تقدُّم المشروع العربيّ لفلسطين على الإيراني… فرصة لرئاسة لبنان؟

مدة القراءة 8 د

التفاؤل بأن يدفع اقتناع الثنائي الشيعي بفصل الرئاسة في لبنان عن حرب إسرائيل على غزة منذ “طوفان الأقصى”، وعن الوضع المتفجّر في الجنوب مع إسرائيل، نحو إنجاح جهود الخماسية لملء الشغور الرئاسي، لا يتناقض مع إشارة مصدر دبلوماسي إلى أنّ إنجاح الهدنة في القطاع يخلق زخماً مفيداً للحلّ اللبناني.

يصعب استبعاد تأثير التحرّكات الدبلوماسية العربية التي تقودها المملكة العربية السعودية في سياق ما يسمّى بـ”إدارة الصراع”، حول وقف الحرب ضدّ غزة وتفاعلاتها الإقليمية والإصرار على حلّ الدولتين، على سائر الأزمات السابقة على 7 أكتوبر (تشرين الأول) أو الناجمة عنها، ومنها أزمة الرئاسة في لبنان.

بين المشروع الإيرانيّ والمشروع العربيّ

المشهد الإقليمي وفق مصدر فلسطيني يواكب الاتّصالات الخارجية، يشير إلى الآتي:

– طهران لم تستطع حتى اللحظة توظيف عملية “حماس” الحليفة لها في 7 أكتوبر الماضي سياسياً في علاقتها مع أميركا. ولذلك لجأت إلى ما يسمّيه مسؤولون إيرانيون “طوفان البحر الأحمر” وتهديد الملاحة البحرية عبر الحوثيين. فبعد ما قامت به “حماس” باتت القضية الفلسطينية بين أن تلتحق بالمشروع الإيراني أو أن يستعيد مشروع عربي ما احتضانها وقيادتها.

– تزخيم تحرّك الخماسية في لبنان مع انخراط سعودي لافت هذه المرّة، ليس معزولاً عن إمساك الدول العربية بالمبادرة في ما يخصّ القضية الفلسطينية والضغط لإنهاء حرب الإبادة ضدّ الفلسطينيين. ويقول المصدر الفلسطيني إنّ القضية كانت في مرتبة ثانية من الأهمّية خلال المحادثات بين واشنطن والرياض بعد الخطوة الأولى وهي خطّة التطبيع السعودي مع إسرائيل.

بعد طوفان الأقصى طلبت الرياض من القيادة في رام الله تزويدها بصياغة تفصيلية للمطالب الفلسطينية الثابتة، ولا سيما حلّ الدولتين، كي تطرحها في محادثاتها مع الأميركيين حول إنهاء الحرب على غزة.

فهمت الخماسية من لقائها مع الرئيس بري بأنّه باتت هناك قناعة بأنّ وجود رئيس للجمهورية مدخل إلى تطبيق القرار الدولي 1701

فالرئيس الفلسطيني محمود عباس كان يبلغ الموفدين الأميركيين خلال الأشهر الماضية، ولا سيما وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، في كلّ مرّة يحدّثونه عن ضرورة قيام حكومة فلسطينية جديدة بعد الحرب، ويعدونه بحلّ الدولتين، أن “أعطوني مشروعاً مفصّلاً وعمليّاً عن الخطوات التي تنوون القيام بها لإقامة الدولة الفلسطينية سواء لجهة الاعتراف بها ومتى يصدر قرار بذلك في مجلس الأمن، وكيف ستعالجون مشكلة المستوطنات”… فالتجارب السابقة مع الإدارات المتعاقبة كانت مخيّبة.

