سوريا: هل فُتح ملفّ طهران في دمشق؟

مدة القراءة 8 د

تلمّح مصادر متخصّصة إلى أنّ موجة العمليات العسكرية الإسرائيلية ضدّ سوريا منذ عملية “طوفان الأقصى” أخذت منحى نوعيّاً. وهو يوحي بامتلاك إسرائيل ضوءاً أخضر دولياً لفتح ملفّ سوريا. وترصد بعض التقارير نأي دمشق بنفسها عن أيّ انخراط في ردّ فعل محور الممانعة إثر عملية “القسام” على نحو لا يتّسق مع استراتيجيات طهران. وفيما تزدهر نظريات بشأن تواطؤ مخابراتي محليّ يفسّر دقّة الضربات الإسرائيلية ضدّ قيادات إيرانية في سوريا. فإنّ طبيعة تلك الضربات توحي بأنّ أهدافها على المدى الطويل هو التخلّص من نفوذ طهران على دمشق.

يعتبر خبراء في الشؤون الإسرائيلية أنّ الضربات الموجعة التي سدّدتها إسرائيل ضدّ أهداف إيرانية في سوريا لا علاقة لها بالحرب في غزّة وإن أتت في سياقها. ويرون أنّ إسرائيل تستغلّ ما لاقته من تضامن غربي شامل ونادر إثر عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وذلك لتكثيف غاراتها الصاروخية والجوّية وعبر المسيّرات لضرب أكبر عدد ممكن من البنى التحتية التي تمتلكها إيران وميليشياتها في سوريا. وتتحدّث مصادر إسرائيلية أنّ الحرب باتت علنية مكشوفة لا تخفيها إسرائيل.

الواضح أنّ الضربات الإسرائيلية انتقلت من مستوى التخلّص الموضعي ممّا تعتبره إسرائيل خطراً على أمنها في سوريا. وفق الديباجة السابقة. إلى التخلّص من الوجود الإيراني برمّته في هذا البلد. وتستغلّ إسرائيل البيئة العسكرية للحرب ضدّ غزّة لتقوم على نحو شبه يومي بتنشيط عملياتها داخل سوريا. وهو ما كان يمكن أن يكون أكثر تعقيداً قبل ذلك، خصوصاً على مستوى “التفهّم” الدولي المتوفّر هذه الأيام.

حرب شاملة في سوريا

تتحدّث مصادر بريطانيّة عن تحوّل في مستوى العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا يستدرج حرباً شاملة. وسط صمت دولي كامل وتمسّك إيران باستراتيجية “الصبر الاستراتيجي”.

وترفض هذه المصادر الكشف عمّا إذا كانت الضربات الإسرائيلية هي جزء من سياق غربي لمقاربة ملفّ سوريا، وخصوصاً النفوذ الإيراني في هذا البلد.

تخلص مصادر سورية إلى استنتاج أنّ اغتيال القيادات العسكرية الإيرانية في سوريا هدفه تفكيك الوجود الإيراني

غير أنّ أوساطاً مراقبة ترى أنّ واشنطن ما زالت معنيّة بمحافظة إسرائيل على مستوى من العمليات لا يوحي بالتهديد الشامل للوجود الإيراني. على منوال ما هو معتمد في التعامل العسكري الأميركي البريطاني مع جماعة الحوثي في اليمن. وما زالت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن متمسّكة بالحرص على عدم توسيع رقعة الحرب في الشرق الأوسط إلى خارج حدود قطاع غزّة.

مع ذلك فإنّ التطوّر الأبرز في السياق الدولي للعمليات الإسرائيلية “ضدّ إيران” داخل سوريا يستفيد من غضّ طرف أميركي وتراجع حرص واشنطن السابق على عدم التشويش على المفاوضات. وهي التي كان يقودها المبعوث الأميركي السابق إلى إيران روبرت مالي مع طهران بشأن برنامجها النووي. وإذا ما ضربت الولايات المتحدة مواقع لفصائل موالية لإيران في العراق. وقتلت بعض قياداتها. وتستهدف هذه الأيام البنى التحتية العسكرية لجماعة الحوثي في اليمن الموالية أيضاً لطهران. فإنّ التمرين الإسرائيلي في سوريا يأتي من ضمن سياق مشترك بين تل أبيب وطهران.

يؤكّد خبراء شؤون الأمن الاستراتيجي أنّ “الحملة” الإسرائيلية الحالية تستفيد من بيئة معلوماتية محلّية ودولية متشعّبة يتداخل فيها الجانب التقنيّ المتقدّم بالجانب البشري. وتنهل الضربات من تقاطع مصالح جيوستراتيجية متعدّدة تهدف معاً إلى إرباك النفوذ الإيراني في سوريا وتقليص انتشاره. وصولاً إلى التخفيف من وقعه على مسار ومصير سوريا. فإذا ما تبرّم الإيرانيون سابقاً من تواطؤ موسكو في السماح للطائرات الإسرائيلية بالعمل في الأجواء السورية التي تسيطر عليها روسيا،. فإنّه إضافة إلى هذه الشكوك خرجت من طهران أصوات تلمّح إلى تورّط أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري في سقوط قيادات من الحرس الثوري يفترض أنّهم محميّون بستار من السرّية التامّة.

لا بيئة آمنة للإيرانيّين

تكشف عمليات اغتيال قيادات عسكرية وأمنيّة إيرانية في سوريا أنّ إسرائيل تودّ حرمان “المستشارين” الإيرانيين من بيئة الأمن والأمان التي كانت تتمتّع بها إيران. وتروم تحويل سوريا إلى ميدان طارد للوجود الإيراني غير حاضن له.

تتحدّث مصادر بريطانيّة عن تحوّل في مستوى العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا يستدرج حرباً شاملة

وفيما أعلنت إيران قبل أسابيع عن سحب بعض كبار ضبّاطها وإعادة انتشار عناصرها والميليشيات التابعة لها. غير أنّ نوعية الضربات الإسرائيلية واستمرار نيلها من شخصيات إيرانية بالذات يكشفان مدى الاختراق الأمني الذي تملكه إسرائيل. وذلك إلى درجة رصد وجود تلك الشخصيات في مناطق أهلية خلفيّة هادئة (بانياس أخيراً) بشكل يُشعر هؤلاء بأنّهم لم يعودوا آمنين في أيّ مكان على الأراضي السورية.

لطالما أثار سقوط شخصيات إيرانية أو غير إيرانية موالية لطهران. داخل مربّعات أمنيّة تابعة للنظام السوري تسكنها عادة قيادات سورية. أسئلة داخل طهران بشأن كيفية وصول إسرائيل إلى معلومات دقيقة تتعلّق بأماكن وجود تلك الشخصيات وخرائط وتوقيت تحرّكها. وإذا ما كانت الأسئلة تستبطن شكوكاً بالنظام السوري وأجهزته، فإنّ دمشق لم تضطر أبداً إلى تفنيد تلك الشكوك. لكنّ “ضيوف الفضائيات” من دمشق، الذين لا ينطقون عن هوى، كرّروا لازمة أنّ للوجود الإيراني في سوريا بنية أمنيّة ذاتية إيرانية لا تتدخّل بها أجهزة الأمن السورية. بالمقابل ترى مصادر من داخل البيئة الاجتماعية للنظام بأنّ العمالة لإسرائيل باتت حقيقة مؤكّدة داخل صفوف إيران وقوّاتها كما داخل صفوف الحزب وبيئته في لبنان. وتعتبر أنّ الوجود الإيراني بات ملوّثاً لسوريا بعملاء إسرائيل.

يؤكّد خبراء عسكريون في شؤون سوريا هذا الأمر ويتحدّثون عن سيطرة إيران العسكرية والأمنيّة على مناطق شاسعة في سوريا. وعن سيطرتها على المناطق التي توجد فيها قواعدها ومخازن أسلحتها ومواقع ميليشياتها. وفيما ذهبت بعض التحليلات إلى الاشتباه بتورّط روسي ما في استهداف إسرائيل لقيادات إيرانية في مدينة بانياس على الساحل السوري يوم الجمعة الماضي. يؤكّد هؤلاء الخبراء أنّ “غرف تنسيق” يشغلها عدد محدود من القيادات العسكرية الإيرانية باتت تنتشر على الأراضي السورية. وذلك لتنفيذ مهمّات محدّدة ومؤقّتة في مناطق النفوذ الإيراني. خصوصاً من أجل تأمين طرق وصول الأسلحة، خصوصاً إلى لبنان.

يعتبر خبراء في الشؤون الإسرائيلية أنّ الضربات الموجعة التي سدّدتها إسرائيل ضدّ أهداف إيرانية في سوريا لا علاقة لها بالحرب في غزّة

ويضيف الخبراء أنّ الضربات الإسرائيلية استهدفت واحدة من هذه الغرف في مدينة بانياس الواقعة تحت السيطرة الإيرانية. فيما انكفأ الوجود الروسي في المنطقة وفي سوريا بسبب ظروف الحرب في أوكرانيا. وبات محصوراً بقاعدتَي حميميم الجوّية وطرطوس البحرية فقط.

تلفت تقارير إلى أنّ ما أعلنته إيران عن تدخّل لدى الفصائل العراقية الموالية لها من أجل وقف عملياتها ضدّ المواقع والمصالح الأميركية في العراق. يؤكّد قراءة طهران جيّداً لتطوّر الضغوط العسكرية التي مارستها الولايات المتحدة داخل العراق. والتي أصابت بشكل مدمّر ودقيق مواقع تلك الفصائل فأنزلت بها خسائر مادّية وبشرية بما في ذلك قتل بعض قياداتها. وترجّح هذه التقارير أنّ الضربات العسكرية الإسرائيلية ضدّ المصالح الإيرانية في سوريا. وتلك الموجعة لأهداف عسكرية وقيادية تابعة للحزب في لبنان. هدفها دفع طهران لقراءة جديدة لنفوذها في المنطقة.

إقرأ أيضاً: أسرار إيرانيّة من اليمن والعراق إلى سوريا وسيّدتها الأولى (2)

تخلص مصادر سورية إلى استنتاج أنّ اغتيال القيادات العسكرية الإيرانية في سوريا هدفه تفكيك الوجود الإيراني. وهو لا يمكن أن يستمرّ أو يكون فاعلاً إذا ما حرمت هياكله بشكل منهجي من قياداتها. وسواء أدّى الأمر إلى قتل تلك القيادات أم إرباك استقرارها، فإنّ الهدف هو انتهاء مرحلة السطوة والأمان التي تمتّعت بها طهران وأدواتها في سوريا. وتقرّ هذه المصادر أنّ النظام السوري مستفيد من إضعاف قبضة إيران. خصوصاً أنّها تقف وراء توقّف مسار تطبيع العلاقات العربية مع دمشق بصفتها مدخلاً لتحسّن متوخى لعلاقات النظام مع العالم. لكنّ تلك المصادر تلفت أيضاً إلى أنّ النفوذ الإيراني يخترق أجنحة داخل النظام في سوريا، بحيث أنّ مناعة وقوّة بعض الأجنحة مرتبط بمناعة ومتانة وجود إيران في هذا البلد.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@mohamadkawas

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…