محاولة اغتيال في وسط بغداد استهدفت فخري كريم، الشخصية الكردية الأكثر تأثيراً، ليس في الوسط الثقافي، بل في الوسط السياسي أيضاً. وله تأثير ودور يمتدّان على كلّ العراق وليس فقط في الإقليم الكردي. جرت عمليّة الاستهداف خلال عودة كريم إلى منزله من معرض الكتاب الدولي الذي تقيمه مؤسسة المدى للثقافة والإعلام التي أسّسها.
مسلّحون يستقلّون سيّارتَي بيك آب، وهو النوع الذي كثيراً ما تستخدمه المؤسّسات الرسمية والفصائل المسلّحة، يعترضون سيارة فخري كريم بالقرب من منزله في حيّ القادسية. جرت العملية بسرعة، وقام خلالها المسلّحون بقطع الطريق وإطلاق أكثر من 17 طلقة مباشرة على مقدّمة السيارة والمقعد الأمامي.
صمت الصدمة
محاولة الاغتيال هذه ترافقت مع صمت الجهات الرسمية التي يبدو أنّها أصيبت بحالة من الصدمة، لخطورة هذا الاستهداف وأبعاده، في حين طالب البيان الصادر عن مؤسسة المدى والذي أكّدت زوجة فخري كريم السيدة غادة العاملي ما جاء فيه، المؤسسات الرسمية الأمنيّة بإجراء تحقيق حقيقي عن الجهات التي تقف وراء هذه المحاولة، ودعا إلى الكشف عنهم بسرعة وتقديمهم إلى المحاكمة.
شكّل فخري كريم ومؤسّسة المدى على المستوى الثقافي علامة فارقة في الحياة العراقية بعد سقوط النظام السابق عام 2003، من خلال الإصرار على إحياء البعد العلمي والثقافي والأنشطة الاجتماعية، والعمل على إعادة ألق بغداد الثقافي وتقديم صورة عن الحياة العراقية بعد الأوضاع التي مرّ بها العراق إثر الاحتلال تختلف بشكل جذري عن الصورة التي سادت في العقدين الماضيين، وتخلّلتها صراعات طائفية وانفلات السلاح وسيطرة الميليشيات.
شكّل فخري كريم ومؤسّسة المدى على المستوى الثقافي علامة فارقة في الحياة العراقية بعد سقوط النظام السابق عام 2003
لم يصَب فخري كريم بأيّ أذى جسدي، وكذلك زوجه السيدة العاملي. إلا أنّ محاولة الاغتيال قد يكون الهدف منها نتيجة فشلها إصابة روحيّة التحدّي التي تحرِّك “كريم” في المشهد العراقي، وما يقوم به من أنشطة لم تتحوّل إلى نقطة استقطاب والتقاء لمثقّفي الداخل العراقي وحسب، بل باتت مدخلاً لإعادة المثقّف العربي وربطه بالعراق مجدّداً، متحدّياً كلّ العوائق التي عملت الطائفية وسياسات الانقسام والتقسيم على فرضها على الحياة العراقية وفصلها عن عمقها ومحيطها.
لا شكّ أنّ فشل محاولة الاغتيال قد تحوّلها الجهات التي تقف وراءها، إلى رسالة سياسية على كريم أخذها بعين الاعتبار في أنشطته المستقبلية، خاصة أنّ فخري كريم لم يكن فقط مثقّفاً وكاتباً وصاحب مشروع إعلامي يأتي من اليسار الفكري والحزبي، بل فاعل سياسي عمل كثيراً على تدوير الزوايا حتى مع القوى الإسلامية بكلّ أطيافها، مستغلّاً في ذلك تاريخاً من العلاقات النضالية أيام المعارضة للنظام السابق والعمل في أطرها في المنافي.
رجل تدوير الزوايا
في مرحلة النظام الجديد، عمل فخري كريم من أجل تدوير زوايا الخلافات بين بغداد وإربيل، أو بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، ويرى في بغداد شرطاً حياتيّاً لإربيل، وفي إربيل شرطاً للتنوّع في بغداد. من هنا كان إصراره على نقل معرض الكتاب الدولي لمؤسّسة المدى من إربيل إلى بغداد، لاعتقاده بأنّ الفعل الثقافي ما لم يتكامل أو يصدر من بغداد تبقى عراقيّته منقوصة، وكذلك في السياسة.
تأتي محاولة الاغتيال في ظلّ أجواء سياسية وأمنيّة مشحونة، واغتيالات طالت مقرّبين من قائد فيلق بدر هادي العامري، وأيضاً بعد اغتيال الناشط الصدريّ في مدينة بابل (وسط) أيسر الخفاجي. وإذا ما كان العامري قد ترك مقتل أقربائه في عهدة القضاء، نتيجة الشبهة بوجود خلافات شخصية، فإنّ الاغتيال في بابل كاد يتحوّل إلى منزلق أمنيّ خطير، وذلك بعد تعرّض أحد مقرّات الحشد الشعبي في المدينة لإطلاق قذيقة “آر بي جي” من دون وقوع خسائر.
لا شكّ أنّ فشل محاولة الاغتيال قد تحوّلها الجهات التي تقف وراءها، إلى رسالة سياسية على كريم أخذها بعين الاعتبار في أنشطته المستقبلية
أصدر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على لسان وزيره صالح محمد العراقي بياناً دعا فيه الصدريّين إلى التهدئة وعدم الانجرار وراء الفتنة التي تحاول إشعالها الجماعات الفاسدة. وطلب من أنصار التيار الصدري العودة إلى الكهف، في إشارة إلى التزامه قرار اعتزال العمل السياسي وعدم المشاركة مع السلطة الفاسدة.
إذا ما كان الصدر وتيّاره قد اختارا الصمت والاعتزال، فإنّ تصاعد الاغتيالات لناشطين وفاعلين سياسيين، وآخرها محاولة اغتيال فخري كريم، يصبّ في إطار مساعي بعض الأطراف النافذة إلى إسكات الأصوات المعترضة أو المعارضة لسياسات هذه الجماعات، خاصة في ظلّ الهيمنة التي تفرضها الفصائل المسلّحة على الدولة والمؤسّسات، وتنذر بعودة سيطرة الأجواء البوليسية وتكميم الأفواه.
إقرأ أيضاً: العراق ساحة تبادل رسائل أميركيّة إيرانيّة