فيما تنشط العواصم الدولية لإنتاج تسويات قد تكون تاريخية لحلّ النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل ترسيماً وانسحاباً من المناطق المثيرة للجدل. وفيما يتوافد المبعوثون لإبعاد شبح الحرب عن لبنان. تطرح تلك العواصم تساؤلات بشأن الحكمة من صدور مواقف عن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في بيروت تتبنّى تماماً خطاب الحزب ولا تترك أيّ مسافة منه. خصوصا ربط النزاع الحدودي اللبناني الإسرائيلي بالحرب في غزّة. وترى مصادر عربية وفرنسية أنّ حكومة ميقاتي تشجّع على هذه الحرب بدل المساهمة في إبعادها.
يستغرب مصدر دبلوماسي عربي أن يربط لبنان مصيره بمصير الحرب في قطاع غزة. وذلك في إشارة إلى موقف الدولة اللبنانية، ممثّلة بما أعلنه الرئيس نجيب ميقاتي داخل مجلس الوزراء. حين ربط وقف النزاع الحدودي مع إسرائيل بتوقف الحرب على غزّة.
يضيف المصدر الدبلوماسي العربي أنّه من حقّ اللبنانيين اتّخاذ مواقف متضامنة مع غزّة والغزّيّين ومُدينة للحرب العدوانيّة الوحشية التي تشنّها إسرائيل هناك. لكنّه لا يجد منطقاً لجعل مصير البلد مرتبطاً بمزاجيّة الحكومة الإسرائيلية وأجنداتها في تقريرها استمرار حربها أو وقفها. وينتهي إلى التساؤل حول ماهيّة الأهداف التي يروم لبنان تحقيقها من وراء سلوك استراتيجية لم تتّخذها 21 دولة أخرى عضو في جامعة الدول العربية.
يقول المصدر إنّ بيروت بشخص رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، لم تأخذ أيّ مسافة تمثّل الدولة اللبنانية ممّا يعلنه الحزب بشخص أمينه العامّ ونائبه وبقيّة منابره. ويرى أنّ موقف بيروت فيه مزايدة على قرارات القمّة العربية الإسلامية الاستثنائية التي عُقدت في الرياض في 11 تشرين الثاني الماضي تضامناً مع غزة. ويلفت إلى أنّه إذا كانت الحجّة تكمن في ما تملكه إيران وحزبها من نفوذ في لبنان… فإنّ طهران تمتلك نفوذاً على بغداد ودمشق. ومع ذلك لم تذهب حكومتا العراق وسوريا إلى ربط مصير البلدين بمآلات الحرب في غزّة. فضلاً عن أنّ إيران نفسها لم تفعل ذلك.
يستغرب مصدر دبلوماسي عربي أن يربط لبنان مصيره بمصير الحرب في غزة. وذلك في إشارة إلى موقف الدولة اللبنانية، ممثّلة بما أعلنه الرئيس نجيب ميقاتي
العواصم العربية حائرة بشأن موقف ميقاتي
يشير المصدر إلى أنّ العواصم العربية تنصت بأذن حائرة إلى لسان حال حكومة ميقاتي في لبنان. وذلك تعليقاً على ربط مصير لبنان بمصير غزّة رغم أنّ موقف لبنان. رغم أنّه لا يؤثّر على موازين القوى الإقليمية والدولية. ولا يغيّر شيئاً من دراماتيكية الحرب. خصوصاً أنّ عواصم كبرى وازنة، مثل واشنطن وبكين ولندن وباريس، تعجز عن التخفيف من وقعها والدفع إلى نهاياتها.
ويذكّر بأنّ هذه العواصم لطالما تفهّمت وجود ضغوط مارسها الحزب على حكومات لبنان. لكنّها ثمّنت أيضاً براغماتية هذه الحكومات في اتّخاذ مواقف رسمية تمثّل الدولة اللبنانية وحساباتها العربية والدولية. وذلك بالاحتفاظ بمسافة عن خطاب الحزب. خصوصاً أنّ تلك المواقف لم تكن مضادّة لمواقف الحزب. وهو أمر لا تفعله هذه الأيام حكومة تصريف الأعمال. ويرى المصدر أنّ موقف لبنان الرسمي يوفّر لإسرائيل حججاً إضافية للحرب ضدّ لبنان يسهّل منطقها لدى المجتمع الدولي تسويق تلك الحرب.
موقف حكومة لبنان “يقفل الأبواب”
يكشف المصدر أنّ موقف حكومة نجيب ميقاتي في لبنان يقفل أبواب أيّ نقاش أو مبادرات جدّية يأتي بها الدبلوماسيون الأجانب. خصوصاً تلك التي حملها وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه والمستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين.
