ديفيد شينكر: لـ “سحب القوات الأميركية من العراق”

مدة القراءة 7 د

“لقد حان الوقت لإدارة الرئيس جو بايدن للبدء بالتفكير في أفضل السبل لتقليص البصمة العسكرية بـ “سحب القوات الأميركية من العراق”. وهو أمر قد يعزّز النفوذ الأميركي في المنطقة ويضع واشنطن في وضع أفضل تجاه الحكومة العراقية ويجعلها أكثر حرّية في إشراك العراق بشأن علاقتها مع إيران”.

“سحب القوات الأميركية من العراق” هو رأي يصرّ عليه مجدّداً الدبلوماسي الأميركي ديفيد شينكر الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب 2021. وكان المسؤول الأوّل المشرف على سير السياسة الأميركية والعمل الدبلوماسي في أنحاء المنطقة. وأدار لها ميزانية سنوية تتجاوز قيمتها 7 مليارات دولار.

يعتبر شينكر أنّه “على الرغم من وصف البعض في واشنطن للضربات الجوّية الأميركية ضدّ الميليشيات المدعومة من إيران في العراق بأنّها استعراضية. فإنّها تشكّل خروجاً كبيراً عن سياسة ضبط النفس لإدارة بايدن تجاه القوات العميلة لإيران في العراق. وتولّد عواقب غير معروفة على الوجود العسكري الأميركي في العراق”.

ويركّز في مقال له في مجلّة “فورين بوليسي” على ردّ الفعل العراقي “القويّ” تجاه هذه الضربات. فقد “وصف مكتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني العمليات الأميركية بأنّها “عمل عدواني ضدّ سيادة العراق”. ووصف جنود الحشد الشعبي الذين قتلتهم واشنطن لدورهم في مهاجمة القوات الأميركية بأنّهم “شهداء”. كما يشير إلى بيان الحكومة العراقية على موقع X. وهو البيان  الذي اتّهم القوات الأميركية والتحالف الدولي ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية بـ “تعريض الأمن والاستقرار في العراق للخطر”. ويلفت إلى تحذير المتحدّث باسم القوات المسلّحة العراقية من أنّ الإجراءات الأميركية التي “تهدّد السلام المدني” ستجبر الحكومة العراقية على “إنهاء مهمّة هذا التحالف” الذي “يهدّد بتوريط العراق في دائرة الصراع”.

سحب القوات الأميركية من العراق هو رأي يصرّ عليه الدبلوماسي الأميركي ديفيد شينكر الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى خلال إدارة ترامب

“حكومة السوداني متقاعسة”

وإذ يعتبر شينكر أنّ المطالبات بـ “سحب القوات الأميركية من العراق” ليست جديدة، يحذّر من أنّ “خطر استهداف سلامة الجنود والدبلوماسيين الأميركيين المنتشرين في العراق مستمرّ.. ليس فقط بسبب الميليشيات، لكن أيضاً بسبب تقاعس ائتلاف حكومة السوداني العراقية. فهي لم تظهر الإرادة ولا القدرة على حمايتهم، بل تدفع مرتّبات لميليشيات الحشد. وتضمّ في مكوّناتها عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، اللتين صنّفتهما الولايات المتحدة منظّمتين إرهابيّتين، كشريكين سياسيَّين لها”. ويصف “الهجمات غير المبرّرة التي ينفّذها موظّفو الدولة العراقية من قوات الحشد الشعبي، ضدّ العسكريين والموظّفين المدنيين الأميركيين، بأنّها جرائم بموجب القانون العراقي. إن لم تكن انتهاكات للسيادة العراقية إلى الدرجة التي تخضع فيها الميليشيات لإيران. وعلى الرغم من إحجام الحكومة عن التحرّك خوفاً من التكلفة السياسية أو الانتقام الإيراني… فإنّ قتلة الجنود الأميركيين ليسوا محصّنين من الانتقام لمجرّد أنّهم يقيمون على الأراضي العراقية دون عقاب من قبل السلطات المحلّية”.

سحب القوات الأميركية من العراق

بالنسبة لشينكر “من غير الواضح ما إذا كان السوداني يدعم انسحاب التحالف. أم أنّ بدء حكومته مفاوضات قريباً مع واشنطن لإنهاء وجود التحالف في العراق يهدف فقط، كما قال أحد مستشاريه، إلى “استرضاء الأطراف الغاضبة داخل الائتلاف الشيعي الحاكم”. فالسوداني أعرب قبل عام واحد فقط عن قلقه بشأن انتشار الإرهاب من سوريا، حيث لا يزال تنظيم الدولة الإسلامية نشطاً. وقال في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال: “نحن بحاجة إلى القوات الأجنبية”.

لكنّه إذا كان يريد حقّاً بقاء القوات الأميركية في العراق، فلديه طريقة غريبة لإظهار ذلك”، يقول شينكر. ويشير إلى “قرار السوداني “النادر” باعتقال ثلاثة أفراد مسؤولين عن هجوم صاروخي على السفارة الأميركية في كانون الأول الماضي”.

