انتخابات الاتحاد الأوروبي في العام 2024 ستعطي الفاشيين والنازيين، اليمينيين عموماً، ربع مقاعد البرلمان الأوروبي. المتوقع 170 من أصل 705. نصفهم يشكّكون في جدوى الاتحاد الأوروبي. ومعظمهم يجاهرون بأنّهم قتلوا اليهود منتصف القرن الماضي. وما يجمعهم هو كراهية العرب واللاجئين.
2024 هي سنة الانتخابات في أوروبا. وستختار دول القارّة في حزيران ممثّليها في البرلمان الأوروبي. وتظهر استطلاعات الرأي احتمال أن تسيطر أحزاب اليمين المتطرّف، وبعضها فاشي أو نازيّ، على ربع مقاعد الهيئة الاشتراعية فوق الوطنية. أي قرابة 170 مقعداً من أصل 705 مقاعد.
من المتوقّع أن تفوز مجموعة “الهويّة والديمقراطية” اليمينيّة المتطرّفة التي تشكّك في الاتحاد الأوروبي بـ87 مقعداً. تدعمها الشعبية المتصاعدة لأعضائها الوطنيين. وأبرزهم حزب “البديل من أجل ألمانيا”. وحزب التجمّع الوطني الفرنسي. وحزب الحرّية الهولندي. وهو تصدّر أخيراً الانتخابات العامّة في بلاده.
من المتوقّع أيضاً أن تفوز بـ82 مقعداً كتلةُ المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين البرلمانية ذات التفكير المماثل. وهي تضمّ المتطرّفين في حزب “إخوة إيطاليا” وحزب العدالة والقانون البولوني وحزب “فوكس” الإسباني.
تلقّت أحزاب اليمين المتطرّف جرعات إنعاش في كلّ الدول الأوروبية. الكبيرة والصغيرة. الغنيّة والمتوسّطة الغنى. ذات الديمقراطيات العريقة في الغرب والديمقراطيات الناشئة في الشرق. في شمال القارّة وفي جنوبها والوسط.
لماذا تتقدّم أحزاب اليمين؟ وما موقفها من العرب؟
تتقدّم أحزاب اليمين المتطرّف على الرغم من إجراءات التطويق من السلطات الحاكمة. وتتراجع الأحزاب التقليدية، سواء كانت وسطيّة أم يساريّة. تتشارك الأحزاب الصاعدة في عدم الثقة بالمؤسّسات فوق الوطنية مثل الاتحاد الأوروبي. الذي تتطلّب قراراته التسوية والإجماع.
تتّفق جميعها على أنّ الهجرة هي السبب الأوّل للمشكلات التي تواجهها المجتمعات الأوروبية. وأنّ الهويّة الوطنية الأوروبية في خطر، ويجب حمايتها من الغزو الأجنبي المتمثّل في المهاجرين. لا سيما المسلمين والعرب. لِما يسبّبونه من تهديد لتلك الهويّة.
انتخابات الاتحاد الأوروبي في العام 2024 ستعطي الفاشيين والنازيين، اليمينيين عموماً، ربع مقاعد البرلمان الأوروبي
لكنّها تختلف في قضايا عدّة مثل الحمائية والإنفاق الحكومي. بعضها يؤيّد بقوّة بقاء حلف شمال الأطلسي”الناتو”، وبعضها الآخر يميل نحو روسيا ويرى فيها سدّاً منيعاً في وجه “الهجمة الإسلامية”، فيما تريد أخرى دولة رفاهية أكثر سخاء لينعم بها سكّانها البيض الأصليون وحدهم.
سيترك صعود هذه الأحزاب أثراً على السياسة الأوروبية وسياسات الاتحاد الأوروبي حتى لو لم تتمكّن من إتمام سيطرتها على كامل دول القارّة. قد تجبرها التسويات الحكومية على التنازل عن خياراتها الأكثر حدّة. مثل الخروج من التكتّل القارّي أو طرد اللاجئين. لكنّ نجاحها سيفرض جدلاً واسعاً حول الهجرة وضبط الحدود والتجنيس وتغيُّر المناخ والاستثمار في الطاقة المتجدّدة وقضايا أخرى.