ويكشف أنّه في أروقة القرار في واشنطن وباريس والأمم المتحدة، تجري مداولات حقيقية بشأن ترتيبات تكاد تقفل ملفّ النزاع الثنائي بين لبنان وإسرائيل. وذلك في مسائل ترسيم الحدود البرّية ومزارع شبعا وقرية الغجر وتلال كفرشوبا. وتنهل تلك المداولات حيويّتها من توفّر موافقة إسرائيل على مناقشة الأمر. في ظلّ حاجتها إلى إنهاء نزوح سكان المستعمرات الشمالية الذي بات ملفّاً ضاغطاً على حكومة بنيامين نتنياهو والأخير يسعى لفصل ملف لبنان عن ملف غزّة.
يشير المصدر إلى أنّ العواصم العربية تنصت بأذن حائرة إلى لسان حال حكومة ميقاتي في بيروت. رغم أنّه لا يؤثّر على موازين القوى الإقليمية والدولية
مصدر فرنسي: فرصة تاريخية لتصفير النزاع
من جهته يؤكّد مصدر في باريس هذه المعلومات. ويشير إلى أنّ المبادرة التي حملها وزير خارجية فرنسا، تحوّلت إلى ورقة رسمية وفق طلب الحكومة اللبنانية. وهي استندت إلى هذه المداولات الدولية-الإسرائيلية. وأنّ باريس تعمّدت تقديمها على شكل أفكار حتى لا تُلزم نفسها وبيروت بمفاوضات رسمية.
ويشرح المصدر أنّ المطالبة بانسحاب قوات الحزب إلى مسافة 10 كيلومترات بعيداً عن الحدود الجنوبية، وانتشار 10 آلاف جندي لبناني إضافي في جنوب لبنان، أخذت أيضاً بالاعتبار وجود الحزب الشعبي والسياسي في الجنوب من جهة، وضرورة إمساك جيش البلاد بأمن ذلك الجنوب كبديهية من بديهيات أيّة دولة في العالم من جهة أخرى.
ويلفت مصدر باريس إلى الكلام عن تحضيرات تقوم بها الحكومة اللبنانية للردّ على المبادرة الفرنسية، وفق ما يتردّد في بيروت. ويدعو إلى أخذ مصلحة لبنان بالاعتبار. وإلى اقتناص “الفرصة التاريخية” (التعبير الذي استخدمه الأمين العامّ للحزب أيضاً) لاسترجاع حقوق لبنان. وتصفير كلّ ملفّات النزاع بكلّ أشكاله برّاً، بعدما تمّ ذلك بحراً برعاية هوكستين ومباركة الحزب. كما أنّها مناسبة لاختبار الهمم الدولية وجدّية إسرائيل في هذا الملفّ بعيداً عن ملف غزّة.
يكشف المصدر أنّ موقف حكومة نجيب ميقاتي في لبنان يقفل أبواب أيّ نقاش أو مبادرات جدّية يأتي بها الدبلوماسيون الأجانب
ميقاتي يضيّع فرصة نادرة
يخلص المصدر إلى أنّ شلل حكومة ميقاتي في لبنان المرتهنة تماماً لمصير غزّة يفوّت على لبنان ظرفاً تاريخياً نادراً ويقظة دولية على ملفّ من المفترض أن لا يكون أولويةً في ظلّ أولويات الأمن العالمي. خصوصاً إثر الحرب في أوكرانيا والصراع الأميركي الصيني الراهن. إضافة إلى دخول واشنطن مرحلة الحملة الرئاسية التي تنذر بتبدّل مزاج البيت الأبيض بعد الانتخابات في تشرين الثاني المقبل.
لا يرى المصدر العربي مبرّراً في ظلّ أجواء الاتفاق السعودي الإيراني، المبرم في بكين برعاية الصين في 10 آذار 2023، أن تكون حكومة لبنان ملتصقة بقرار الحزب وإيران من خلفه. فيما المصدر الفرنسي يقول إنّ كثيراً من اللوم كان وُجّه إلى باريس بسبب تواصلها مع طهران ومع الحزب في بيروت… كمدخل لإنجاح وساطاتها ومبادراتها في لبنان.
إقرأ أيضاً: هل يزيل التصعيد الأمنيّ متاريس الرئاسة؟
لكنّ موقف بيروت المتماهي تماماً مع مواقف طهران وحزبها في لبنان: “يدفعنا إلى الذهاب مباشرة لطرق أبواب إيران. إذا ما ظلّت أبواب لبنان موصدة ومعلّقاً فتحُها على مصير غزّة”.
ينتهي المصدر إلى الإشارة إلى أنّ لبنان قد ينتظر طويلاً حلّاً في غزّة. لأنّه يحتاج إلى تقاطع أجندات إقليمية دولية معقّدة لا مصلحة لبيروت في حشر مصير البلاد بها.
لمتابعة الكاتب على X: