شهر رمضان وتجريم القتل

مدة القراءة 5 د

كثرت الدعوات لوقف إطلاق النار قبل شهر رمضان لتمكين المسلمين من الصوم، كأنّما القتل محرّم في رمضان وغير محرّمٍ في غيره. والواقع أنّ فهم المحتلّين للفلسطينيين واضطهادهم في ظلّ الاحتلال يتمثّل في أمرين: مصادرة الأملاك وبناء المستوطنات عليها، ومنع شبابهم بالقوّة من الصلاة بالمسجد الأقصى. وفي ذلك تعرّضٌ للحرّيات الدينية المفروض أنّ الغربيين لا يقبلونه.

ما أردت في الأصل الكتابة عن وقف القتال قبل حلول شهر رمضان، بل عن أمر آخر تماماً هو جدوى الكتابة عن المشكلات. وهل هناك فائدة مرجوّة من وراء ذلك. لقد تعدّدت الآراء في هذا الأمر فهناك من قال: لا تكتبوا إلا ما يدلي بمعرفة جديدة في ما تكتبون عنه. وأخذ علينا آخرون أنّ كتاباتنا وصفيّة ولا تعرض اقتراحاتٍ أو توجّهات يمكن اتّباعها. في حين رأى فريقٌ ثالثٌ أن لا فائدة من هذا أو ذاك والأفضل الانصراف عن الكتابة التي لا تفعل شيئاً غير إثارة الآلام أو السخط والاتّهام.

أحد كُتّاب صحيفة إماراتية قال إنّه بعدما استنفد ما بجعبته في سائر الاتّجاهات، يريد أن يكتب على استخدام شهر رمضان حجّة لوقف القتال. وقال إنّ هذا كلّه نفاق. فالقتل حرام في رمضان وغير رمضان. لكنّه لا يرى مانعاً من الاستتار برمضان إذا كان ذلك يؤدّي لوقف القتال.

مشكلتان في شهر رمضان

يواجه الفلسطينيون في شهر رمضان مشكلتين: مشكلة القيام بأداء الفرائض جماعةً مع ملاحقة سلطات الاحتلال للكبار والصغار. ومشكلة القيام بالواجب بالصلاة بالمسجد الأقصى والاعتصام فيه حتى لا يستولي عليه المتشدّدون اليهود. والمشكلتان ليستا محصورتين بهذا العام بسبب حرب غزة. لكنّهما أكثر حضوراً بسبب الثوران الزائد بالضفة والقدس الشرقية للملاحقات والنشاطات الاستيطانية. فضلاً عن اعتزام الحكومة المتطرّفة منع الشبّان الفلسطينيين من الصلاة بالأقصى.

كثرت الدعوات لوقف إطلاق النار قبل شهر رمضان لتمكين المسلمين من الصوم، كأنّما القتل محرّم في رمضان وغير محرّمٍ في غيره

منذ مطالع القرن الواحد والعشرين لا يمرّ عام إلّا وتُدينُ مفوضية الحرّيات الدينية بوزارة الخارجية الأميركية تعرُّضَ الحرّيات الدينية للانتقاص في عشرات البلدان العربية والإسلامية. والانتقاص المقصود منع بعض النشاطات التبشيرية أو بعض الكتب الدينية أو التعرّض لبعض الكنائس. أمّا النشاطات المحمومة بالحفريّات تحت المسجد الأقصى، أو اقتحامات المسجد أو منع المصلّين من دخوله. وهي أمورٌ تحدث كلّ يومٍ تقريباً. فإنّها لا تتعرّض للاستنكار لا من جانب الولايات المتحدة، ولا من جانب جهات حقوق الإنسان الدولية أو الخاصة. لماذا هذا الكيل بمكيالين؟ بالفعل لا تعليل له، وبالطبع لا يربطه أحد بالهولوكوست أو ما شابه. لكنّ الصمت يعود لسببين:

الأوّل: لا أحد يريد إزعاج السلطات الإسرائيلية حتى لا يُتّهم بمعاداة السامية أو الدين اليهودي.

الثاني: أنّ هناك فئات شعبية واسعة من الإنجيليين الجدد تأمل أن ينهدم المسجد الأقصى ويقوم الهيكل مكانه، لأنّه بشيرٌ بنهايات الأيام، وعودة المسيح وما شابه.