تبنّي الرياض المطالب الفلسطينيّة يؤخّر التطبيع

– حسب المصدر الفلسطيني إيّاه، حملت الرياض المطالب الفلسطينية بعدما أعادها “طوفان الأقصى” للصدارة، وباتت هي محور المحادثات، مع دعمها الموقف المتشدّد لكلّ من القاهرة وعمّان، برفض تهجير الغزّيين إلى سيناء وفلسطينيّي الضفة الغربية إلى الأردن، تحت عنوان اعتبار الأمن القومي لمصر والأردن من الأولويّات.

لبنان

– تمّت ترجمة التشدّد السعودي في البيان الأكثر وضوحاً الصادر عن الخارجية السعودية في 7 شباط ردّاً على قول المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إنّ إدارة الرئيس جو بايدن “تلقّت ردود فعل إيجابية مفادها أنّ السعودية وإسرائيل ترغبان في مواصلة مناقشة التطبيع”. ركّز البيان حرفيّاً على أنّ “المملكة أبلغت موقفها الثابت للإدارة الأميركية بأنّه لن يكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتمّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلّة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”. كما ذكّر بدعوة المملكة المجتمع الدولي “وعلى وجه الخصوص الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التي لم تعترف حتى الآن بالدولة الفلسطينية بأهمية الإسراع في الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ليتمكّن الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة وليتحقّق السلام الشامل والعادل للجميع”. ودعا إلى “إيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع”.

الاجتماع الوزاريّ السداسيّ وزيارات عبد اللهيان

لا صحّة للتكهّنات عن ضمّ إيران إلى الخماسية. لا اتّصال بينها وبين لجنة السفراء

– أعقب البيان بيومين اجتماع وزاري في الرياض لخمس دول ضمّ إلى وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، وزراء مصر، الأردن، قطر، والإمارات العربية المتحدة، وممثّل منظمة التحرير الفلسطينية، أكّد مضمونه وطالب بوقف فوري وتامّ لإطلاق النار وضمان حماية المدنيين ورفع القيود أمام المساعدات الإنسانية إلى القطاع… ويذكّر المصدر الفلسطيني نفسه بأنّ الرياض رفضت منذ البداية طلب واشنطن إدانة استنكار “طوفان الأقصى” التي كانت شرطاً من قبل الأميركيين.

– واكبت هذه المواقف مناقشات إقليمية ودولية حول طبيعة الدولة الفلسطينية، من ناحية أن تكون منزوعة السلاح، أو دولة منقوصة السيادة… مع اندفاع أوروبي تقدّمته إسبانيا للاعتراف بالدولة. وبقيت طهران خارج تلك المناقشات، لأنّ مشروعها تارة قيام دولة فلسطينية بلا اعتراف بإسرائيل، أو قيام دولة واحدة للشعبين الفلسطيني واليهودي.

هذا ما دفع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته الأخيرة لبيروت في 13 و14 شباط إلى القول بعد لقائه وفداً من “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إنّ “على اللاعبين الدوليين والإقليميين الآخرين الامتناع عن فرض مخطّطاتهم”.. في ما يخصّ غزة اقتصرت متابعة طهران على تسقّط ما تتوصّل إليه الدوحة التي كلّما تحرّكت نحو بيروت ودمشق يزورها وفد إيراني للاطّلاع من المسؤولين فيها ومن قيادة “حماس” على آخر مداولات الهدنة وصفقة التبادل. لكنّ المصدر الدبلوماسي القريب من اللجنة الخماسية سجّل أنّ طهران وافقت على حلّ الدولتين في البيان الختامي للقمّة العربية الإسلامية في تشرين الثاني الماضي.

تحرّك الخماسيّة لبنانيّاً بالتزامن مع الهدنة؟

يقول مصدر دبلوماسي معنيّ بتحرّك الخماسية الراعية للحلّ السياسي لأزمة الشغور الرئاسي إنّ السفير القطري في لبنان الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني سُئل خلال اجتماع سفراء الدول الخمس المعنيّة بأزمة لبنان في مقرّ السفارة الفرنسية الثلاثاء الماضي عن جديد مداولات الهدنة في غزة، فأبلغهم بأنّ هناك تقدّماً حصل في مفاوضات الأيام الأخيرة.

يصعب استبعاد تأثير التحرّكات الدبلوماسية العربية التي تقودها المملكة العربية السعودية في سياق ما يسمّى بـ”إدارة الصراع”، حول وقف الحرب ضدّ غزة

يكفي قول المصدر إنّ حرب إسرائيل ضدّ غزة أخّرت تحرّك الخماسية لتسريع انتخاب رئيس، لكي يكون تأثيرها على استكمال جهودها وجهود الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان قد حصل، لا سيما أنّ الحزب انخرط في الحرب من الجبهة الجنوبية.

مع ذلك يعتبر المصدر نفسه أنّه سواء نجحت المفاوضات على الهدنة أم لا فإنّ تزامن جهود الخماسية لإنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان معها، يقود إلى تقويم الأشهر الماضية من الأزمة كالآتي:

الفصل بين غزّة والجنوب والرئاسة

– فهمت الخماسية من لقائها مع رئيس البرلمان نبيه بري بأنّه باتت هناك قناعة بأنّ وجود رئيس للجمهورية مدخل إلى تطبيق القرار الدولي الرقم 1701 في جنوب لبنان. ترسيم الحدود يتطلّب وجود رئيس للجمهورية لأنّ الدستور ينيط به التفاوض. وهذه الحجّة بات الجميع يردّدها على الرغم من أنّ الحديث هو عن “إظهار الحدود” المرسّمة منذ 1923، وعن قرار دولي وافقت عليه المؤسّسات الدستورية منذ 2006. ولذا التفاوض هو على تنفيذ اتفاق قائم وليس على اتفاق جديد.

– إنّ الحزب أجرى “مراجعة” لانخراطه في الحرب بفعل حجم الخسائر بالمقاتلين والدمار الهائل الذي أصاب المناطق الجنوبية الحدودية. وصف المصدر الدبلوماسي إيّاه الأضرار بأنّها “مرعبة”. هناك دولٌ تعيش في حال من الانتظام يصعب عليها تحمّل عبء 70-80 ألف نازح من المناطق الحدودية، فكيف بلبنان المأزوم؟ ولربّما هذا العبء يسمح للخماسية بالدعوة إلى فصل الرئاسة عن حرب غزة. كما أنّه أجرى مراجعة لانتخابات الرئاسة اللبنانية والحاجة إلى انتخاب رئيس. كما أنّ القيادة الإيرانية تريد تهدئة الجبهة الجنوبية بحجّة ما بات معروفاً عن رفضها توسيع الحرب.

  طهران لا تتدخّل والقرار لقيادة الحزب، وهو ما جعل المصدر الدبلوماسي يكرّر المعطيات المعروفة عن أنّ طهران نبّهت حلفاءها

طهران تترك الرئاسة للسعوديّة؟

– لا صحّة للتكهّنات عن ضمّ إيران إلى الخماسية. لا اتّصال بينها وبين لجنة السفراء. جلّ ما حصل حين زار السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني نظيره السعودي وليد بخاري أنّه سأل عن معايير الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الرئاسية وما تنويه الدول الخمس.

إقرأ أيضاً: 4 أسباب لتفاؤل الخماسيّة رئاسيّاً

وأكّد أنّ طهران لا تتدخّل والقرار لقيادة الحزب، وهو ما جعل المصدر الدبلوماسي يكرّر المعطيات المعروفة عن أنّ طهران نبّهت حلفاءها على لسان عبد اللهيان منذ تشرين الثاني الماضي إلى عدم تجاهل الرياض في شأن الرئاسة، وكذلك فعل برّي بتأكيده أنّ “أيّ شخصية لا ترتضيها الرياض لن نسير بها”.

– المصدر يعتقد أنّ الفريق السيادي المعارض ينقصه الحدّ الأدنى من وحدة الموقف والرؤية.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…