الانتخابات الإيرانية: أكثرية صامتة… وعودة أحمدي نجاد

مدة القراءة 6 د

انتهت الانتخابات الإيرانية البرلمانية الثانية عشرة يوم الجمعة في الأول من آذار. وهي انتخابات يمكن وصفها بأنّها غير مسبوقة في تاريخ الثورة الإسلامية على مدى العقود الأربعة الماضية من عمرها. فللمرّة الأولى، من المرجّح إلى حدّ الحسم أنّ نتائج العاصمة طهران أو أمّ المعارك لن تُحسم من الدورة الأولى.

أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية أنّ عدد المشاركين في الانتخابات الإيرانية في العاصمة طهران لم يتجاوز 1.182 مليون مقترع. وذلك من أصل أكثر من عشرة ملايين شخص يحقّ لهم الاقتراع. وأنّ أكثر المرشّحين لم يستطع الحصول في النتائج الأوّلية غير النهائية على العتبة الانتخابية أو نسبة 20 في المئة من أصوات المقترعين. وهي التي تخوّله الوصول إلى البرلمان. وبالتالي المسار الذي أخذته عملية الاقتراع يظهر الحاجة إلى إجراء دورة ثانية بين ضعف العدد المطلوب ممّن حصلوا على أعلى الأصوات.

التوقّعات قبل الانتخابات ذهبت إلى الحسم بإمكانية تحقيق القوى الإصلاحية أو المعتدلة لأيّ خرق في النتائج. سواء على صعيد إيران عامة أو العاصمة خاصة. والوقائع التي خرجت به عملية الاقتراع فقد أثبت صحّة هذه التوقّعات. وكرّست ما سعى إليه النظام والدولة العميقة من أن لا مكان بعد الآن في العملية السياسية لأيّ أصوات من خارج تركيبة النظام. سواء إصلاحية أو حتى معتدلة أو وسطية من بين المحافظين.

انتهت الانتخابات الإيرانية البرلمانية الثانية عشرة يوم الجمعة في الأول من آذار. وهي انتخابات يمكن وصفها بأنّها غير مسبوقة في تاريخ الثورة الإسلامية

تصفية المرشّحين… من البداية

ربّما المؤشّر الأبرز إلى هذا المسار أو الاتجاه في الانتخابات الإيرانية هو نجاح النظام والدولة العميقة في استراتيجيتهم لاستخلاص أو تصفية السلطة من المعارضين أو أيّ مصدر قلق في المستقبل. والدليل هو فشل محمد باقر نوبخت، مساعد الرئيس حسن روحاني، المرشّح عن المدينة والبيئة الشعبية التي ينتمي إليها في مدينة رشت (شمال إيران) في الفوز أمام المرشّح المدعوم من قوى النظام. في حين لحقت الهزيمة بمحمد رضا باهنر أحد أقطاب التيار المحافظ المعتدل. وهو عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام. وعضو البرلمان لسبع دورات سابقة. فضلاً عن كونه شقيق رئيس الوزراء الأسبق في بداية الثورة محمد جواد باهنر الذي اغتالته جماعة مجاهدي خلق.

الانتخابات الإيرانية

باهنر هذا لم يجد مكاناً له في لوائح العاصمة طهران، نتيجة الصراع المحتدم بين أقطاب القوى المحافظة. فعمد إلى نقل ترشّحه من العاصمة إلى محافظة كرمان التي ينتمي إليها. إلّا أنّ الهزيمة لحقت به بين أهله، ولم يستطع الفوز في مواجهة مرشّح القوى المتشدّدة.

إذا ما كان هذا مصير الأصوات المعتدلة أو الوسطية داخل التيار المحافظ. فإنّ أقطاباً أخرى من بين القوى المتشدّدة، التي عملت وسهّلت الطريق أمام النظام والدولة العميقة لإعادة ترتيب المشهد السياسي لمصلحة مشروعها، لم يكن مصيرها أفضل من المعتدلين. وربّما ما يواجهه رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف يبدو غير متوقّع. على الأقلّ داخل تحالف ائتلاف قوى الثورة. وهو المدعوم من سلفه غلام علي حداد عادل رئيس هذا الائتلاف ويُعتبر من الشخصيات الأقرب إلى المرشد الأعلى.

على الرغم من تزعّمه اللائحة الموحّدة بين ائتلاف قوى الثورة وجبهة “الثابتون” التي تضمّ قوى المحافظين الجدد… فإنّ النتائج المعنلة لفرز الأصوات في العاصمة طهران تكشف عن عجزه عن أن يكون بين الأسماء الثلاثة المتصدّرين للنتائج. بالإضافة إلى خروج العديد من الشخصيات الأساسية المحسوبة عليه أو المقرّبة منه من دائرة المنافسة.

المشهد السياسي في السلطة التشريعية، وإلى حدّ كبير في السلطة التنفيذية، قد خرج من دائرة نفوذ وتأثير القوى المحافظة الأكثر تقليدية

هزيمة قوى الثورة

هذه الهزيمة شبه المدوّية لائتلاف قوى الثورة في الانتخابات الإيرانية لم تقتصر على العاصمة طهران، بل شملت غالبية الدوائر الانتخابية في المدن الكبرى الأخرى. وصولاً إلى مدن الأطراف والأرياف، التي كشفت نتائجها عن تقدّم واضح وصريح للجناح المتشدّد داخل التيّار أو المعسكر المحافظ. خاصة تيار جبهة “الثابتون” “بايداريها” واللوائح الثانوية التي شكّلتها قوى خرجت أو انشقّت في العلن عن هذه الجبهة. كجماعة “شريان” أو الشبكة الاستراتيجية لمناصري الثورة الإسلامية، وجماعة “مبنا” أو مجمع الصحوة لقوى الثورة.

ماذا يعني هذا التقدّم أو الفوز الذي حقّقته هذه الأجنحة؟ هي التي تمثّل في المفهوم العامّ تيّار المحافظين الجدد، خاصة جبهة “الثابتون”.

يعني أنّ المشهد السياسي في السلطة التشريعية، وإلى حدّ كبير في السلطة التنفيذية، قد خرج من دائرة نفوذ وتأثير القوى المحافظة الأكثر تقليدية. وانتقل إلى هذه الجماعات التي رفعت شعار “انتخاب الأصلح” والأكثر نقاءً ثوريّاً.

نتائج الانتخابات الإيرانية قد تعزّز موقع رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي في السلطة التنفيذية

بالتالي وضعت هذه النتائج مصير قاليباف رئيس البرلمان الحالي وإمكانية شغله هذا الموقع من جديد في دائرة الشكّ والغموض. خاصة أنّ القوى التي حقّقت هذا التقدّم لم تتردّد في السنوات الأربع الماضية في إعلان موقفها السلبي من قاليباف. وسعت أكثر من مرّة إلى إنهاء رئاسته للسلطة التشريعية.

عودة محمود أحمدي نجاد؟

يمكن القول إنّ نتائج الانتخابات الإيرانية قد تعزّز موقع رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي في السلطة التنفيذية. إذ ستساعده في التخلّص من المضايقات والعراقيل والضغوط والابتزاز الذي كان يمثّله قاليباف وتيّاره له وللسلطة التنفيذية. خاصة أنّ جميع المؤشّرات تكشف عن وجود تعاون قد يصل حدّ التحالف بين رئيسي وجماعة “شريان” وجبهة “الثابتون” على أساس تقاسم الحصص والتخلّص من قاليباف.

إقرأ أيضاً: الانتخابات الإيرانيّة: خامنئي ضدّ خامنئي

قد لا يكون مستبعداً أن يعاود الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد الإطلالة برأسه بشكل أكثر فعّالية في الحياة والمشهد السياسي. خاصة أنّ جبهة “الثابتون” تشكّلت في زمن رئاسته لتكون دعماً له ومنفّذاً لسياساته ومدافعاً عنها وعن مشروعه السياسي. والأمين العامّ لجبهة “الثابتون” الأوّل “مرتضى اقاتهراني” كان المرشد الأخلاقي لأحمدي نجاد. والأمين العامّ الحالي صادق محصولي شغل منصب وزير داخلية أحمدي نجاد.

مواضيع ذات صلة

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…

مآلات الحرب على كلّ جبهاتها: سقوط المحور

لم تنتهِ بعد حرب الشرق الأوسط المتعدّدة الساحات والتسميات.. طوفان الأقصى والسيوف الحديدية والإسناد إلخ…. لذا لن تكون قراءة النتائج التي أسفرت عنها نهائية حاسمة،…