شهر رمضان

صارت مسألة الأقصى شديدة الخطورة. لأنّ معظم الإسرائيليين متديّنين وغير متديّنين، يريدون هدم المسجد الأقصى بحجّة أنّه قام مقام الهيكل. مع أنّ الهيكل كان مدمَّراً من مئات السنين. وحتى الحفريات ما استطاعت الاستدلال على مكانه. وفي زمان اليمين الديني وغير الديني، صار الزعماء السياسيون مثل شارون ونتنياهو يؤسّسون لعهدهم باقتحام المسجد الأقصى مع حشدٍ من المتطرّفين. والفكرة الجديدة الآن: منع المسلمين من دخول الأقصى، وإدخال المقتحمين اليهود بحراسة الشرطة. في الأوّل أرادوا الاقتسام مثلما حصل بالخليل، وأمّا الآن فالاستيلاء أو الهدم.

لكن في المدّة الأخيرة حتى الرئيس الأميركي جو بايدن صار يأمل أن يتوقّف القتال قبل رمضان. وقد نبّه المسؤولون الأميركيون نتنياهو إلى عدم اعتراض الذين يريدون الصلاة بالأقصى حتى لا يستثير ذلك “الجمهور المستثار أصلاً”.

بايدن يريد الوقف المؤقّت للنار بدون ذكر شهر رمضان، وصار يرسل مساعدات بالطائرات لرميها من سماء غزة

هدنة رمضان ومذبحة الطّحين

دعوات وقف النار تتنامى وتكثر وإن ببطء، وبخاصّةٍ بعد “مذبحة الطحين”. فحتى بايدن يريد الوقف المؤقّت للنار بدون ذكر شهر رمضان، وصار يرسل مساعدات بالطائرات لرميها من سماء غزة. وإلى هذا وذاك، فإنّ الاحتجاج بشهر رمضان وإراحة المسلمين فيه أزعج كلّاً من الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش ومفوّض السياسة الخارجية الأوروبية جوزف بوريل. كلاهما قال إنّ الحرب على غزة تدنو من سمات الإبادة الجماعية. وكلاهما قال إنّ القتل محرّم في رمضان وغير رمضان. وحبكت النكتة مع أحد وزراء الخارجية المسلمين فقال: قد يكون الصوم خياراً مفضّلاً لأنّ الفلسطينيين على أيّ حال ليس عندهم ما يأكلونه أو يفطرون عليه.

منذ مطالع القرن التاسع عشر ومع تقدّم الاستعمار في الاستيلاء على ديار المسلمين. صدرت عدّة فتاوى تطلب من أهل الديار المحتلّة الهجرة منها “لأنّ الدار لم تعد دار إسلام”. بينما قال الفقهاء الأحناف إنّ الهجرة غير واجبة ما دام المستعمرون لا يتعرّضون لعبادات المسلمين ومساجدهم وصلواتهم وأوقافهم. وعندما بدأ المحتلّون عام 1967 يحاولون الاستيلاء على المسجد الأقصى أو تدميره وأحرقوه عام 1968. أصدر علماء فلسطين ومعهم علماء آخرون بياناً يحرّم الهجرة والخروج ولو بحجّة منع العبادة.

إقرأ أيضاً: صفقة غزة: الميزات والصعوبات

والحقّ أنّ الفلسطينيين يتعرّضون للاضطهاد في أرضهم ودينهم وكرامتهم الإنسانية. والتطرّف يستدعي التطرّف. وفي حالاتٍ كهذه تبدأ المشكلات وتتفاقم وتتقابل ولا تنتهي، فلا حول ولا قوّة إلا بالله.

لمتابعة الكاتب على X:

@RidwanAlsayyid

مواضيع ذات صلة

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…

مآلات الحرب على كلّ جبهاتها: سقوط المحور

لم تنتهِ بعد حرب الشرق الأوسط المتعدّدة الساحات والتسميات.. طوفان الأقصى والسيوف الحديدية والإسناد إلخ…. لذا لن تكون قراءة النتائج التي أسفرت عنها نهائية حاسمة،…