لا بدّ من سحب القوات الأميركية من العراق وحتى لو بقيت القوات الأميركية في سوريا

“أميركا لا تواجه النفوذ الإيراني”

في رأي شينكر “لا تستغلّ الولايات المتحدة وجودها في العراق لمواجهة توسّع النفوذ الإيراني في بغداد أو لقطع خطّ اتصال طهران مع ميليشيا الحزب التابعة لها في لبنان. وإذا كانت القوات الأميركية في كردستان العراق عقدة دعم لوجستي حاسمة للقوات المناهضة لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا… فإنّ هذا الوجود قد لا يعدّ ضرورياً أيضاً إذا سحبت واشنطن فرقتها العسكرية الصغيرة من سوريا. .لذلك لا بدّ من سحب القوات الأميركية من العراق. وحتى لو بقيت القوات الأميركية في سوريا، فقد تتمكّن واشنطن من ترك وجود صغير لها في المنطقة الكردية العراقية لدعم مهمّة مكافحة الإرهاب هذه”.

خارج الوحدة الكردية، تتقلّص فائدة استمرار الانتشار العسكري الأميركي في العراق، بالنسبة لشينكر. لكنّه يحذّر من أنّ “الانسحاب المتسرّع والفوضوي من العراق على غرار ما حدث في أفغانستان سيقوّض مصداقية الولايات المتحدة. وينطبق الأمر نفسه على المغادرة تحت نيران العدوّ. وقد تعزّز مغادرة العراق أيضاً التصوّر الإقليمي لتراجع عسكري أميركي إلى آسيا. والأسوأ من ذلك أنّ السفارة الأميركية الضخمة في بغداد ستكون أكثر عرضة للهجمات في غياب القوات الأميركية القريبة. وهذا مصدر قلق حقيقي بالنظر إلى ميل الحكومة العراقية إلى تجاهل التزامها بموجب اتفاقية جنيف بالدفاع عن المنشآت الدبلوماسية”.

يعتقد شينكر أنّ وجود بصمة أخفّ وموحّدة يقلّل التهديد. مع الحفاظ على قدرات كافية إذا اختار الجيش العراقي مواصلة المشاركة العسكرية الثنائية

“بصمة أخفّ… وموحّدة”

لكنّ عملية التحالف ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق اكتملت إلى حدّ كبير، كما يؤكّد شينكر. كما أنّ الوجود المستمرّ للقوات الأميركية لا يفعل الكثير لمنع التقدّم الإيراني نحو فرض الهيمنة على العراق. بل تقدّم القوات الأميركية هناك لإيران والميليشيات المحلّية التابعة لها أهدافاً قريبة. أو ربّما بشكل أكثر دقّة، رهائن يحملون اسماً فقط.

يعتقد شينكر أنّ وجود بصمة أخفّ وموحّدة يقلّل هذا التهديد. مع الحفاظ على قدرات كافية إذا اختار الجيش العراقي مواصلة المشاركة العسكرية الثنائية، بما في ذلك التدريبات المشتركة الروتينية. كما أنّ نقل غالبية القوات الأميركية بعيداً عن الأذى في العراق يضع واشنطن في وضع أفضل تجاه الحكومة العراقية التي تهيمن عليها إيران. خاصة إذا بقيت القوات في كردستان، حيث لا تزال الولايات المتحدة موضع ترحيب. كما أنّ واشنطن بتحرّرها من أعباء المخاوف بشأن حماية القوّة، ستكون أكثر حرّية في إشراك العراق بشأن علاقته مع إيران، وانتهاكات العقوبات، والفساد المستشري.

إقرأ أيضاً: فريدمان في رسالة عاجلة من عمّان: إسرائيل تخسر “شرعيّتها العالميّة”

يؤكّد أخيراً أنّ العراق المستقرّ ذا السيادة هو أولوية للولايات المتحدة التي سيتعيّن عليها الاعتماد على أدوات أخرى. وخاصة النفوذ الاقتصادي، لمصالحها في العراق. ويعتبر أنّ الإلغاء التدريجي أو تقليص حجم الوجود، أو سحب القوات الأميركية من العراق، لا يعني نهاية المشاركة العسكرية الأميركية في العراق. أو انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، أو الإذعان للهيمنة الإقليمية الإيرانية. بل قد يكون النفوذ الأميركي في المنطقة أقوى من دون وجود القوات في العراق.

لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…

نصائح أوروبيّة وكوريّة… للتّعامل مع ترامب

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأميركية مع…

عماد أمهز: عملية خطف أم إنقاذ؟

هل كان القبطان اللبناني الذي اختطفته إسرائيل وادعت أنه مسؤول عسكري في الحزب، عميلاً مزدوجاً؟ سؤال طرحته مراسلة صحيفة “التلغراف” البريطانية من تل ابيب، بشأن…