وما موقفها من إسرائيل؟
أخطر ما في الأمر هو التحوّل في موقف هذه الأحزاب وقادتها من إسرائيل واليمين الإسرائيلي. سابقاً كانت توصم بأنّها معادية للسامية. وبأنّها تنحدر من نزعة فاشية ونازية فعلت ما فعلت في اليهود الأوروبيين في الحرب العالمية الثانية وبعدها. الآن وجدت في اليمين القومي الإسرائيلي، مثلما وجد هو أيضاً فيها، شريكاً كامل الأوصاف في كره العرب والمسلمين. وتالياً القضية الفلسطينية.
عقب السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023)، دعا حزب “البديل من أجل ألمانيا” إلى خفض المساعدات والدعم المالي المقدّم إلى الجانب الفلسطيني. ولم يجد “البديل” أفضل من يائير نتنياهو، ابن بنيامين نتنياهو، ليضع صورته على أحد المنشورات الدعائية الخاصة بالحزب.
الأهمّ من الصورة تلك الكلمات التي قالها يائير وكُتبت بجانبها: “منطقة شينغن أصبحت في عداد الموتى. قريباً ستموت منظّمتكم هي الأخرى (أي الاتحاد الأوروبي) . وستعود أوروبا حرّة، ديمقراطية ومسيحية”.
كما ظهر خيرت فيلدرز، السياسي الهولندي المتطرّف، الذي فاز حزبه “الحرّية” اليمينيّ المتطرّف المناهض للإسلام بالانتخابات التشريعية في هولندا. وراح يصب جامّ غضبه على الفلسطينيين. ويطالب بطردهم من بلادهم، وتهجيرهم إلى الأردن. وهدفه النهائي منع قيام دولة فلسطينية، وتصفيتها، ودمجها فى إسرائيل، وإقامة علاقات عربية – إسرائيلية بعيداً عن القضية الفلسطينية. كما يعتبر أنّ إسرائيل خطّ الدفاع الأول للغرب في الشرق الأوسط.
إيطاليا والمجر… وعشق إسرائيل
تتشارك الأحزاب الصاعدة في عدم الثقة بالمؤسّسات فوق الوطنية مثل الاتحاد الأوروبي. الذي تتطلّب قراراته التسوية والإجماع
في إيطاليا، أقام الزعيم اليمينيّ المتطرّف ماتيو سالفيني علاقات وثيقة مع إسرائيل. وتعهّد بنقل سفارة إيطاليا في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس في حالة فوزه بالانتخابات.
في خطوة لا سابق لها، وإظهاراً للتضامن مع الدولة العبرية، عقد تحالف أحزاب اليمين الأوروبي “إي سي آر” أحد اجتماعاته السنوية في القدس المحتلّة. وهو بذلك تجاوز موقف الاتحاد الأوروبي الذي يرى أنّه تجب مراعاة الخلاف الفلسطيني – الإسرائيلي في شأن مكانة هذه المدينة، وعدم عقد اجتماعات رسمية فيها. وتظهر البيانات الرسمية للاتحاد أنّ هذه الأحزاب هي الأكثر تصويتاً لتل أبيب في القرارات الأوروبية.
رئيس الوزراء المجري القومي المتشدّد فيكتور أوربان المعادي أيضاً للسامية، هو أيضاً صديق مقرّب من بنيامين نتنياهو. على قاعدة أن تتجاهل حكومة إسرائيل موقف أوربان من اليهود، في مقابل أن يتجاهل الزعيم المجريّ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية. وشرط أن يمنع الإجماع المطلوب داخل الاتحاد الأوروبي لتمرير قرارات من شأنها أن تضرّ بالدولة العبرية.
المقايضة واضحة بين الجانبين: إسرائيل تتجاهل كراهية الأجانب والعداء للساميّة الخاصة بهم. وفي المقابل يتجاهل اليمين الأوروبي الاحتلال ويغضّ النظر عن السياسة العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني. ذلك أنّ غالبيّتهم من المسلمين المكروهين منه.
كراهية العرب… لا محبّة اليهود
لا تخفي رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أنّها بدعمها المطلق لإسرائيل تحاول أن تتبرّأ من الماضي الفاشي للحزب الذي تتزعّمه. وتالياً فإنّ الدعم غير المشروط لإسرائيل هو جزء من الخطوات لإبعاد الرائحة الكريهة التاريخية. لكن ليس هناك ما يمكن أن يخفي الحقيقة الصارخة: الفاشيون في أوروبا لم يتحوّلوا إلى محبّين لليهود. بل ببساطة هم يكرهون العرب والإسلام ومَن يدينون به أكثر.
