعد. قبل طفرة أسعار النفط في 1974. من دولة “ثروة مالية وتمويل” إلى “دولة تأثير مركزية”.
و”التأثير” أي أن تصبح المملكة لاعباً رئيسياً في ميزان القوى العالمية لا يكتفي بالتأثير الاقتصادي، لكن يهدف إلى التأثير بالقوى الناعمة.
نعم، مشروع القوّة الناعمة السعودية لـ”بن سلمان”، بمعنى أن يكون هناك بطلة غولف سعودية عالمية. وفيلم سعودي شابّ يدخل الأوسكار. وأن يأتي أكبر يخوت أثرياء أوروبا ليمضوا إجازتهم في موانئ “نيوم”. وأن تكون أكبر “إكسبو” بالرياض. وتفوز السعودية بتنظيم كأس العالم لكرة القدم. وأن تصبح السعودية أحد أكبر المقاصد السياحية في العالم.
تدلّ المؤشّرات الحالية من خلال متابعة الإنجاز المستهدف، على أنّ المتحقّق من معظم المجالات سوف يتجاوز هذه الأرقام
السعوديّة العظمى
حلم أن تكون السعودية دولة إقليمية عظمى. ورائدة في أوبك بلاس. وعضو في البريكس. ومؤثّرة في الممرّ الاقتصادي الجديد. وعضو في مجموعة العشرين. هو جزء من الصورة الكلّيّة لحلم وليّ العهد السعودي.
جهد السعوديين الآن ، حتى في الاستثمار، هو زيادة مداخيل العلاقات غير النفطية. والتعامل سياسياً بحلول غير الصورة الزمنية لشيوخ النفط من إيصال رسالة واضحة: نحن لسنا تجّار نفط لا يملكون سوى دفتر شيكات، عندنا أكبر من ذلك جداً.
إقرأ أيضاً: الخليج 2024: تنظيم التنافس والتكامل؟
“قوّة التأثير” هنا هي خلاصة عناصر قوّة مادّية واقتصادية وعسكرية ومعنوية بحلول 2030، بحيث تؤسّس الرياض لمركز قويّ في المنطقة والعالم يضيء لها:
1- أن تكون طرفاً فاعلاً في صناعة وتكوين القرارات الكبرى في المنطقة.
2- أن تزداد قدراتها الذاتية في الاستقلالية الكاملة في صناعة قراراتها المصيرية بأقلّ قدر من ارتهان هذه القرارات لأيّ قوى أخرى.
3- أن تعيش المنطقة بدءاً من 2030 ما يمكن أن نطلق عليه “الحقبة السعودية”.
لمتابعة الكاتب على X: