بسبب السخط الشعبي المتنامي على نطاق واسع، وتدهور الظروف الاقتصادية، وتزايد الصراع على السلطة بين النخب. يرجّح كبير الباحثين في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة في واشنطن العاصمة الدكتور كامران بخاري. مع تراجع نفوذ المرشد خامنئي. “أن تقرّر القوات المسلّحة مستقبل النظام الإيراني”.
يعتقد بخاري الذي شغل سابقاً منصب منسّق دراسات آسيا الوسطى في معهد الخدمة الخارجية التابع لوزارة الخارجية الأميركية. أنّ “جيلاً جديداً من القادة الإيرانيين ينشأ الآن، وهو جيل أكثر تشدّداً أيديولوجياً بكثير ممّا أنتجته البلاد منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية قبل 45 عاماً. فقد كان صعوده نتيجة سعي النظام الذي يهيمن عليه الثيوقراطيون منذ فترة طويلة إلى الحفاظ على نفسه في مواجهة عامّة الناس. الذين يشعرون بخيبة أمل متزايدة منه”. ويعتبر أنّ من المؤشّرات “الحجم غير المسبوق للتخطيط والتدبير في انتخابات البلاد لعام 2024 الذي يبيّن اشتداد الصراع الداخلي على السلطة قبل خلافة المرشد الأعلى الجديد”.
الأيديولوجيّون في مواجهة البراغماتيّين
عن “الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء لعام 2024. التي أجريت في الأوّل من آذار. والتي شهدت أدنى نسبة مشاركة منذ تأسيس النظام في عام 1979”. يركّز الباحث على المفاجأة الكبرى التي أسفر عنها التصويت الخاصّ بمجلس الخبراء. وهو الهيئة الدينية المكوّنة من 86 عضواً، والتي تتمتّع بسلطة انتخاب المرشد الأعلى وعزله من منصبه. حيث خسر صادق لاريجاني مقعده. وهو الذي شغل منصب رئيس المحكمة العليا لمدّة عقد من الزمان. ويعتبر أنّ هذه الخسارة واستبعاد الرئيس الأسبق حسن روحاني. الذي تولّى فترتين، وكان شخصية بارزة في الأمن القومي منذ تأسيس النظام، وشغل العديد من المناصب الرئيسية في العديد من مؤسّسات النخبة. في تصويت مجلس الخبراء. يؤكّدان كيف تمّ التلاعب بانتخابات هذا العام.
كان المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي دوماً الحكم بين مختلف الفصائل التي تتنافس على السلطة والنفوذ
في رأي بخاري أنّ “هندسة وإدارة هذه الانتخابات مصمّمتان لمنح المحافظين الإيرانيين اليد العليا. فقد كان مجلس صيانة الدستور. وهو هيئة دينية مكوّنة من 12 عضواً تتمتّع بسلطة الموافقة على المرشّحين للمناصب العامّة. قد عمل على استبعاد جماعي للإصلاحيين. وهو ما أدّى إلى تفاقم الصراع على مدى السنوات الماضية. حيث بدأت الفصائل المحافظة المتنافسة بالاشتباك. وكان الصراع بين البراغماتيين والأيديولوجيين شديداً بشكل خاص خلال رئاستَي محمود أحمدي نجاد وروحاني، اللذين قاد كلّ منهما إيران لفترتين، من 2005 إلى 2021”.
التدخّل العلنيّ لخامنئي
كان المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي دوماً الحكم بين مختلف الفصائل التي تتنافس على السلطة والنفوذ. لكنّ هذه العملية. التي كانت تحدث عادة خلف الكواليس. لم تتطلّب خلال العقدين الماضيين، وفقاً للباحث، تدخّله الشخصي بشكل متزايد فحسب. بل أصبحت أيضاً أكثر علنية، خاصة خلال عهد أحمدي نجاد (2005-2013) عندما لم يتشاجر الرئيس المستقلّ آنذاك مع زملائه المحافظين في المؤسّسة فحسب. بل تحدّى خامنئي أيضاً خلال فترة ولايته الثانية. ونتيجة لذلك، أصبحت خطوط الصدع داخل الحركة المحافظة أكثر حدّة، في وقت كانت الولايات المتحدة تفرض المزيد من العقوبات. وكان الحلّ الذي قدّمه خامنئي هو السماح بعودة القوى المحافظة البراغماتية. في انتخابات عام 2013، التي شارك فيها ما يقرب من 73% من الناخبين، تغلّب روحاني على منافسيه بشكل واضح. وسمح هذا الانتصار للمرشد الأعلى بتحقيق هدفين أساسيَّين:
1- أعاد تأسيس الدعم الشعبي للنظام، الذي تضرّر بشدّة بسبب انتخابات عام 2009 المثيرة للجدل والانتفاضة التي استمرّت أشهراً لاحقة بقيادة الحركة الخضراء.