لم يتردّد اليمين المتطرّف الأوروبي كثيراً في وضع يده في يد الصهيونية حتى يتمكّن من تحسين صورته وتقديم نفسه بشكل مختلف. يعوِّل على هذا المظهر الجديد من أجل حصد عدد أكبر من الأصوات مع الاحتفاظ بحدّ أدنى من كراهية اليهود التي تُعتبر أحد خطوطه الأيديولوجية التقليدية.
2024 هي سنة الانتخابات في أوروبا. وستختار دول القارّة في حزيران ممثّليها في البرلمان الأوروبي
في المقابل ترى إسرائيل في ذلك فرصة كبيرة لتكوين تحالفات مع عدوّ قديم. لكنّه عدوّ تجمعه مع دولة الاحتلال مصالح مختلفة ومتنوّعة.
بسرعة لافتة، تطوّرت العلاقة بين إسرائيل تحت حكم نتنياهو وهذه الحركات والأحزاب اليمينيّة المتطرّفة ذات التوجّهات الفاشيّة. فانقلبت إلى علاقة حبّ لا يعكّر صفوها سوى الصعوبة الكبيرة التي يجدها الأصدقاء الجدد في كبح جماح عداوتهم لليهود.
نتانياهو يتصالح مع يمينيي ليتوانيا… حيث قُتَلَت عائلته
من جهته، حرص نتنياهو على غضّ الطرف عن هذه “التجاوزات اليمينيّة” حتى لا تتعثّر مصالحه التي كان يرى أنّها أهمّ من تفاصيل عداء النازيين الجدد لليهود. وبالفعل لم يكتفِ نتنياهو بإقامة علاقة وطيدة مع أوربان المجريّ. بل بذل جهوداً للتقارب مع قادة اليمين المتطرّف في بولونيا وليتوانيا التي تقول بعض المصادر إنّه تمّت تصفية ما بين 95 و97 في المئة من اليهود فيها. وقُتل غالبيّتهم من طرف متعاونين مع النازيين حتى قبل وصول القوات الألمانية لاعتقالهم. وهي حقائق من المستبعد أنّها غابت عن ذهن رئيس الحكومة الإسرائيلية لأنّ أسرته قدمت إلى فلسطين مهاجرة من ليتوانيا.
الأمر نفسه ينطبق على ألمانيا حيث أقام أفضل العلاقات مع “البديل” الذي يجاهر قادته بدعوتهم الألمان إلى الاعتزاز بـ”بطولات” جنودهم في الحرب العالمية. كذلك دعت إسرائيل المستشار النمساوي سيباستيان كورتس إلى زيارة الأراضي المحتلّة على الرغم من رئاسته تحالفاً يضمّ نازيّين جدداً.
هكذا الصفقة الضمنيّة بين الطرفين واضحة: يمكن للنازيّين الجدد التباهي بتاريخهم الثقيل متى أرادوا. مقابل الدفاع عن مصالح دولة الاحتلال داخل دولهم والاتحاد الأوروبي. والحكومة وهي في أمسّ الحاجة إلى حليف من هذا النوع. لا سيما في ظلّ عزلة بدأت تعاني منها بسبب عدم التماهي الأوروبي الكامل مع سياسات الإبادة الإسرائيلية، وخصوصاً في ظلّ ما يجري في غزة.
لم يتردّد اليمين المتطرّف الأوروبي كثيراً في وضع يده في يد الصهيونية حتى يتمكّن من تحسين صورته وتقديم نفسه بشكل مختلف
ترى إسرائيل أيضاً في حلفائها الجدد نموذجاً مدهشاً للدولة التي تتوخّاها وتريدها، دولة عرقية قومية صافية محصّنة في بحر معادٍ لها. وفي المقابل يُبدي الفاشيون نوعاً من التعاطف مع تل أبيب لأنّ دولة الاحتلال تتقاسم مع أوروبا التراث المسيحي اليهودي. تراث يَعتبر اليمين رأس الحربة في الحرب الثقافية والدينية مع المشرق الإسلامي. ولذلك يُعَدُّ الحفاظ عليه أحد أهمّ الأسلحة في هذه المعركة. كما تملك إسرائيل سجلّاً حافلاً في معاداة الإسلام والعرب، الأمر الذي ينشده ويتمنّاه عتاة اليمين الأوروبي وقادتهم.
إقرأ أيضاً: إيران في السودان: “حشد شعبي” إفريقي؟