2- فتح المجال أمام طهران للتفاوض على اتفاق نووي مع واشنطن في خضمّ أشدّ العقوبات التي شهدتها البلاد.
في محاولة للحفاظ على نفوذهم، سعى الأيديولوجيون في انتخابات هذا الشهر إلى الحصول على الأغلبية في البرلمان، والأهمّ من ذلك، في مجلس الخبراء
غير أنّ “المحادثات التي بدأتها إيران مع الولايات المتحدة أدّت إلى تفاقم الخلافات داخل المؤسّسة السياسية الإيرانية. وبينما رأى البراغماتيون بقيادة روحاني أنّ المحادثات ضرورية للأمن القومي، اعتبرها الأيديولوجيون من رجال الدين والحرس الثوري الإيراني “تخريبية للنظام”. كما أنّ الاتفاق النووي لعام 2015 الذي كان بمنزلة انتصار كبير للبراغماتيين، لم يدُم طويلاً. أدّى قرار إدارة ترامب عام 2018 بالانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات إلى تقويض المحافظين البراغماتيين. ثمّ جاء اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ليعزّز نفوذ الأيديولوجيين ويضعف المحافظين”.
تضاؤل نفوذ المرشد الأعلى
بالنسبة للباحث، لم يكن المحافظون البراغماتيون الوحيدين الذين تمّ تقليص حجمهم. فقد تضاءل نفوذ خامنئي أيضاً على النظام. وكان هذا واضحاً عندما تمّ استبعاد رئيس الأمن القومي السابق ورئيس البرلمان علي لاريجاني، الأخ الأكبر لرئيس السلطة القضائية السابق صادق لاريجاني والمرشّح الأوفر حظّاً في السباق.
حاول خامنئي إلغاء القرار ولم ينجح. فخامنئي، بحسب الباحث، فقد نفوذه منذ فترة طويلة بينما اكتسبت المؤسّسة الأمنية بقيادة الحرس الثوري الإيراني قوّة مع تولّي رئيسي الذي كانت إدارته الإدارة الأكثر يمينيّة في تاريخ الجمهورية الإسلامية. وطّدت قبضتها على الدولة، فشدّدت القيود العامّة، وخاصة قواعد اللباس العامّ للنساء. وأدّى ذلك إلى وفاة مهسة أميني، أثناء احتجازها في شرطة الآداب. وأثار موتها أسوأ وأعنف الاحتجاجات العامّة منذ وصول النظام الإسلامي إلى السلطة قبل عقود. ودفع مستوى الاضطرابات التي استمرّت قرابة عام العديد من كبار الشخصيات في النظام إلى انتقاد الحكومة والتحذير من أنّها تهدّد الجمهورية الإسلامية. وعلى الرغم من أنّ هذه التظاهرات هدأت بحلول منتصف عام 2023، لكنّها كانت بمنزلة صدمة للنظام، الذي خشي أن تهدّد الاحتجاجات الجماهيرية وجوده عشيّة عملية انتقالية حاسمة. وأصبحت الانقسامات داخل النظام أكثر حدّة.
من المرجّح أن تكون القوات المسلّحة في البلاد التي تمزّقها أيضاً الخلافات الأيديولوجية، هي من ستقرّر مستقبل النظام الإيراني
في محاولة للحفاظ على نفوذهم، سعى الأيديولوجيون في انتخابات هذا الشهر إلى الحصول على الأغلبية في البرلمان، والأهمّ من ذلك، في مجلس الخبراء. ولأنّ مجلس الخبراء يُنتخب لمدّة ثماني سنوات، فمن المرجّح أن يقرّر أعضاؤه الجدد من سيخلف خامنئي ليصبح المرشد الأعلى الثالث للبلاد. ومن ناحية أخرى، سمحت سيطرة الأيديولوجيين على مجلس صيانة الدستور بالقضاء على منافسيهم من البراغماتيين.
إقرأ أيضاً: فريدمان: حرب الظلّ الأميركيّة مع إيران قد تنفجر
ومن المقرّر أن تجري العديد من المناطق جولات إعادة لشغل المقاعد البرلمانية، في حين لا يزال التشكيل الدقيق لمجلس الخبراء غير معروف. لكن بين السخط الشعبي المتنامي على نطاق واسع. وتدهور الظروف الاقتصادية. وتزايد الصراع على السلطة بين النخب. من المرجّح أن تكون القوات المسلّحة في البلاد التي تمزّقها أيضاً الخلافات الأيديولوجية، هي من ستقرّر مستقبل النظام الإيراني.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا